يُنسب للإمام أبي حامد الغزالي عدد من الكتب والرسائل يزيد على 450 مؤلفاً، منها ما هو صحيح النسبة ومنها ما هو منحول، وقد اشتغل عدد من العلماء والباحثين قديماً وحديثاً بالبحث فيها، وتوافر عدد من الكتب التي تناولتها، منها كتاب"سيرة الغزالي وأقوال السابقين فيه"للدكتور عبدالكريم العثمان عام 1961، وبروكلمان في كتابه"تاريخ الآداب العربية"، وكذلك بويج في كتابه عن مؤلفات الغزالي بالفرنسية عام 1959، وكتاب"مؤلفات الغزالي"للدكتور عبدالرحمن بدوي عام 1961، واعتمد فيه على كل من بروكلمان وبويج. والإمام أبو حامد الغزالي 450 - 505ه / 1058 -1111م من كبار المؤلفين المسلمين الذين أثرت مؤلفاتهم المكتبة العربية الإسلامية بتراث غزير متعدد الجوانب، وما زال يمارس تأثيراً عظيماً في أوساط المسلمين في كل بقاع العالم الإسلامي. واهتم الباحثون في الشرق والغرب بتراثه وعكفوا منذ زمن طويل على دراسته، وصدرت حوله الدراسات الكثيرة ممثلة في مئات الكتب وعشرات الرسائل الجامعية والبحوث الأكاديمية. وترجم الكثير من مؤلفاته إلى الكثير من اللغات الأجنبية. ويشير وزير الأوقاف المصري محمود حمدي زقزوق في كتابه"ثلاث رسائل في المعرفة لم تنشر من قبل"المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة 124صفحة إنه على رغم أن تراث الغزالي المطبوع تراث وفير فإنه ما زالت توجد هناك في شتى أنحاء العالم مخطوطات كثيرة منسوبة إلى الإمام الغزالي، تنتظر من يقوم بتحقيقها ونشرها. سبق لزقزوق أن قام بنشر الرسالة الأولى منها وهي"رسالة في بيان معرفة الله"للمرة الأولى في مجلة"منبر الإسلام، أما الرسالتان الأخريان فيضمهما هذا الكتاب للمرة الأولى. الأولى"رسالة في بيان معرفة الله"وتشتمل على أفكار الإمام الغزالي عينها لأنها مردودة في كتبه الأخرى. وعرض زقزوق بإيجاز أهم ما تضمنته الرسالة من أفكار"حيث يريد الغزالي في هذه الرسالة أن يؤكد على النقطتين التاليتين في ما يتعلق بمعرفة الله تعالى: النقطة الأولى لا يستطيع المرء إطلاقاً أن يعرف الله تعالى معرفة كاملة، إذ إنه لا يستطيع أن يعرف الله تعالى حق معرفته إلا الله، ولا يحيط بكنه جلاله سواه. ويسرد الغزالي في هذا الصدد كثيراً من الأمثلة التي توضح هذه الحقيقة. ومما هو جدير بالذكر في هذا المقام أن ديكارت أبا الفلسفة الحديثة يتفق مع الغزالي في هذا الرأي حيث يقول في كتابه"التأملات":"فإن من شأن اللامتناهي الله أن يعجز المتناهي الإنسان عن الإحاطة به". والنقطة الثانية: كل ما يستطيع المرء أن يحصل عليه من معرفة في هذا المجال هو معرفة ناقصة، وهذه المعرفة تتحقق - بناء على رأي الغزالي - بطرق مختلفة تتمثل في ما يأتي: من طريق دلالة الخلق على الخالق. وهذه معرفة الفعل وليست معرفة بالأوصاف لا بالحقيقة. من طريق إثبات صفات الحياة والعلم والقدرة لله. وهذه المعرفة معرفة بالأوصاف لا بالحق. من طريق إثبات استحالة صفات معينة عليه سبحانه وتعالى كالحدوث والجسمية والعرضية الخ. وهذا علم بسلب أمور عنه وليس علماً بحقيقة الذات. هذه هي المناهج الثلاثة التي يرجع إليها الغزالي - في هذه الرسالة - معرفة الخلق بالله تعالى وعند هذا إذا أمعن العارف بعد