"متمم" ينظّم محاضرة عن أهمية تحديد الأهداف المالية    مصر تشدد على أهمية البدء في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى    هل توافق حكومة نتنياهو على «صفقة غزة»؟    آل ثاني: أمير قطر سيزور سورية قريباً    ابن عم المغدور ل«عكاظ»: «زبن» تعرض لعدة طعنات قاتلة.. وترك خلفه 5 أبناء    جازان: القبض على مواطن لنقله 8 مخالفين لنظام الحدود    انعقاد جلسات ندوة «مئوية كتاب ملوك العرب» بالتعاون بين «الدارة» ومؤسسة الريحاني    برعاية أمير جازان.. انطلاق حفل موسم "شتاء جازان 25" غدًا الجمعة    خطة لتعزيز استثمارات المملكة بنيجيريا في التعدين والزراعة والمالية    "جمعية "كبدك" تحقق المرتبة (13) في عدد المتطوعين الصحيين لعام 2024    طيبة للاستثمار" تتألق كراعٍ ذهبي لمؤتمر ومعرض الحج 2025    شركة HONOR تُطلق Magic7 Pro في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. المستقبل هُنا مع ميزات الذكاء الاصطناعي وأحدث الابتكارات في عالم الهواتف الذكية    كيف انتهت قصة حب بالذكاء الاصطناعي بين «براد بيت» و «مصممة فرنسية»؟!    السعودية: زراعة مضخة قلب اصطناعية دون شق الصدر باستخدام الروبوت    المتحف الدولي للسيرة النبوية يوقع اتفاقيات استراتيجية    «التجارة» توضح الحالات التي يحق للمستهلك الحصول على سيارة بديلة    وزير الخارجية السعودي يستعرض العلاقات الثنائية مع رئيس البرلمان ورئيس مجلس النواب في تايلند    خطة ليفربول لمنع انتقال محمد صلاح إلى الهلال    "الجوازات" تستعرض لزوار مؤتمر ومعرض الحج بجدة مبادرة المسار الذكي    مذكرة تفاهم بين مجموعة فقيه للرعاية الصحية وشركة إسناد المستقبل للمقاولات لدعم خدمات الحجاج والمعتمرين    رئيس مجلس الشورى يستقبل سفير جمهورية كازاخستان لدى المملكة    مطوفي حجاج الدول العربية تدشن فرع للعمرة .. وخدمات "الحج المباشر"    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشارك في ندوة (الإرجاف وسبل مواجهته)    تمديد فترة التقديم لبرامج الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية    آل الشيخ : الإسلام دين راسخ لا تهزه محاولات التشويه والمملكة ستبقى صامدة ومخلصة في الدفاع عنه    وزير الزراعة في الإدارة السورية الجديدة يلتقي فريق مركز الملك سلمان للإغاثة    3,202 موقع جديد في سجل التراث العمراني    مدير الأمن العام: نعمل على سيناريوهات مخاطر متوقعة مع تحديات الحج    الموافقة المسبقة من الجهات الحكومية.. شرط للتعاقد من الباطن    «المتصدر والوصيف» يواجهان الفتح والرائد    "المتاحف" تحتضن معرض العبقري "هوكوساي" للفن المعاصر    إستراتيجية لتعزيز السياحة البيئية بمحمية الملك عبدالعزيز    العدالة والعربي في قمة ملتهبة.. الزلفي يلاقي نيوم    مدرب الفتح: الهلال الأقوى في تاريخ الرياضة السعودية    تسخير التقنية والذكاء الاصطناعي في أعمال الدفاع المدني    حسين العليان: ضحى بمستقبله الكروي إخلاصاً للهلال    ارفع رأسك فوق.. أنت سعودي    فليم فلام    سعود بن بندر يطلع على جهود الأمر بالمعروف بالشرقية    إنجاز طبي سعودي.. تطوير دعامة لفقرات الرقبة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يجري استبدال مفصل ركبة بتقنية الروبوت الجراحي    «البلاد» ترصد أسرع 20 هدفًا في تاريخ الدوري السعودي    الإعلامي إبراهيم موسى يحصل على دبلوم إدارة الأعمال    مركز الملك سلمان يواصل إغاثته للشعب السوري    آل