لو كان الناقد سمير كامل على قيد الحياة هل كان ليسمح للفنان زياد سحاب أن يطل في البرنامج الذي يعدّه ويقدمه على شاشة «أو تي في» وعنوانه أغرب من شكله ومضمونه وهو «كلام هونيك ناس»؟ تذكرت زميلنا الراحل الذي كان من خيرة النقاد في حقل الفن والتلفزيون عندما شاهدت إحدى حلقات هذا البرنامج، فهو كان واحداً من رعاة هذا الفنان الشاب صاحب الموهبة الفريدة في التلحين والغناء، ومن المتحمسين له، عطفاً على كونه شقيق أمه أي خاله. في إطلالته التلفزيونية هذه يبدو زياد ذا مزاج آخر، مزاج حاد وعبثي ساخر حتى اللامبالاة، اللامبالاة بالنفس والصورة الشخصية واللامبالاة بالجمهور ثانياً. لا أدري ما الذي يدفع مغنياً وملحناً طليعياً، مثقفاً وملتزماً في المعنى الإنساني، الى الإقدام على إعداد برنامج سياسي قائم على السخرية والتنكيت، وعلى إثارة «النعرات» السياسية والحزبية والوطنية (ليس الطائفية طبعاً). تُرى هل إن زياد سحاب مقتنع بما يقوم به؟ هل هو مقتنع بالنكات و «النكايات» التي يطلقها على الشاشة الصغيرة؟ ولئن اختار تلفزيون «او تي في» المعروف بانتمائه الى «التيار الوطني الحر» فهو حر في هذا الاختيار وهذا حقه لا سيما في بلد تتعدد فيه الأحزاب والتيارات. لكن المفاجئ - والأليم - ان يقع هذا الفنان الشاب في فخ «البازار» السياسي اللبناني وأن يستخدم «المعجم» السياسي النافر الذي يستخدمه «السياسيون» في معاركهم اليومية التي تكاد تبلغ في أحيان حد «التعيير» والشماتة والقدح الشخصي. فكرة البرنامج جميلة لو لم يكن سياسياً، وكذلك طريقة زياد سحاب في التقديم ومساءلة الضيوف، وفي الإخراج و «السينوغرافيا». فالبرنامج ليس مغلقاً داخل الاستوديو ولا مقصوراً على ديكور جاهز وثابت. فالفنان أراد ان يضفي طابع الارتجال على برنامجه لا عبر مفاجأة الضيف أو طرح الأسئلة عليه ونصب ما يشبه الأفخاخ الكلامية له فقط وإنما ايضاً في تأهيل «البلاتو» الذي بدا ناقصاً أو في طريقه الى الاكتمال. ليت زياد سحاب جعل برنامجه فنياً، مقتصراً على أهل الفن، فهو كان نجح كثيراً في إنجاز برنامج فريد في فكرته وأسلوبه وطريقة تقديمه. كان البرنامج ليحظى برواج كبير نظراً الى الروح المرحة التي يتميز بها زياد وإلى خفته في التنكيت والتلطيش والنقد اللاذع أحياناً. لا يحتاج زياد سحاب، سليل العائلة العريقة فناً وثقافة، الى مثل هذه الإطلالة الهزيلة و «المفخخة» الآتية الى عالم السياسة من زاوية أهلية جداً بما تعني «الأهلية» من حرتقة وذم. فهذا الفنان هو أكبر من أن يقع في شرك «الفتنة» ولو عن غير سوء نية وأن يصبح أداة في «ماكينة» سياسية هي أبعد ما تكون عن فنه وعن المغامرة الجميلة التي يخوضها، كمغنّ وملحّن، يتوجه الى الناس، أياً كانوا.