تهدد الأزمة"السوق الكبير"، الاتحادي الأوروبي، بالخطر. فالأزمة تستفز ردوداً قومية، وتمتحن اقتصاد السوق، وهو ركن الاندماج الأوروبي. وانقاذ"السوق الكبير"أمر حيوي. فإذا خسرته الشركات الأوروبية فقدت العامل الأساس والأول في قدرتها التنافسية في أسواق العالم، وضاق سوق العمل ونضبت موارده، ومشكلة أوروبا أننا لم نبنِ بإزاء السوق ونظير العملة الأوروبية الموحدة اقتصاد سوق اجتماعياً ومندمجاً على صعيد أوروبا. والحق أن الانغلو - ساكسونيين والدول الجديدة التي دخلت الاتحاد شلوا تنسيق السياسية الضريبية، خوفاً من أن تؤدي الى زيادة الضرائب. وانتهجت الدول الأوروبية سياسة تنافس ضريبية عادت على رأس المال بالمنافع، على حساب العمل والعاملين. وخسرت عوائد كانت كفيلة بمحاربة التفاوت، وبتمويل الخدمات الاجتماعية. فدعا هذا الدول التي تقيم اعتباراً للمسائل الاجتماعية، شأن المانيا وفرنسا، الى التوسل بالمساعدات الحكومية، وبتقييد الشركات الأجنبية وعرقلة عملها، وتأويل المذكرات التي تنظم عمليات استملاك الأسهم أو قطاع الخدمات تأويلاً ضيقاً. وتقود السياسات المواربة هذه الى السيطرة الحكومية على النشاط الاقتصادي، وترجئ أعمال الهيكلة والدمج والتوسيع. ويستحيل تحفيز الاندماج الأوروبي، وبعث الروح فيه، من غير ميثاق يصالح السوق والسياسة الاجتماعية. وعلى اقتصادات السوق الاجتماعية، وعلى وجه الخصوص المانيا وفرنسا، تجديد التزامها السوق الواحدة، وقواعد المنافسة والمساعدات الحكومية. ومن وجه آخر، على الدول الانغلو - ساكسونية والدول الجديدة العضوية، الحريصة على السوق الواحدة، قبول التنسيق الضريبي. فالتنسيق هذا شرط لا غنى عنه في سبيل تمكين الدولة من تمويل سياسة اجتماعية من طريق أدوات اقتصادية تقليدية لا تتنافى مع الاندماج، ركناها الموازنة وسياسة ضريبية توزيعية. ولعل من نتائج الأزمة تجديد مناقشة ترتيب النماذج الانغلو - ساكسونية الليبرالية واقتصاد السوق الاجتماعي، وعلاقتهما. وقد تكون المناقشة المتجددة الفرصة المرجوة لصوغ مساومة تتولى تحفيز أوروبا، وإبراز المنافع التي يسع كلا الفريقين أن يجنيها من المساومة. وأرجو أن تضطلع المفوضية، بعد الانتخابات الأوروبية، بطرح المسألة على المناقشة، وأن يبادر البرلمان الأوروبي الى متابعتها وبلورتها. وأما الاحتمال الآخر فهو تصدع أوروبا. فالمهمة العاجلة والداهمة هي الاتفاق على قاعدة مشتركة تحتسب عليها الضريبة على أرباح الشركات، وربما على نسبة دنيا ثابتة. والمسألة الثانية هي إقرار موازنة متينة تتخطى التنسيق العسير بين الحصص الوطنية. والمسألة الثالثة هي انتهاج سياسة صناعية أوروبية فعلاً. ويقتضي هذا مالاً واستثمارات. ولا يستقيم اشتراط قصر الموازنة الاتحادية على 1 في المئة من الناتج الإجمالي الداخلي، مع المطالبة بسياسة زراعية مشتركة تمتص معظم الموازنة، واقتراح سياسة صناعية فاعلة، في آن. * مفوض أوروبي الى السوق الداخلية ثم الى المنافسة، رئيس جامعة بوكوني بميلانو، عن "لوموند" الفرنسية، 7-8/6/2009، إعداد و. ش نشر في العدد: 16868 ت.م: 10-06-2009 ص: 28 ط: الرياض