باعبدالله وآل باجميل يحتفلون بعقد قران عبدالرحمن    تدشين جمعية التنمية الزراعية بالمدينة المنورة    تعزيز مكانة محمية الملك عبدالعزيز البيئية والسياحية    محمية الملك عبدالعزيز تطلق إستراتيجية لتعزيز مكانتها البيئية والسياحية    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال11 لمساعدة الشعب السوري    أمير القصيم يؤكد على السلامة المرورية    الشتاء.. نكهة خاصة    الذكاء الاصطناعي يتنبأ بمكونات الوجبة المثالية    وللشامتين الحجر!    صلاح للأهلي    إنطلاق فعاليات معرض مبادرتي "دن وأكسجين"    السعودية ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتثمن الجهود المبذولة من قطر ومصر وأمريكا    هدنة مشروطة تحت الاختبار في غزة    الامير سعود بن نهار يلتقي وزير التنمية الاجتماعية لجمهورية سنغافورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انهيار النمر السيلتي الإرلندي في سياق الأزمة المالية والاقتصادية العالمية
نشر في الحياة يوم 06 - 04 - 2011

عاش الإرلنديون في العقود الأخيرة حياة ريفية وفقيرة، على حدة من أوروبا والعالم، شأن آبائهم وأجدادهم. وأقروا مثل هؤلاء وأولئك، للكنيسة الكاثوليكية بالدالة المعنوية الطاغية، ورضخوا لخسارة شبيبتهم المهاجرة الى بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. وكانت مقاطعة لايتريم، وهي قلب إرلندا القاحل والمفتقر الى عظمة مناظر مقاطعتي مايو وغالواي المتجاورتين، تعد 155 ألف نفس في 1841. ولا يقيم بها، اليوم، وبال1500 كلم2 التي تبلغها مساحتها، إلا 30 ألفاً. وفي الأعوام الأربعة، 2002 – 2006، زاد عدد السكان المتناقصين، منذ قرن ونصف القرن، قليلاً. وفي الأعوام الأربعة هذه قفز النمر السيلتي الى ذرى ازدهار ونمو لم يعهدها من قبل.
فَعَلَت الحقول الجدباء والعجفاء لوحات عريضة تعلن عن انشاء «بيوت سوبرديلوكس»، وعن تخفيض «100 ألف دولار على السعر الأصلي». وكان يسع المارة في سياراتهم أن يروا، وراء لوحات الإعلان العريضة، مجموعة من البيوت المبنية من طبقتين، والمزدوجة السطح، الى كاراج (مرأب) أرضي، تليق من غير شك بضاحية لندنية أو نيويوركية. والحق أن قلة من هذه البيوت يسكنها أصحابها، وبعضها لم يكتمل بناؤه واجتاحت نباتات الحميضة حدائقه المنضدة والمهذبة. فمن تنتظر هذه البيوت؟ فهي شيدت وفي ذهن المقاولين أن مشتريها المتوقعين هم «كوادر» شبان واعدون ومتزوجون، ولد للزوجين منهما ولدان، وتأوي سيارتهما الى كاراج البيت. وفي ذروة موجة الازدهار بدا أن عدد المنازل يفوق كثيراً عدد «الكوادر» الذين ينتظر المقاولون شراءهم البيوت الغالية المعدة لاستقبالهم. وهذه قشرة جديدة من الغياب، قشرة الذين لم يأتوا، فوق قشرة الذين ذهبوا ورحلوا.
وحال لايتريم هي حال المقاطعات الإرلندية الأخرى، وفق تقرير فينتان أوتول. ويحصي المعهد الإرلندي للتحليل المحلي والموضعي (نيرسا) 300 ألف من المنازل الجديدة وغير المأهولة في أوائل 2010، معظمها في «المجمعات الطيفية» ال600 المنتشرة في أنحاء البلاد. وبعض المقاطعات، مثل كونتية كورك، يبلغ عدد مجمعاته 90 مجمعاً. وفق مدير «نيرسا»، بوب كينشين، شيد في لايتريم، بين 2006 و2009، 2945 منزلاً، بينما سوغت التوقعات بناء 588، ونسبة ما بني الى المحتمل هي 400 في المئة. فالعرض انفك انفكاكاً تاماً من الطلب، على ما لاحظ كينشين. وهو يقدر ب7 الى 10 أعوام المدة التي تحتاج اليها اسعار العقارات لترجع الى مستواها قبل الانهيار.