هذه المعارف يتبين له... استحالة إطلاع الخلق على كنه معرفة ذاته، وذلك هو نهاية العارفين. وعند ذلك يقولون: العجز عن درك الإدراك إدراك، كما يقول الغزالي في هذه الرسالة. أما الرسالة الثانية رسالة في المعرفة بدأت بتقسيم المعرفة إلى قسمين: معرفة الحق وهي الفرار من النفس، ومعرفة الحقيقة وهي القرار مع الله تعالى، وبينت العلاقة الوثيقة بين العلم والعمل، وتحدثت عن حقيقة النفس وعن صفاتها وصورتها ومكانها من البدن، وفرقت بين وساوس النفس وهواجس الشيطان، وبينت علامات من يجعل من نفسه غايته الوحيدة، وتحدثت عن تقسيم النفس إلى أمارة ولوامة ومطمئنة، وأشارت إلى الأمور التي تشبه بها النفس، ثم تحدثت عن علامات التائبين والزاهدين والعارفين. وبعد الانتهاء من الحديث عن النفس انتقلت الرسالة إلى الحديث عن صفات الله - عز وجل - وتقسيمها إلى صفات ذاتية وصفات معنوية، ثم أشارت إلى أن أخص وصف الإله هو قدرته على الاختراع والإبداع. وتطرق الحديث في هذا المقام إلى الكلام عن مقام الصديقين في المعرفة. ثم تحدثت الرسالة عن حقيقة المعرفة، وعن علامات العارف، وعن المعارف التي لا بد من الحصول عليها كي يستطيع المرء أن يعرف الله حق المعرفة، وهي أن يعرف المرء الدنيا بالفناء والآخرة بالبقاء والنفس بالخطأ، وأشارت إلى الفرق بين العبادة والعبودية: فالعبادة إثبات الطاعة، والعبودية الغيبة عن رؤية الإخلاص في الطاعة. والملاحظ أن الرسالة قد تناولت كل هذه الموضوعات المختلفة من دون تقسيمها إلى فصول مستقلة واكتفت في معظم الأحيان بطرح سؤال يحدد الموضوع المراد تناوله، ثم يجاب عنه. ولذلك رأى زقزوق إضافة عناوين جانبية في الرسالة قبيل كل نقطة من تلك النقاط لتكون بمثابة إشارات تحدد الموضوع المراد بحثه، ثم تقسيمها إلى فصول، وجعلت لكل فصل منها عنواناً خاصاً. وتدور هذه الفصول حول مفاهيم صوفية وذلك على النحو التالي: فصل في حجاب العبد عن ربه، وفصل في الهمة والإرادة والمنية، وفصل في التجريد والتفريد، وفصل في المجاهدة والمكاشفة والمشاهدة، وفصل في الأدب والهيبة والتعظيم، وفصل في الخواطر، وفصل في بيان الشريعة والحقيقة، وفصل في الذكر. وبعد ذلك يأتي فصل عن الولي وخصائصه، وفصل في الابتداء والانتهاء، وفصل في البلاء، وفصل في السكر. الرسالة الثالثة رسالة في معرفة النفس وفيها يعالج الغزالي أربع موضوعات أساسية يقوم عليها البناء الإسلامي وهي معرفة النفس، ومعرفة الله تعالى، ومعرفة الدنيا، ومعرفة الآخرة. ونظراً الى أن طبيعة الموضوعين الأولين متداخلة فإنه لم يفرد كل واحد منهما ببحث مستقل، بل تناولهما معاً باعتبار أن معرفة النفس تعد مدخلاً أو مفتاحاً لمعرفة الله استناداً إلى حديث شريف يردده في كثير من كتبه وهو أن: من عرف نفسه فقد عرف ربه. وهنا يتحدث الغزالي عن خلق الإنسان من شيئين أساسيين وهما الجسد والقلب. ويفصل القول في الكلام على الجسد وعجائب صنعه ووظائف أعضائه، ويبين أن من يتأمل في عجائب صنع الله في جسده، فإنه لا شك سيصل إلى معرفة أن الله هو الحق المتصف بكل صفات الكمال. ثم يتحدث بعد ذلك عن القلب ومزيته على الجسد من جهة العلم ومن جهة القدرة، ويبين أن هذا الجسد مسخر للقلب. وفي