يتساءل مراقبون كيف أصاب الاعتلال نظام تايلندا، وكيف انزلقت الى الانقلاب العسكري والاضطرابات الأمنية وأعمال العنف. ويلف، اليوم الغموض مستقبل البلد، ويتعاظم الاستقطاب الذي يقسم مجتمعه. وقد يتفاقم الانقسام مع انكماش الاقتصاد. فلا يبدو مستقبل الديموقراطية التايلاندية واعداً. وإذا لم تُرس أسس مؤسسات دولة تردم هوّة الانقسام بين الجماعات التايلندية، تربص بها الأسوأ. وتعود الازمة الى 2001، يوم فاز في الانتخابات حزب"تاي راك تاي"التايلانديون يحبون التايلانديين، وعلى رأسه ثاكسين شيناواترا، البليونير الذي جمع ثروة طائلة من قطاع الاتصالات، وانتهك أصول الحكم الديموقراطي حال وصوله الى السلطة. وتوحدت المعارضة تحت لواء"التحالف الشعبي من اجل الديموقراطية"، في 2006، وأجمعت على أن ثاكسين يتهدد النظام الملكي ووحدة البلاد. ويخشى التحالف هذا من أن يكون ثاكسين في سدة السلطة في مرحلة وراثة العرش الدقيقة. وعلى رغم انتهاك مبادئ الديموقراطية، يطلق رئيس الوزراء وأنصاره على انفسهم اسم"الجبهة الديموقراطية المتحدة ضد الديكتاتورية". ويناهض خصومها الديموقراطية، ويدعون الى استبدال البرلمان المنتخب بجمعية يُنتخب قسم من اعضائها، ويُعيّن قسم آخر. ويزعمون أن معظم المقيمين في الارياف غير مؤهلين للمشاركة في الانتخابات العامة. وفي 2006، حمل التحالف الجيش على التدخل في الشؤون السياسية، وإطاحة حكومة ثاكسين. وبعد عام من حكم الانقلابيين، أجريت انتخابات. وشكلت حكومة ائتلافية على رأسها"حزب سلطة الشعب"الذي حل مكان حزب ثاكسين. وفي 2008، نظمت المعارضة تظاهرات رأى أصحابها أن مشروع تعديل الدستور يعبّد الطريق الى عودة ثاكسين الى السلطة. واستقال رئيس الوزراء التايلندي، ساماك سندارافيج، وهو من حزب"سلطة الشعب"، بعدما قضت محكمة بأن مشاركته في برنامج عن الطهي تنتهك الدستور التايلندي. ولكن التظاهرات اليومية المناهضة للحكومة التي يرأسها سومتشاي ونغساوات، استمرت وتعاظمت. واحتُل مطارا بانكوك، في تشرين الثاني نوفمبر 2008. ولم تهدأ الازمة قبل حل حزب"سلطة الشعب"، وإرغام سومتشاي على الاستقالة. والحق أن الصراع في تايلندا سياسي، وليس اجتماعياً أو اقتصادياً. وهو تفاقم منذ ظهور"المال الجديد"في أيدي تايلنديين من اصول صينية، وثاكسين منهم،، جراء ارتفاع حجم الصادرات، وتحديث الاقتصاد. وأجج ظهور طبقة الأثرياء الجدد النزاع مع أصحاب"المال القديم"أو قدامى الاثرياء، أي الاسرة المالكة والنخبة التقليدية. وأدخل النزاع الحكومة في مواجهة المؤسسة التي كان يفترض فيها ان تذلل خلافات بين المجتمع والملكية، أي المجلس الملكي الاستشاري. فدخلت الحكومة في مواجهة مع الملك. ويتنافس القصر وثاكسين على بسط النفوذ، واستمالة قلوب الجماهير. فبرزت انقسامات مناطقية فاقمها التفاوت الكبير في توزيع عوائد النمو الاقتصادي بين المناطق. وثمة من يتوقع انفجار أزمة حكم، إثر وفاة الملك. وأغلب الظن أن يلجأ قائد الجيش الى"قانون الامن الداخلي"الذي يمنحه سلطات تفوق سلطات رئيس الوزراء في تنظيم المرحلة الانتقالية. وتفشي العنف في الحياة السياسية يتهدد تايلندا. ويدعو ابهيسيت الى الاحتكام الى القوانين وإلى ارساء الحكم الصالح. ولكنه يعجز عن لجم"تحالف الشعب من اجل الديموقراطية"الذي لا يخفي ميله الى الخروج على القانون والدستور. والسبيل الى استقرار تايلندا هو توسيع قاعدة المشاركة، والاهتمام بمعاناة الناس في الشمال، والشمال الشرقي، لتفادي تنظيم سياسيين شعبويين من أمثال ثاكسين الاحتجاجات. فتنزلق تايلندا الى الفوضى، وتنهار الديموقراطية فيها، بعدما كانت ركناً من أركان الاستقرار في جنوب شرقي آسيا قبل اعوام قليلة. * صحافي سويدي عن"فورين افيرز"الاميركية، 7-8/ 2009، إعداد حسام عيتاني نشر في العدد: 16910 ت.م: 22-07-2009 ص: 22 ط: الرياض