أكثر من خمس سنوات ونصف السنة مرّت على إطلاق الولاياتالمتحدة ملف إعمار العراق، شهد خلالها هذا الملف عمليات فساد واسعة بدأت في عهد الحاكم المدني الأميركي بول بريمر الذي فقد العراق في عهده اكثر من تسع بلايين دولار، قدمتها الدول المانحة. وتضخّم الفساد بعد ذلك، على رغم تعاقب ثلاث حكومات عراقية. ويعيد مسؤولون في حكومة نوري المالكي بطء سير عملية الاعمار الى عدم امساكها الملف بشكل مباشر. ويقول النائب عن حزب"الدعوة"علي الاديب ل"الحياة"إن"الاوضاع الامنية السيئة واشراف اطراف اميركية واجنبية على الاعمار هو السبب في عدم نجاحنا، فضلا عن تركيز الحكومة على الملف الامني خلال العامين الماضيين باعتباره مفتاحا لمعالجة باقي الملفات". وكشفت تحقيقات أميركية مع عدد من كبار الضباط إهدار ما يزيد عن 125 بليون دولار. وطلب المحققون في كانون الثاني يناير الماضي الاطلاع على سجلات مصرفية شخصية للكولونيل انتوني بيل الذي كان مسؤولاً عن عقد عامي 2003 و 2004. والكولونيل رونالد هيرتل من القوات الجوية الذي كان مسؤولا عن التعاقدات في بغداد عام 2004. لكن المحققين لم يكشفوا الادلة المحددة ضد هذين الضابطين. ويعيد المراقبون الدوليون فشل مشاريع الاعمار الى عدم تكليف هيئة واحدة متخصصة مسؤولة عن المشروع، تحاسب على الاخطاء والاخفاقات، بالاضافة الى الدور السلبي للسياسات الحزبية الاميركية التي انعكست بشكل مباشر على الوضع، فضلا عن الصراع البيروقراطي داخل البنتاغون والجهل بطبيعة المجتمع العراقي. ويكشف تقرير حكومي أميركي صدر اخيرا عدداً من العوامل التي ادت الى اخفاق ملف الاعمار، منها سوء التخطيط والإهمال والفساد. ويفيد التقرير الذي أعده المفتش العام ستيوارت بوين أن المشاريع التمهيدية الضخمة لإعادة بناء العراق تميّزت بالإهدار والإخفاقات الناجمة عن"التخطيط الأعمى والمفكك"الذي استبق غزو العراق، وزادته الاوضاع الامنية تعقيدا. ويتساءل بوين الذي تخوّله سلطاته القضائية الإشراف على الأموال التي خصصها الكونغرس للإعمار ومقدارها 50 بليون دولار:"لماذا بدأ تنفيذ مهمات إعادة الإعمار بكثافة في أجواء أمنية غير مستقرة."ويعترف التقرير بأن عملية إعادة الإعمار كانت"انتكاسة كبرى"في ظل ارتفاع منحنى الفشل في قدرة كبرى شركات الإنشاءات الهندسية الأميركية على إنجاز المشاريع المكلفة بها على مدى ست سنوات مضت. وعلى رغم تأكيد المسؤولين العراقيين والاميركيين ان اعمال العنف واحدة من اهم الاسباب التي عرقلت اعادة الاعمار، فإن معظم اللوم يقع على سوء التنسيق والفساد المالي والسرقات، ما اهدر نحو 150 بليون دولار على يد شركات أميركية وعراقية يعتقد أنها كانت تعمل بالتنسيق مع مسؤوليين سياسيين وعسكريين من الجانبين. ويؤكد رئيس هيئة النزاهة في البرلمان العراقي صباح الساعدي ان"الفساد الادراي والمالي في العراق هو السبب الرئيسي في تباطؤ مشاريع الاعمار وضياع بلايين الدولارات على مشاريع وهمية واخرى تأخّر تنفيذها ثم تلاشت تدريجيا". ويقول إن"غالبية الشركات المسؤولة عن الاعمار اميركية واجنية لا تخضع للقوانين العراقية وهو السبب في عدم السيطرة على ادارة ملف الاعمار". وبعد مرور ست سنوات على الاحتلال ما زالت بغداد تحصل على الكهرباء بضع ساعات يومياً، ويعيش سكانها على مياه غير مستوفية للشروط الصحية، اعادت إحياء امراض الكوليرا في البلاد، وما زال العراقيون يتذكرون كيف عادت إليهم الكهرباء في اسابيع معدودة بعد حرب عام 1991 في وقت كانت العقوبات الاقتصادية تجعل الحصول على قطع الغيار لاجراء الاصلاحات أمرا غير متاح.