معرض حديثه عن القلب يتحدث عن التأثيرات التي تؤثر في القلب، والناتجة عما يفعله الإنسان من خير وشر. ويسمي هذه التأثيرات أخلاقاً. ويفصل القول في الحديث عن الأخلاق المحمودة والأخلاق المذمومة. ويقسم الأخلاق إلى أخلاق البهائم وأخلاق السباع وأخلاق الشياطين وأخلاق الملائكة، ويبين أن الإنسان مطالب بأخلاق الملائكة، ومطالب بالتغلب على الأنواع الأخرى من الأخلاق فالإنسان إذا كان مشاركاً للحيوانات في أمور معينة فإن شرفه وفضله وكرمه لا يتمثل في هذه المشاركة، وإنما فيما أنعم الله عليه من علم ومعرفة وعقل. وبذلك يختم الغزالي حديثه عن الأصلين الأولين وهما معرفة النفس ومعرفة الله. ثم يتحدث عن الأصل الثالث وهو معرفة الدنيا، ويبين أن الدنيا منزل من منازل السائرين إلى الله تعالى. وفي هذا المقام يتحدث عن الإنسان بين الكمال والنقص. فإذا كان الإنسان قد خلق في ابتداء أمره ناقصاً فإن لديه استعداداً لتحصيل الكمال، وإذا كان الإنسان في حاجة إلى ما يحفظ به جسده من المهلكات ويحصل به غذاء الجسد، فإنه في الوقت نفسه في حاجة إلى ما يحفظ به قلبه من أسباب الهلاك، وهو غذاء القلب الذي يتمثل في معرفة الله تعالى ومحبته. وتعهد الجسد وترك تعهد القلب يحرم الإنسان من سعادته. ويبين الغزالي أن احتياجات الجسد من الطعام والملبس والمسكن إذ زادت عن حدها صارت سبباً للهلاك بخلاف معرفة الله ومحبته كلما كثرت كان ذلك أفضل. ويتحدث بعد ذلك عن الشهوة والعقل والحاجة إلى الصناعات وإلى الاجتماع مبيناً كثرة اشتغال الإنسان بأمور الدنيا. ويبين أيضاً أن احتياجات الجسد من طعام ومأكل ومسكن إذا كانت لأجل الجسد وحفظه فإن الجسد من ناحية أخرى هو للقلب، والقلب هو لتحصيل معرفة الله. ويختم الغزالي كلامه عن الدنيا بالتحذير منها، ويذكر في هذا الصدد حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه:"احذروا من الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت". وبعد ذلك يتحدث عن الأصل الرابع وهو معرفة الآخرة، ويبين أن معرفة الآخرة متوقفة على معرفة الموت، ومعرفة الموت، متوقفة على معرفة الحياة، وإذا كان الإنسان مركباً من جسد وقلب فإن الجسد مركب من قلب وروح. وهنا يفصل القول في الحديث عن الروح ويقسمها إلى روح حيوانية أو جسمانية وروح روحانية. وإذا كانت الأولى يبطل حسها وحركتها بموت الجسد، فإن الثانية لا يعتريها تغير. ويبني الغزالي كلامه عن الروح الروحانية على الآية الكريمة ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، ومن الروح يقتبس الأنبياء وكبار الأولياء، ولا حظ لقلوب الكفار منها. أما قلوب المؤمنين فتنال بركتها بواسطة الأنبياء والأولياء. وعلى رغم بيان الغزالي لما تمنحه هذه الروح الروحانية ولمن تمنح. إلا أننا لا نستطيع أن نخرج من كلامه عنها بفهم محدد لها. ثم يتحدث الغزالي عن الجنة والنار، ويبين أن لكل من الجسد والقلب جنته وناره"ويقسم النار إلى ثلاثة أقسام: أولها نار فراق الشهوات، وثانيها نار الحياء والفضيحة والخجل، وثالثها نار الحرمان من رؤية الله تعالى. أما جنة القلوب فتتمثل في رؤية الله تعالى في دار القرار ومشاهدة كمال الذات ومعاينة كمال الصفات.