لم يكن الإعلان عن تأجيل الحوار الفلسطيني - الفلسطيني مفاجئاً لأحد، فكل المؤشرات كانت تؤكد أن الفلسطينيين ليسوا مستعدين بعد ليتحاوروا مع أنفسهم، بل إن المفاجأة كانت حدثت حينما أعلنت مصر قبل أسابيع أن الحوار بين الفصائل الفلسطينية سيبدأ في 22 شباط فبراير إذ لم تكن الصورة وقتها تشير إلى أن الأمر منطقي في ظل تضارب المصالح وتعارض المواقف واختلاف الأجندات بين هذا الفصيل وذاك، كما كان من غير المنطقي أن يجلس"الإخوة الأعداء"ليتحاوروا قبل أن تنجح الجهود المصرية في عقد اتفاق التهدئة بين إسرائيل وحركة"حماس". وبما أن التهدئة تعقدت والاتفاق في شأنها تعطل ولأن قادة الفصائل الفلسطينية ما زالوا على خطابهم الإعلامي الاستقطابي، وحيث أن مواقف الأطراف المؤثرة في القضية الفلسطينية والتجاذبات بين محوري التهدئة والممانعة على حالها، فإن أي حوار فلسطيني - فلسطيني يجري في تلك الأجواء لن تكون نتيجته إلا مزيداً من الانقسام ولن يؤدي بكل تأكيد إلا إلى ترسخ الخلافات وليس حلها ولن يجعل الفصائل تصل إلى قواسم مشتركة في شأن ملفات وقضايا مختلفة، على رأسها الوضع في غزة ومستقبل القطاع وطريقة التعاطي مستقبلاً مع إسرائيل وكذلك الموقف من الأطراف الإقليمية التي يرتبط بها هذا الفصيل أو ذاك، ناهيك عن الخلافات بين كل فصيل والفصائل الأخرى حول أسباب العدوان الإسرائيلي على غزة ومعايير المكسب والخسارة بعد الحرب. بكل اختصار فإن ساحة الفلسطينيين غير مهيأة للم الشمل الفلسطيني وستبقى كذلك إلى أن تتبدل الأوضاع على الساحة العربية وتنعقد مصالحة عربية حقيقية، فالانقسام الفلسطيني انعكاس لأجندات عربية متضاربة والخلافات العربية تأججت بفعل الانقسام الفلسطيني، وصار المواطن العربي يسأل في حيرة: أيهما يجب أن يحدث أولاً: التضامن العربي أم الوحدة الفلسطينية؟ ولا شك أن القمة العربية الدورية المقررة في الدوحة في الأسبوع الأخير من شهر آذار مارس المقبل ستكون قمة فاصلة، فإما أن يزداد الانقسام العربي بسببها وإما أن تكون قمة الوحدة والتضامن ولم الشمل. ورغم أن ملامح الصورة لا تدعو إلى الكثير من التفاؤل إلا أن الظروف الدولية والإقليمية والمخاطر التي تهدد النظام العربي كله تؤكد على ضرورة أن تلتئم القمة بمشاركة عربية واسعة ومن دون غياب لدول مؤثرة كمصر والمملكة العربية السعودية وإلا تكرس الانقسام وترسخت الخلافات وتعمقت الجراح. والمؤكد أن النشاط العربي المتمثل في الاتصالات، التي جرت في الأسبوعين الماضيين بين زعماء عرب وبين بعضهم وزعماء دول أجنبية، ذات تأثير في الوضع العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً وتأتي في ذلك السياق كما أن التجاذبات العربية ومواقف الأطراف الفلسطينية تجاه مؤتمر إعادة إعمار غزة المقرر في الثاني من آذار المقبل في مدينة شرم الشيخ المصرية، كلها عناصر ستحدد الصورة التي سوف تكون عليها قمة الدوحة. صحيح أن ملفات أخرى يفترض أن تطرح على القمة تحتاج إلى إهتمام عربي كما حال الغمز واللمز الإيراني تجاه مملكة البحرين وتطورات الوضع في السودان والمحاكمة الدولية لقتلة الرئيس الحريري، إضافة إلى مسألة المصالحة العربية إلا أن القضية الفلسطينية لم تعد فقط تحدد العلاقة بين العرب وإسرائيل وإنما أيضاً مستوى العلاقة بين الدول العربية ذاتها ليس بسبب تباين مواقف الدول العربية تجاه طريقة التعاطي مع إسرائيل سلماً أو حرباً وإنما بحسب علاقة الفصائل الفلسطينية بالدول العربية خصوصاً في ظل تحالفات جعلت بعض الدول العربية يتعاطى مع الفصائل على المستوى نفسه الذي يتعامل به مع الدول العربية والسلطة الفلسطينية التي لا يرقى مستوى أدائها هي الأخرى في بعض الأحيان إلى مستوى"الفصيل". هكذا بدا العرب وكأنهم في حاجة إلى تهدئة قبل أن يجتمعوا ليتحاوروا. نشر في العدد: 16760 ت.م: 22-02-2009 ص: 15 ط: الرياض