محال أن يلتئم شمل الفلسطينيين وتتوحد كلمتهم حول قضاياهم، مهما جاءت الجولات والحوارات، سواء"من تحت الطاولة أو من فوقها"لتسوق لحوار فلسطيني - فلسطيني، لا لأن لعنة الفرقة والشقاق قد لحقت بهم، وإنما لكون"المعضلة"الفلسطينية باتت أسيرة الأجندات الإقليمية وجزءاً من مشاريع، ستبقى تشد الخناق على كل خطوة من شأنها إخراج المواطن الفلسطيني من حالة الإنهاك، والقضية الفلسطينية من حالة الاحتقان، والوصول بها إلى التفاعل مع استحقاقاتها بما تخدم المصلحة الفلسطينية. وعليه فلا المواقف المنددة بجرائم إسرائيل"المتكررة"، ولا قرارات مجلس الأمن والمبادرات السلمية، ولا القمم العربية وغضب الشارع العربي، بشعاراته وهتافاته، ستكون لها القدرة على لجم الانقسام الحاد في البيت الفلسطيني، خصوصاً أن معطيات حرب غزة، وما خلفتها من خراب وقتل ودمار، وكذلك من تفكيك في أوصال القوى الفلسطينية ودخولها ? بالنيابة - معركة"تصفية الحسابات"بين الأجندات المتصارعة، أوحت بتعقيدات المعادلة المتحكمة بمفردات الصراع، لإستنادها إلى لعبة سياسية إقليمية، يحاول كل طرف الدخول من خلالها بهدف تسجيل النقاط لخياراته، بغية الاستقواء بها وتعزيز موقعه في مواجهة الترتيبات المستقبلية للمنطقة. بمعنى آخر، لم تكن غزة، كما لبنان والعراق، سوى نقطة العبور لدى تلك الجهات المدعية بتباكيها على القضية الفلسطينية، ومواجهتها للمخططات الإسرائيلية، بل الداعية إلى زوالها، لأن تحتل موقعها ضمن الخريطة السياسية، عبر إمساكها ببعض ملفات الضغط في مسار الصراع العربي ? الإسرائيلي، وإن كانت لم تسجل يوماً هدفاً في المرمى الإسرائيلي. أن ما يجرى من حوار بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، هو في حقيقته عملية شد الحبل بين تلك الأجندات، قوى"الاعتدال العربي"من جهة، والمحور المسمى ب"الممانعة"من جهة أخرى، وإن كان يتخذ أشكالاً ومسميات متعددة ، منها العودة إلى"التهدئة"، أو إلى توافق سياسي، تحاول الدول الراعية للحوار من خلاله إيجاد غطاء عربي للأزمة، عله يسد المنافذ في وجه الدور الإيراني وامتداداته، كي لا يمتد أكثر في الساحة العربية، وألا يدير صراعاته مع الجانب الأميركي ومشاريع التغيير في المنطقة عبر الورقة الفلسطينية. فالمشهد الفلسطيني وما يلفه من خطاب متناحر ومتباين حول أسس ومقومات الدولة الفلسطينية، وكذلك شكل الصراع وآلياته، يحيلنا على الاعتقاد بأن"التهدئة"المزعومة ستكون وقتية لا محالة، وأن عملية"تبويس اللحى"بين طرفي الخلاف ? إذا ما حصل ? قد لا يكون له أي مفعول أو ترجمة على الأرض، إذا ما أخذنا في الاعتبار عدداً من النقاط الخلافية"الجوهرية"، واعتبارها مدخلاً لأي توافق فلسطيني، ومن تلك النقاط، أن حركة حماس التي شكلت الحكومة نتيجة فوزها في الانتخابات وضمن أجواء التسوية والانسحاب الإسرائيلي من الضفة والقطاع، تتبجح اليوم، برفضها مشاريع التسوية، وعدم اعترافها بإسرائيل، وكذلك بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالصراع العربي - الإسرائيلي، أوسلو على سبيل المثال، وتخوينها لكل من يقر ويعترف بتلك الاتفاقات، من دون أن تكون لديها القدرة على مواجهة حقيقتها، وحقيقة أنها جاءت إلى السلطة بنتيجة تلك الاتفاقات، وليس من خلال المواجهة أو مفهوم الانتزاع، وأن وضعها وطرحها تتطلبان منها التخلي عن السلطة، لكونها نتاج تلك التسويات، وليس الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، التي فيها إقرار ضمني بوجود إسرائيل، وإن كانت تحركاتها تشير إلى هدف بعينه، وهو إضفاء الشرعية على وضعها، وتقديم نفسها كبديل عن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، فضلاً عن تسويقها خطاباً سياسياً تتحدث فيه عن انتصاراتها في غزة، مع أن هذه الانتصارات أخذت مفهوماً مغايراً من المراقبين نظراً الى الخراب الهائل الذي لحق بقطاع غزة وعدد الضحايا الذين سقطوا. فهل الحوار الفلسطيني ? الفلسطيني هو حوار المنتصرين، أم أنه حوار بين طرف يدعو إلى التهدئة والخروج من الأزمة، وطرف يدعي الانتصار ويبحث عن عناصر المواجهة، مع أن هذه العناصر تتطلب، بالدرجة الأولى، ترتيب البيت الداخلي، ووحدةً في الموقف العربي ونحن نرى فيه انقساماً حاداً، لا بل أصبحت المواجهة الحقيقية بين جهة تحاول التعاطي مع الوقائع، وأخرى تحاول أن تفرض خياراتها عبر التمسك بالشعارات، لتكون النتيجة أن إسرائيل هي الرابحة، بينما المواطن الفلسطيني هو الخاسر أولاً وأخيراً، حتى لو أراد البعض أن ينسج لنفسه خيوط الأمل ويراهن، إما على الدور التركي أو الخطاب العربي المقاوم أو حتى الانتخابات الإسرائيلية وإدارة باراك أوباما، على غرار المنكسرين في شرقنا وهم يتوهمون بأن الإدارة الأميركية الجديدة لها كل القدرة في أن تجد بلسماً لكل قضايانا العالقة، سواء ما تعلقت منها بالأنظمة الديكتاتورية أو بالتيارات المتطرفة، وحتى بالجهات التي تسوق للإرهاب أو تمارسها. روني علي - بريد الكتروني