لسان الأم نال ايان ماكيوان جائزة"ذا صانداي تايمز"هذه السنة، وساهم في كتاب"عن الرواية البريطانية الحديثة"الصادر عن أو. يو. بي. في مقاله"لغة الأم"يتحدث عن روز التي تركت المدرسة في الرابعة عشرة، وكانت مرجعه اللغوي الأول. استبدلت والدته بعض حروف الكلمات بأخرى، واعتمدت النفي المزدوج وصيغاً جديدة للجمع، وأورثته لسانها."ثمة أشخاص يتحركون بثقة في مداهم اللغوي … والدتي روز لم تكن كذلك يوماً. لم تملك اطلاقاً اللغة التي تحدثت بها. علّمها انزياحها بين التعقيدات الطبقية الانكليزية، والالتباس الذي واكبه، أن ترى اللغة شيئاً قد ينفجر في وجهها مثل رسالة متفجرة. كلمة متفجرة. ورثت حذرها، أو على الأصح، تعلمته طفلاًً. اعتدت التفكير انني سأمضي حياتي كلها أحاول التخلص منه. أعرف اليوم أن ذلك مستحيل وغير ضروري، وأن على المرء أن يعمل بالأدوات التي يملكها. في الرابعة عشرة قرأ ماكيوان روايات أيريس مردوك وغراهام غربن، لكن لسانه بقي مخلصاً لإرث روز. استعان في المدرسة بصديقه المفضل مارك ونغ - ديفي لكي يصيح بصيغة الماضي لفعل"يكون"بدلا من اسم المفعول الذي استخدمه ماكيوان خطأ. مثل هذا التصحيح كان سطحياً وسهلاً، وشكل جزءاً من المشكلة، فالأطفال الذين يتلقون تعليماً أفضل من ذلك الذي حصّله ذووهم يعانون التشوش الثقافي الذي يأتي بالاغتراب والألم، المكاسب والخسائر. كان تحرر من أخطاء أمه عندما بدأ يكتب جدياً في السبعينات، لكن حذره وافتقاره الى الثقة صمدا. لم يملك انسياب بعض الكتاب الذين اختبروا وتبعوا العبارات ليعرفوا الى أين تقودهم وكيف تتشكل، بل بلور الجمل في ذهنه قبل أن يدونها، وكثيراً ما نسي بدايتها قبل أن يبلغ نهايتها. نظر بشك الى ما كتبه وتساءل عما اذا عبّرت عما يعنيه، أو حوت خطأ أو غموضاً لم يره. أنتج القليل بعد ساعات من الكتابة، وأسعده أن يبدو ذلك دقة وصلابة أمكنه الاختباء خلفهما. رافقت الأسرة الوالد الجندي في تنقلاته، ويتذكر ماكيوان كيف استرخى طفلاً خلف الكنبة في سنغافورة عندما دردشت والدته مع صديقاتها غالباً حول العمليات الجراحية والسلوك السيئ. تسللت التفاصيل الى لاوعيه وقصصه الأولى حين رغب في وضع فمه مباشرة على أذن القارئ في حميمية مصطنعة. رأى البعض أنه اجتهد، بيأس أحياناً، لكي يزود الرواة الهاذين أسراراً مثيرة مثل المنعزلين الذين صمتوا طويلاً ثم قالوا كل شيئ دفعة واحدة. ظن أنه يتحرر بذلك من ماضيه، وشعر بالضجر من الطفولة المنقولة روائياً لأن على الكاتب أن يخترع. تحالف مع والدته ضد والده المتسلط، وعندما زارهما في أواخر السبعينات أخبرته أنه يضربها لكنها منعته من مواجهته خوفاً من انتقامه. في تلك الزيارة أهداه والده آلة كاتبة نقر الكاتب أزرارها للمرة الأولى ليكتب رسالة اليه. قال انه يحبه لكنه مستعد أن يركب الطائرة من انكلترا لكي يشكوه الى الضابط المسؤول عنه والشرطة العسكرية اذا ضرب والدته ثانية. لم تحم الرسالة روز بل حرمتها النوم ، فمزقتها وبقيت تتعرض للضرب الى أن أوهن العمر والمرض