وقد يكون السبب في تشييد هذا العدد الكبير وغير المجدي من المساكن الجديدة في مقاطعات إرلندية نائية هو مضاربة محمومة كان للدولة فيها ضلع ويد طويلة. ولعل التعليل هذا يؤاتي حزب فيانا فايل، وهو الحزب الحاكم منذ 1997 وبادر في أواخر 2010 الى الإعلان عن خطة إنقاذ مصرفية بلغت 18 بليون يورو. وبرر وزير المالية، بريان لينهيان، الخطة بأن توقف المصارف عن التسديد كان ليؤدي، لولا تمويل الدولة، الى «انهيار» الدولة، من غير أن يوضح معنى تهديده، وبعد أن ألقى المسؤوليات كلها على عاتق المصارف و «إقراضها المغامر».
ولكن الدولة لم تكن شاهداً مكبلاً، على خلاف زعم الوزير. فسياستها اضطلعت بدور فاعل في رواج السوق العقارية وازدهارها، ثم في انهيارها المتوقع الذي أصاب الاقتصاد الإرلندي بضرر فادح. ويتعقب فينتان أوتول، في كتابه الموسوم ب «سفينة المجانين كيف رمى الحمق والفساد النمر السيلتي أرضاً» (بابليك افيرز، 2009)، فصول الانهيار ومسؤولية السياسيين عنها في المراحل كلها، من شراء الأرض إلى تحصيل رخص البناء فالتمويل. ففي الشأن الضريبي، على سبيل المثل، جازت الدولة للمقاولين اطراح أكلاف البناء من الضرائب المتوجبة، وذلك من طريق اعمال قانون كانت سنّته قبل تجديد المناطق المدينية الآفلة. وعمدت الشركات العقارية الى التوسع في تأويل القانون ودائرة تطبيقه والعمل به. وامتنعت السلطات من ردع الشركات وكفّها عن تجاوزاتها. وأفتت إدارة كونتية (مقاطعة) لايتريم بجواز العمل بالقانون في المدن والضواحي والأرياف، آفلة أم مزدهرة. وعلى هذا، يلاحظ أوتول، هناك مسكن غير مأهول بين ثلاثة مساكن في لايتريم.
وعلى مستوى البلد كله، دعمت الدولة تشييد مساكن لم يكن القصد منها إسكان بشر من لحم ودم بل توفير ذريعة إعفاء ضريبي للمقاولين. وبلغت قيمة نفقات الدعم 2 بليون يورو. وفي ذروة الطفرة، في 2006، بلغ قطاع البناء 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والعاملون فيه 20 في المئة من اليد العاملة. وقدم العمال من المناطق الفقيرة بأوروبا تلبية للطلب. وانقلبت إرلندا الى واحة هجرة، وهي بلد ومصدر مهاجرين. وتعاظم الدين تعاظماً مخيفاً، أو كان يجب أن يدعو الى الخوف. ولكن رئيس الوزراء، بيرني آهيرين، لم يخفه الأمر، وعلق على الأمر بالقول إن «الطفرة (كانت) في غنى عن طفرتها وذروتها». وزادت القروض المصرفية الى قطاع البناء، فبلغت 96,2 بليون يورو في 2007، وكانت 5,5 بليون في 1999، أي 1730 في المئة.
واتسعت ضاحية دبلن السكنية على امتداد النظر. وزادت تكلفة تسديد قرض ثمناً لمنزل شيد في وسط حقل موحل على مسافة ساعتين من مركز دبلن، بعيداً من الأسواق التجارية والمدارس، عن قيمة إيجار مسكن في حي من أحياء المدينة تضاهي مواصفاته مواصفات الأول. ونبّه تقرير أصدره صندوق النقد الدولي في عام 2000، الى أن مستوى تضخم مثل ذاك الذي يشاهد في إرلندا أدى على الدوام الى تردي الأسعار. ولاحظ الأستاذ مورغان أكيلي الجامعي أن من المستحيل تصور «هبوط (اقتصادي) آمن حين تقفز أسعار العقارات المبني على نحو لا قياس بينه وبين زيادة المداخيل. ولم يشأ أحد الاستماع إليه. وحين انتقده السياسيون والمصرفيون والخبراء انتقاداً حاداً، أصم زملاؤه آذانهم، ولم يخِف الى الدفاع عن مواقفه إلا القلة.
