يحسب القادة الروس ان الأزمة الاقتصادية التي يتعثرون بها لا تخلو من منفعة استراتيجية. فبعد أعوام من مداعبتهم حلم"بنية أوروبية جديدة"يتوسلون بها الى إرساء هيمنتهم على جوارهم القريب، تقربتهم نتائج الأزمة من تحقيق حلمهم. فقياساً على البلدان الأوروبية تبدو روسيا بلداً غنياً وقوياً. وبينما يُتوقع ان يتراجع نموها سلباً 2 في المئة، في 2009، يبلغ تراجع جارتها الأوكرانية 10 في المئة. وفي الأثناء، تستعجل السياسة الروسية انتهاز المناسبة المتاحة، واستعادة نفوذها في الجوار الأوروبي. وأول من مهد الطريق، ووقع اتفاقاً في شباط فبراير المنصرم مع موسكو يجيز لها نصب أجهزة مضادة للصواريخ، هو الرئيس البيلاروسي، الكساندر لوكاشينكو، وذلك لقاء قرض ببليوني دولار. وفي الشهر نفسه، قدمت روسيا لقيرغيزيا قرضاً يبلغ بليوني دولار ثمن طرد الولاياتالمتحدة من قاعدة إمداد مانس الجوية. وروجت موسكو خطة إنشاء مصرف تنمية يمول استثمارات في الجمهوريات السوفياتية السابقة. وكان ميدفيديف دعا، في كانون الثاني يناير شركاء روسيا السابقين الى بناء قوة انتشار سريع مشتركة، وإحياء مجموعة الدول المستقلة من هذه الطريق. وبادرت بروكسل، بعد غزو روسيا أوسيتيا الجنوبية، الجورجية، إلى اقتراح برنامج شراكة، على دول شرق أوروبا يدعو أرمينيا وأذربيجان وجورجيا ومولدافيا وأوكرانيا الى تيسير إجراءات السفر والانتقال فيما بينها، وإلى توسيع المبادلات التجارية. وأعلن المفوض الأوروبي الأعلى خافيير سولانا، في الأسبوع الثاني من آذار مارس، عزم الاتحاد على ضم بيلاروسيا الى برنامج الشراكة الشرقي. وزار سولانا مينسك، وعرض على لوكاشينكو مساعدات تبلغ 350 مليون يورو، ووعد بتيسير إجراءات إعطاء سمات السفر بين دول الاتحاد وبين بيلاروسيا. ولا يقترح الاتحاد على دول شرق أوروبا الانحياز إليه، وإدارة الظهر للجار الروسي. والحق انه ليس في مستطاع هذه الدول قطع علاقاتها بروسيا. وذهب الرئيس المولدافي الى رفض خطة الشراكة الأوروبية، وتذرع بوصفها"مؤامرة على روسيا"، وجزءاً من محاصرتها. فاقتصاد روسيا البيضاء يستعين بالغاز الروسي الرخيص، وهي مدينة لروسيا بنيف و15 بليون دولار. ويخشى السكان، بعد غزو موسكوجورجيا، اجتياح دباباتها شوارع مينسك ذات يوم. وأوكرانيا على حافة التداعي، بينما شركة الغاز الوطنية على شفير الإفلاس جراء عجزها عن تسديد مستحقات"غاز بروم"، عملاق الغاز الروسي، على أوكرانيا. فإغراء الانصياع لروسيا نظير حل مشكلة الغاز ليس قليلاً. ويسع روسيا الوفاء بالتزاماتها تجاه جوارها، وتلافي عجز موازنتها، في 2009. وهي تسدد الالتزامات هذه من صندوق استقرار جمعت فيه 150 بليون دولار أثناء أعوام الطفرة المنصرمة. وفي ضوء حجم إنفاق الكرملين على توثيق روابط دول الجوار به، واستمالتها، لا يُحتمل ان يعزف عن سياسته هذه على رغم تناقص موارده المتوقع. ولكنه قد يعوض عجزه عن شراء النفوذ نقداً بالقتال والحروب الإقليمية، على ما يخشى بعض جيران روسيا. * صحافيان، عن"نيوزويك"الأميركية، 17/3/2009، إعداد وضاح شرارة. نشر في العدد: 16784 ت.م: 18-03-2009 ص: 26 ط: الرياض