زوجها، ثم أصيبت هي بخرف الشيخوخة. دمار الخيال في كتابه الأول غير الروائي يلقي غراهام سويفت بعض الضوء على حياته التي اجتهد في الإعتام عليها. استمد الكاتب الانكليزي عنوان"صنع الفيل: الكتابة من داخل"الصادر عن دار بيكادور من رغبته طفلاً في اثارة اعجاب والده الذي امتلك مهارة عملية. صنع غراهام فيلا من خشب ليفرح والده الذي كان طياراً حربياً قبل أن يعمل كاتباً في مكتب الدين الوطني، وبدا"ظاهراً موظفاً حكومياً تقليدياً ومضجراً للغاية". كان أحد ألمع الكتاب الواعدين مع ماتن آميس وايان ماكيوان وجوليان بارنز ووليم بويد في أوائل الثمانينات، لكن اسمه لم يجمع الضوء الذي يشع خصوصاً من النجمين آميس وماكيوان. بعد دراسة الأدب الانكليزي في كيمبريدج التحق بجامعة يورك لنيل الدكتوراه وقصد في الخامسة والعشرين اليونان واعتقد أنها ستشحذ الكاتب فيه. عاد بمخطوطة"رهيبة"بعد عام، لكنه لم يتب بل علم الانكليزية ليلاً واستفاق في الخامسة والنصف فجراً ليكتب. دارت"صاحب محل الحلوى"في يوم من حياة رجل عادي وانتهت بنهايته، وشابهت ابنة الرجل الكاتب عمرا وخلفية طبقية واجتماعية، اذ عرف الاثنان الصراع الناجم عن دونية ثقافة الأهل."لم تكن تربيتي نموذجية لكاتب بل ربما كانت خلاف ذلك. ولدت لأسرة من الطبقة الوسطى الدنيا في الفترة المتقشفة التي تلت الحرب، ولم يملك أفراد الأسرة مواهب فنية أو القدرة على ارشاد كاتب ناشئ، ومع ذلك أصبحت كاتباً. كيف حدث ذلك؟ غالباً ما يوقفني السؤال في طريقي." يعترف سويفت بأنه خشي اختيار مهنة محددة تصفه وتلزمه طوال حياته، وبأن أحد عوامل جاذبية الكتابة أنها ليست اختصاصاً بل حقل مفتوح تماماً هو الوضع البشري. لا يقوم بالبحث لأنه"مدمر كبير للخيال"، ويقول في المقدمة انه يخترع عندما يكتب ولا يقلد الحياة. يكتب بقلم ووترمان على ورق مسطر، ويحب اللحظة التي يجف فيها الحبرلأنه يحس عندما يضع أنبوباً جديداً انه يلقم قلمه بالذخيرة. يهبط الى البديهي عندما يقول ان تفضيله صوت الراوي الحميم لا يعني نقله أحداثاً ذاتية خلافاً لاعتقاد بعض القراء وحتى النقاد، ويعتقد أنه أنجز شيئاً عندما يبدو المؤلف غائباً عن النص. يضم"صنع فيل"مقالات جديدة وقديمة ومقابلات أجراها مع بعض زملائه وأخرى أجروها معه، وقصصا مبعثرة من حياته. يسافر الى براغ أثناء" ثورة المخمل"التي أنهت الحكم الشيوعي للبحث عن الكاتب المعارض ييري وولف الذي سجن واختفى. يصطاد السمك مع تد هيوز ويعجب من صداقته لشاعر البلاط، ويقارن الصيد بعملية الكتابة. ٍيحتفل بعيد الميلاد مع زوجته وأصدقاء بينهم سلمان رشدي الذي يصل مع ضيوف غير مدعوين، الحراس الذين عينتهم الحكومة لحمايته من الفتوى الايرانية بقتله بعد صدور"الآيات الشيطانية". يذهب مع كازو ايشيغورو لشراء غيتار يقوده الى الكتابة عن الموسيقى والأدب والصداقة. وفي الكتاب أيضاً قصائد يقول انها انبعثت فيه بطريقة غامضة قبل أن يعود النثر الى التحكم بتعبيره. عندما ألقى نظرة على روايته الأولى ظن أنه سيكرهها لكنه وجدها رفيعة المستوى. تخرج"أرض مائية"عن سياقه بتنميقها وواقعيتها السحرية، غير أنه تعمد فيها الخروج من حدوده والتخلي عن الحذر."