يتسم موضوع اللاجئين العراقيين بالحساسية البالغة بسبب أعدادهم المهولة. فطالب اللجوء يبني طلبه على قصة، ومن دون الخوض في مصداقية القصة، فإن اللوم في اطار المسؤولية الدولية وحماية حقوق الإنسان يقع على الدولة التي يحمل المواطن جنسيتها والهارب بحياته منها او بسبب فشلها في حمايته. وعليه فالدولة العراقية تتحمل المسؤولية الدولية تجاه لاجئيها ولو ان الدولة العراقية قادرة على حمايتهم لما طلبوا اللجوء وهذا هو المنطق الأوروبي تجاه العراق. ولما كانت الدولة بكل أجهزتها تسعى لإعادة احترامها على المستوى الدولي فلقد اظهر جهد الدولة الداخلي تحسناً في الحالة الأمنية الداخلية بحيث أعيدت بعض مناطق بغداد التي كانت تحت السيطرة المطلقة لمليشيات جيش المهدي او لإرهابيي القاعدة الى سيطرة الدولة. وبطبيعة الحال فإن الدولة عكست هذا التطور الإيجابي من خلال حث الدول الأجنبية على اعادة فتح سفاراتها في العراق وجذب المستثمرين الأجانب والشركات الأجنبية للمساهمة في اعادة اعمار البلاد. ومن الطبيعي ان الدول الأوروبية خصوصاً لم تكن لتبدي أي تعاون اقتصادي او سياسي مع العراق ما لم تقم الحكومة العراقية بتحسين سجلها الداخلي في موضوع حقوق الإنسان وأن تثبت انها قادرة على السيطرة على الأرض، وأنها حكومة فعلية وليست حكومة المنطقة الخضراء، ومن هذا المنطلق سعت الحكومة العراقية فعلاً وأقنعت العديد من الدول بأنها تقوم بجهود حقيقية لتحسين ملف حقوق الإنسان وأنها سيطرت على الأرض وأزاحت الى حد بعيد الإرهاب القاعدي والميليشيوي، وبدأت الحكومة تحث اللاجئين على العودة الطوعية الى العراق، وقاد الجهد الفعلي في هذا الموضوع رئيس الوزراء نوري المالكي بل وصل الأمر به الى حد تخصيص طائرته الخاصة لنقل اللاجئين في مصر بل وأصدر امراً بأن طائرته في خدمة اللاجئين العراقيين الراغبين في العودة من أي بلد عربي او غير عربي. ان غالبية طلبات اللجوء هي في جوهرها اقتصادية، فالمواطن هارب من الوضع الاقتصادي الصعب، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها ولا يمكن نكران تقصير الدولة فيها، وعليه فطالبو اللجوء هم مهاجرون وليسوا مهجرين في معظمهم، ويخضعون لقوانين الهجرة الأوروبية وليس لقوانين اللاجئين الأوروبية، ومن هنا فإن الإبعاد الأوروبي استند إلى اعادة تصنيف اللاجئين، من لاجئين الى مهاجرين غير شرعيين، وعليه فالتحاور مع العراق تم على اساس استقبال المهاجرين غير الشرعيين اذ ان اللاجئ لا يمكن اعادته الى دولته بلا موافقته. لكن اللاجئين العراقيين اعترضوا. فهم صرفوا عشرات آلاف الدولارات للوصول الى الحلم الأوروبي، ورتبوا حياتهم وحياة عوائلهم على نحو مختلف وأصبحوا يعيشون فعلاً في الحلم الأوروبي، لذا فهم غير مستعدين للعودة الى الواقع العراقي الاقتصادي الصعب. ياسين البدراني - بريد إلكتروني