وكان غوردون براون، رئيس وزراء بريطانيا، في الأثناء، يدعو ساحة لندن المالية، «ذا سيتي»، الى مزاوجة سياسة ضريبية ضعيفة ورقابة مالية غير صارمة مع اقتطاع ضريبي يلبي احتياجات دولة ديموقراطية الى تمويل الخدمات العامة. واضطلعت مرتبات السوق المالية وأرباحها العالية بمد الخزينة العامة بموارد ضريبية منتظمة أتاحت للحكومة العمالية تمويل سياسة مالية عامة غير متقشفة.
وعلى خلاف لندن، كانت الضرائب في إرلندا أقل من نظيرتها البريطانية. ولكن الحزب الإرلندي الحاكم، فيانا فيل، تعهد استجابة رغبات جمهور انتخابي هو مزيج من الطبقة العاملة المدينية، ومن الذي تعيلهم المساعدات الاجتماعية، ومن فريق ثالث هو أهالي الريف والمزارعين. والجماعات هذه تحمل نوابها الى المجلس النيابي مطاليب باهظة الأكلاف. فكيف الجمع بين فرضين أيديولوجيين، الضرائب الضعيفة والنفقات العامة الكريمة، متنافرين؟ وجُمع بين الأمرين من طريق إيرادات الخزينة المولودة من الفقاعة العقارية. وتولت التسهيلات الضريبية التي منحت الى قطاع البناء استجرار المضخة.
ونهض ازدهار النمر السيلتي على هذه السياسة. ونسجت سياسات أخرى، الاسكتلندية وخطة جون ماكين المرشح الجمهوري الى الانتخابات الأميركية، على المنوال هذا. وخال الإرلنديون أنفسهم طليعة القيم الأميركية الليبرالية، أو الأنغلو – ساكسونية، وحاميتها المتقدمة على حدود قارة أوروبية تسودها معايير الاشتراكية – الديموقراطية على صورها المتفرقة. وانتصب المثال الإرلندي برهاناً ملموساً ومختبراً على جدوى مزيج العولمة المتطرفة والضرائب المنخفضة والحكومة المراعية والتنظيم غير المتشدد. ولم يفت الحكومة الإرلندية في الآن نفسه، أن القطاع المصرفي عاجز عن تحمل انخراط مفرط في السوق المالية. فشطر كبير من الكفالات والضمانات غير موثوق.
وتعامى السياسيون عن الوقائع الحبلى بالفقاعة العقارية وبانهيار الكفالات والضمانات، وارتضوا الاحتيال على القانون، وسكتوا عن التهرب الضريبي وشيوعه، وعن رشوة الموظفين لقاء إغضاء هؤلاء عن تحويل المقاولين الأراضي الزراعية عقارات بناء. وعلى رغم هذا، لم يعاقب المقاولون، ومضوا على اقتراض أموال هائلة من المصارف، وعلى مخالطة رئيس الوزراء والوزراء.
وذهب وزير المال الى تفسير الأزمة بغلبة «علاقات السفاح» بين السياسيين والمقاولين والمصارف على المنطق الاقتصادي. ويصف أوتول انهيار الحواجز بين السرقة والوطنية، وبين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، وتفشيه في أوصال الحياة الاقتصادية. وقاد هذا الى اضطلاع الدولة بتمويل المصرف الإنكليزي - الإرلندي المهدد بالانهيار، من حساب الإرلنديين ب40 – 45 بليون يورو. ويترتب على هذا زيادة الدين العام من 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الى 32 في المئة. ويقتضي تقليص العجز الى أربعة في المئة من الناتج في 2014، إلغاء وظائف كثيرة، وتخفيف الأجور، وآلاماً عسيرة على الاحتساب.
* صحافي في «صنداي تايمز» ورئيس تحرير «غرانتا» الأدبية (1995 - 2005)، عن «نيويورك ريفيو أوف بوكس» الأميركية، 10/11/2010، إعداد منال نحاس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.