فيها مقاطع أكبر من الحياة، ولا يبدو انني كتبت بالطريقة نفسها بعد ذلك".حولت الرواية فيلماً استاء من نقله بعض الأحداث الى بتسبرغ، أميركا."الطلبات الأخيرة"أيضاً اقتبست فيلماً بعد نيلها جائزة بوكر. اتهمه أكاديمي بنقل عقدة"بينما رقدت أحتضر"فوافق سويفت على أن ثمة ترجيعاً لرواية وليم فوكنر، لكنه ضاق بالتغطية السلبية في بعض الصحف."ما كان ذلك حدث لو لم أنل بوكر". يركز سوفت على حياة الجيل أو الجيلين قبله، ويلاحق ثقل الحرب على الحياة وضغوطها اليومية. يبرع ابن لندن وضواحيها في نقل المشهد الانكليزي، طبيعة وشخصيات، ولا يزعجه تبادل الأدوار الجنسي الذي ساد في النصف الثاني من القرن العشرين. تبنى صوت أم في روايته الأخيرة"غدا"لكنه لم ينجب لأنه لم يشعر"ما يكفي بما يحتاج المرء الى الشعور به لإنجابهم". حرب رجل حزين في 1947 أعطى وزير ألماني صديقه رودولف دتزن ملفاً أعده الغستابو عن ثنائي اعتمد المقاومة بعد مقتل ابنهما على الجبهة. كتب دتزن المعروف بهانز فالادا"كل واحد يموت لنفسه"في بضعة أسابيع وتوفي قبل نشرها من الادمان على المورفين. صدرت الرواية أخيراً بالانكليزية بعنوان"وحيداً في برلين"عن بنغوين كلاسيكس، بريطانيا، وتناولت أوتو وآنا كوانغل الجادين المجتهدين اللذين لم يشعرا بعداء نحو النازيين الى أن قتل ابنهما على الجبهة الفرنسية. يتحول معمل الأثاث حيث يعمل أوتو مصنعاً للتوابيت، ويتغير الرجل الذي بات يمضي الآحاد في كتابة بطاقات معادية للنظام والعمل ورميها في الأبنية العامة."أيتها الأم، الفوهرر قتل ابني"."اعملوا بأكبر قدر ممكن من البطء"."ضعوا الرمل في الآلات"."كل ضربة عمل لا تنفذ تقصر عمر الحرب". يتناول فالادا الخيارات الأخلاقية في زمن مخيف لدى سكان المبنى الذي يقطنه الزوجان. تصعق عاملة البريد ايفا عندما تعلم ان ابنها الشرطي ضرب طفلاً يهودياً على رأسه حتى قتله، وأن صورة التقطت للجريمة تدور على رواد الحانة في الحي. تغادر الى الريف حيث تتزوج وتتبنى طفلا تستعيض به عن ابنها الذي فقدت القدرة على الاعتراف به. في المقابل يبحث زوجها السابق عمن يوزع البطاقات ويسلمه الى الشرطة. تماثل نهاية أوتو وآنا مصير الثنائي الحقيقي الذي أعدم في ربيع 1942، ويصف فالادا بلا هوادة وحشية الشرطة وزرعها الفتنة بين أفراد الأسرة الواحدة. كان فالادا في الثامنة عشرة عندما قتل صديقاً في نزال بدا أنه اتفاق على انتحار الاثنين. استضافته المصحات والسجون بعد ادمانه على المورفين ولجوئه الى السرقة والاختلاس للتمكن من شرائه. عمل في مزرعة وكتب في الوقت نفسه"أيها الرجل الصغير ماذا الآن؟"التي نالت اعجاب توماس مان وحولتها هوليوود فيلماً. اقتبست"كل واحد يموت لنفسه"تلفزيونياً في كل من الألمانيتين قُدِّم تلفزيونياً في الغربية منهما في السبعينات. نشر في العدد: 16786 ت.م: 20-03-2009 ص: 24 ط: الرياض