للوهلة الأولى، الأمور كلها على ما يرام: فالبورصات الكبيرة ترتفع مؤشراتها، والمصارف تعلن على الملأ أنها استعادت ثقة الجمهور، وزيادات رأس مال الشركات تنفق على خير ما كان منتظراً، ووضعت خطط تحفيز ضخمة، والإجراءات المتوقعة في قمة مجموعة العشرين ينبغي أن تعالج مسائل عصية مثل شفافية بعض الفراديس الضريبية ومراقبة وكالات التصنيف وزيادة موارد صندوق النقد الدولي. وغداة قمة العشرين، لن يتأخر ادراك بقاء الأمور على حالها تقريباً، للأسف. - فارتفاع مؤشرات البورصات يعود الى ابتداء تنفيذ اجراء أقر قبل أشهر، في 2 نيسان (ابريل). ويتيح الإجراء تقويم الأصول بسعر يفوق سعر السوق. فلن يتأخر تردي المؤشرات هذه، والبورصات انما «تشتري تحت وقع الشائعات وتبيع تحت وقع الخبر». - لا يتوقع المساس بمركزي التهرب الضريبي والتلاعب المالي وهما بورصتا لندن ونيويورك. ولا يجهر أحد من المشاركين في قمة مجموعة العشرين عزمه على اعادة النظر في نظام ال «تريست» البريطاني، أو في التشريع الضريبي بولايتي دولاوير ونيفادا الأميركيتين، أو في تشريع ماكاو أو هونغ كونغ. - يتعاظم استعمال حقوق السحب الخاصة، وهي تبلغ نحو 60 بليون دولار، على غير وجه التأمين أو الضمان الذي أنشئت في سبيله، بل في المضاربة على إفلاس الشركات، وفي الأحيان في استدراجها من طريق مفاعيل تعويض ضخمة. والحكومة الأميركية لا ترى ضيراً في الأمر. وهي قدوة سيئة في هذا المجال. فخطة وزير خزانتها غايتنر، تبيح لبعض الصناديق الأميركية الإثراء من طريق استرجاع أصول مصرفية تسمى «مسمومة»، وذلك من جيب المكلفين ومسددي الضرائب! - والى اليوم، ليس في حيازة المصارف الأولى ملاءتها الخاصة وموجوداتها. فهي لا تزال تتمتع بحق ضمان قروضها، بواسطة وثائقها وسنداتها الخاصة، 100 في المئة، على رغم ان هذا الضمان هو مصدر مشكلة الرهون العالية المخاطر الناجمة عن تسليف من غير مخاطرة. ولا تزال سيولة شركات التأمين غير متوافرة ولا آمنة. وثمة عدد لا يحصى من الشركات الصناعية من غير زبائن. ولا شك في أن تقلص الواردات الحكومية من الضرائب يجعل وعود 2009 مستحيلة الإيفاء في 2010. - لم يذلل الخلاف القاطع بين الأميركيين، وهم يرغبون في زيادة الاستهلاك من غير خشية التضخم، وبين الصينيين، وهم يرغبون في تحفيز الاستثمار وحماية احتياطاتهم النقدية والسهمية، والأوروبيين الذين يريدون تنظيم الرأسمالية العالمية، وأكثر البلدان فقراً، وهي مرة أخرى أولى الضحايا. ولعل مصدر القيود هذه على قرارات قمة العشرين هو العزوف عن دعوة لجنة النقد والمال الدولية، وهي من لجان صندوق النقد الدولي وتعد 24 عضواً وجهاز قانوني في وسعه البت في اصلاح متوازن. واستعيض عن اللجنة هذه بمجموعة العشرين، ولجنتها غير الرسمية، بذريعة أن رئاستها بريطانية، بينما رئاسة لجنة النقد والمال مصرية. وتخول الرئاسة البريطانية العالم الانغلو – ساكسوني الحفاظ على امتيازاته في انتظار عودة النمو العالمي الى سيرته الطبيعية. والحق أن مثل هذه الاستراتيجية لا تعدم حظوظ نجاح وافرة. فإذا خفض الأميركيون نسبة استدانتهم من طريق افلاسات كثيرة وضخمة، واستعادوا استقامة اقتصادهم بواسطة خطط تحفيز فاعلة، وإذا استمر الصينيون على تمويل العجز الانغلو - ساكسوني، وإذا ارتفع برميل النفط الى 80 دولاراً وبعث النشاط في أوصال اقتصادات البلدان المنتجة، واضطلع التقدم التقني بالبقية – مالت الكفة الى النجاح، وأما إذا لم تجتمع الشروط هذه، فلا ريب في دوام الأزمة، وفي ايغالها وتفاقمها، ما لم تؤمم معظم المصارف الأميركية الرئيسية. وما لم تقلص مفاعيل التعويض والتسنيد، ويحظر شراء حقوق السحب الخاصة، وتفرض رقابة صارمة على الفراديس الضريبية الانغلو - ساكسونية. ويقتضي هذا انقلاباً على من هم وراء ما حصل في لندن. * مستشار وخبير اقتصادي، عن «لكسبريس» الفرنسية، 12/9/2009، إعداد و. ش.