لا يجادل أحد في تاريخية حزب الدعوة وتوجهات أفكاره الدينية وجهادية عمله في الفترة التي خاض فيه نضالاً ضد النظام السابق وكيف ساق الأخير رجال الدعوة وقياداته إلى أعواد المشانق أبان مرحلة التصفيات الجسدية. ومنذ سقوط النظام السابق عام 2003 ورجوع الأحزاب والقيادات السياسية إلى العراق وتسنمها مواقع قيادية ومسؤولة فيه، بدأت توضع هذه الأحزاب على المحك حيث قامت بترشيح بعض قياداتها وأعضاء مكاتبها السياسية لتولي زمام وزارات ومناصب مهمة في الحكومة وبالتالي انتقلت هذه القيادات والأحزاب من أرض المعارضة إلى ساحة الحكم، ومن فضاء النظريات والرؤى التي رسمتها أدبياتهم السياسية إلى معترك التطبيق والعمل. لكن للأسف، قامت قيادات من هذه الأحزاب بالإساءة الشديدة إلى تاريخ أحزابها ونضالها ودماء شهدائها حين ظهرت ملفات فساد مالي وإداري هائلة في وزارتهم أو دوائرهم التي تسنموا قيادتها. والأنكى أن بعض هؤلاء المتهمين بالفساد ينتمي لأحزاب سياسية دينية تتحدث باسم الإسلام. وما حدث في وزارة التجارة أمر واضح وجلي وهو غير مقبول مطلقاً بحق وزير التجارة أولاً وحزب الدعوة - تنظيم العراق ثانياً الذي شاهدنا أعضاءه في البرلمان يدافعون عن فلاح السوداني ويقفون معه ويحاول بعضهم تعكير الاستجواب كما نبّه إلى ذلك فرياد راوندوزي الناطق باسم التحالف الكردستاني حينما كان عبد الهادي حساني وهو عضو حزب الدعوة يعرقل الاستجواب. الشعب العراقي تابع الاستجواب وظهر له جلياً تقصير وزير التجارة في هذه القضية، بل إنني، ومن وجهة نظر صرفة، لم اجعل من الاستجواب وما حدث فيه معياراً يكشف لي الفساد الفظيع في وزارة التجارة، بل كان معياري الوحيد هو ما يأتي للفقير العراقي المسكين من مواد غذائية في حصته التموينية نهاية كل شهر، إن جاءت أصلا في وقتها، فهي مفردات اقل ما توصف بأنها بائسة ومن مناشئ غير أصلية ومن طريق مقاولين تكون لهم نسبة كبيرة في الربح على حساب الجودة. وقبل إقالة السوداني سارع هو الى تقديم استقالته لرئيس الوزراء الذي بدوره قبلها في خطوة أثارت ردود فعل غاضبة عند بعض البرلمانيين الذين عدّوها خطوة غير دستورية ولا قانونية حيث كان هؤلاء ينتظرون إقالته لا استقالته وبالتالي احتفاظه بكامل حقوقه. ثم حدث الذي توقعه الكثير حيث اعتقلت أجهزة الأمن السوداني. والآن هل يسمح حزب الدعوة - تنظيم العراق أن أساله الأسئلة الآتية؟ هل يمكن أن تعتذروا نيابة عن فلاح السوداني وتقدموا درساً رائعاً في ثقافة الاعتذار؟ أم يبقى حزب الدعوة يدافع عن فلاح السوداني على رغم وضوح تقصير وزارته في شكل لا مجال فيه للشك. هل يعلم أعضاء حزب الدعوة ماذا سيقول الفقير العراقي عنهم وهو يراهم يدافعون عن وزير التجارة؟ وأيهما أفضل للدعوة... الدفاع عن فلاح السوداني أم الدفاع عن فقراء العراق؟ إن على الإخوة في"الدعوة"أن ينتبهوا إلى أصداء وتداعيات الفساد في وزارة التجارة في الشارع العراقي ولدى الفقير المسكين الذي بدأ ينظر بتوجس وشك إلى الأحزاب الدينية التي لم تقدم ما يطمح إليه! مهند حبيب السماوي - بريد إلكتروني