يتواصل"سجال غياب الثقة"عربياً مع العراق، حيث"تتمتع"حكومة المالكي بعلاقات باردة أو غير مشجعة مع سورية خصوصاً بعد تفجيرات الأربعاء الدامي في آب أغسطس وبعد حديث عراقي عن استمرار الدعم السوري لأعمال العنف في العراق... والسعودية نتذكر مثلاً، تصريحات المالكي بأنه لا جدوى من أي مبادرات ديبلوماسية تجاه السعودية لأنها استهلكت ولا فائدة من تكرارها لأنها فُهمت على أنها علامة ضعف... والأردن زيارة رئيس الوزراء الأردني نادر الذهبي قبل أسابيع إلى بغداد قوبلت بفتور عراقي وكان الأردن يؤمِل أنْ تسفر عن إفراج عن المعتقلين الأردنيين في العراق وهو ما لم يحدث... والكويت الحديث الكويتي عن تعديات عراقية على الحدود الكويتية/ أزمة التعويضات والديون الكويتية على العراق...... وهناك أيضاً عُقدة الحضور والتمثيل السياسي السنّي في التركيبة السياسية العراقية وفي مؤسسات الدولة والأجهزة الحكومية والأمنية، وثمة عقدة العلاقة التي تربط الحكومة العراقية بطهران في شكل يتجاوز مجرد علاقة قوية بين بلدين جارين. وقد اختصر رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي في حديث إلى"الحياة"في 19/9/2009 هذا المشهد بقوله:"ليست لدى المالكي صيغة واقعية للتعامل مع دول الجوار، فالكل في نظره بات متهماً". ودعا علاوي إلى"مؤتمر إقليمي بعد الانتخابات التشريعية في العراق في كانون الثاني يناير المقبل للحديث المباشر بين العراق وجيرانه وحل الخلافات". هذه الأجواء المشحونة وغير السوية في العلاقات تستدعي تفكيراً جادّاً في سبل تجاوزها. وربما يكون من المهم للديبلوماسية العربية أن تقوم بعملية تقويم للأسس والاعتبارات التي حكمت تعاطيها مع العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. هذه المراجعة الضرورية ينبغي لها أن تتساءل عما إذا كانت تلك الاعتبارات أثبتت نجاعة في حفظ المصالح العربية وتخفيض عوامل تهديدها. ومن الأسئلة الكبيرة التي يستدعي طرحها ومناقشتها في إطار تلك المراجعة: هل السعي إلى تكثيف الحضورين العربي الديبلوماسي والاقتصادي وغيرهما في العراق قبل حل الخلافات بين العراق وجيرانه وتحديد هوية الحكومة العراقية وأولوياتها وتحالفاتها الخارجية مكافأة سياسية بلا ثمن على مشاكل وهواجس لم تُزلْ وتسوَّ، أم أنها الوسيلة الأقصر لحل مثل تلك المشاكل، باعتبار لغة المصالح أمضى أثراً وأشد تأثيراً من لغة الأيديولوجيا والاعتبارات المذهبية؟ تصريحات السفير الأميركي لدى العراق كريستوفر هيل الأخيرة بأن العراق يمكن أن يصبح محركاً للاستقرار الإقليمي والنمو الاقتصادي، وحديثه عن أن علاقة العراق مع جيرانه ستحدد شكل المنطقة في السنوات المقبلة لم تنل حظها من المناقشة والتحليل في المنطقة العربية. وهناك أصوات أميركية تدعو إلى ضرورة إطلاق نقاش حول طبيعة النظام الأمني في الخليج في أعقاب سحب القوات الأميركية من العراق عام 2011. ومنذ انتهاء الحرب الباردة، استخدمت واشنطن، كما أشار تقرير لصحيفة"الغارديان"، قوتها العسكرية لإدارة المشكلات الأمنية في الخليج، لكن مع انسحاب القوات الأميركية من العراق، ستتخلى واشنطن عن دور مباشر في أمن الخليج للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين. والحديث الذي أدلت به وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قبل فترة بخصوص إمكانية نشر الولاياتالمتحدة ل"مظلة دفاعية في الشرق الأوسط"لحماية حلفائها من تهديدات إيران النووية، يشير بحسب الصحيفة، إلى أن الولاياتالمتحدة تحاول إقامة هيكل أمني أكثر اعتماداً على الذات، يتطلب مشاركة خارجية فقط في الظروف الصعبة. وقد علّق مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، بحسب"واشنطن بوست"4/7/2009 على تحذيرات جو بايدن للعراقيين في تموز يوليو الماضي من أن عودة العنف الطائفي إلى العراق ستنهي الالتزام الأميركي إزاء العراق بأنها تعني أن"على العراقيين أن يحلّوا مشاكلهم ويواجهوا تحدياتهم بأنفسهم وليس علينا أن نحلها لهم. وقد دعت دراسة أميركية، نُشرت في تموز 2009 في"واشنطن كوارترلي"، أعدها كل من داليا داسا كاي، نائبة مدير"مركز السياسة العامة للشرق الأوسط"ب"مؤسسة راند"الأميركية وفريدريك ويهري، المحلل السياسي ب"مؤسسة راند"، إلى تبني منظور جديد لمرحلة ما بعد العراق الجديد، ويكمن هذا المنظور في وضع هيكل جديد للأمن الإقليمي. كما أشار ديفيد إجناتيوس في مقاله في"واشنطن بوست"15/9/2009 إلى أن بقاء المصالحة السياسية في العراق مجرد شعار أكثر منها حقيقة وبقاء جيران العراق كتهديد كامن أكثر منهم شركاء لبغداد يعني أن ما ينقص العراق هو إطار عمل أمني إقليمي يسمح للعراق اليوم باستعادة مكانته الإقليمية، وسيتطلب بناء مثل هذا الإطار جهوداً ديبلوماسية هائلة ترمي الى جذب كل الدول المجاورة للمشاركة في حوار بنّاء. الكلام الأميركي هذا، فهمه لاعبون رئيسيون في المنطقة مثل تركياوإيران، ووعوا مبكراً ارتباط شكل المنطقة مستقبلاً بالعراق، وسواء أجاء هذا الفهم تحت سياق ملء الفراغ إيران أو الانخراط الديبلوماسي والاقتصادي الديناميكيين ومد شبكة التحالفات وتشعيبها تركيا، فإنه يكشف عن استجابة عربية شبه غائبة أو مرتبكة وغياب للرؤية الاستراتيجية، عبّرت عنها أخيراً الأزمة العراقية - السورية، حيث جاءت الوساطة لحل مشكلة بين بلدين عربيين من تركياوإيران. * كاتب أردني نشر في العدد: 16977 ت.م: 27-09-2009 ص: 10 ط: الرياض