برامج"التنكيت"- إذا جاز التعبير - التي باتت تحفل بها الشاشات اللبنانية، اللبنانية تحديداً، أضحت ظاهرة لا يمكن تجاهلها، لرواجها الشعبي أولاً ثم للأثر الذي تتركه سواء في الجمهور أم في مفهوم"الصناعة"التلفزيونية. فهذه البرامج التي تجعل من"النكتة"أو الطرفة، مبدئياً، منطلقاً لها تخطت حدود"النكتة"هذه، جاعلة منها شرْكاً أو فخاً لإيقاع الجمهور وجذبه وإضحاكه وإن بطريقة مبتذلة أو تافهة في أحيان. هذه البرامج القائمة على"التنكيت"المباشر عرفت كيف ترث مسرح الشانسونييه أو القوالين فتأخذ منه طابعه التنكيتي الإباحي وتسقط عناصره الأخرى المسلّية والهزلية. انها اكتفت بهذه"الإباحية"الشعبية التي تغري الجمهور عادة. لكنها بدلاً من أن تجعل منها ذريعة أو سبباً لتقديم البرنامج جعلتها هدفاً وغاية. فإذا بها تقع في أسر التنكيت للتنكيت، التنكيت الفاضح الذي لا يتهيّب الجمهور ولا فن النكتة بذاته. برنامج"لول"تلفزيون أو. تي. في كان هو السبّاق الى هذا النوع من"التنكيت"ثم تلاه برنامج"أهضم شي"تلفزيون أم.تي.في وبدا كلاهما من طينة واحدة على رغم الاختلاف في الشكل والتقديم. هناك يتولى تقديم"المنكّتين"السمجين في أحيان، شخصان هما هشام حداد وأرزه الشدياق، وهنا تتولّى التقديم ميراي مزرعاني ب"غلاظة تامة"، يعاونها فريق من ممثلين و"كوميديين"مثل انطوانيت عقيقي ومارون نمنم وإيلي أيوب... يتسابق هذان البرنامجان على اجتذاب الجمهور بما توافر لديهما من نكات اباحية ونهفات فاضحة جداً، حتى ليسأل المشاهد نفسه: هل هو أمام الشاشة الصغيرة أم في جلسة"تنكيت"خاصة ومغلقة؟ نكات ونهفات لا تحترم الجمهور ولو انها تدغدغه وتثير ضحكه وتضرب على"وتر"غرائزه. وان أحصينا"معجم"هذه النكات لأدركنا كم أن المفردات الهابطة كثيرة. فالنكات ذات الطابع الإباحي هنا تحتقر مفهوم الجنس والعلاقة الزوجية والحبّ وتنحدر بها الى أسفل درك، محتقرة الإنسان بدوره. جلسات"التنكيت"التي يعقدها اللبنانيون في منازلهم وسهراتهم، قد تكون جميلة وعفوية. فاللبنانيون يألفون النكتة ويركّبونها أو يؤلفونها، ويروونها، وهم قادرون على قلب المآسي وجعلها هزلية وكوميدية، ولا يوفّرون سياسييهم وزعماءهم من التنكيت. اللبنانيون يحبّون الضحك حتى وإن كان على أنفسهم أو منها. أما أن تخرج هذه الجلسات الخاصة الى العلن والى الشاشة الصغيرة، فيجب أن يدرك أصحابها ان النكتة الفاضحة لا يمكن ان تتحوّل الى سلعة أو"طُعم"لصيد الجمهور. ليس المقصود هنا احترام الأخلاق بل احترام الشاشة الصغيرة والجمهور، وهذا ما يفترض الابتعاد عن الابتذال. فالنكتة الإباحية مسموح بها ولكن ما ليس مسموحاً به هو الإتجار بها واستهلاكها إعلامياً وفنياً.