يواصل الفنان التشكيلي العراقي فاروق حسن رحلته في سبر أغوار المرأة وألغازها، محاولاً الكشف عن مكنوناتها عبر أعماله الفنية المعروضة حالياً في إحدى قاعات بغداد. وتحتضن قاعة"حوار"ثلاثين لوحة هي نصوص يعترف حسن من خلالها بأن المرأة هي الملهم الرئيس لمخيلته ولا يمكن التخلي عنها ساعياً الى تقديمها بأساليب جديدة على هيئة أشكال هندسية. ويقول الفنان إن"المرأة حاضرة دائماً في أعمالي كرمز، وليست مظهراً بل جوهر الكينونة الانسانية، فهي تجسيد للماضي والحاضر والمستقبل، طالما انها رمز الى ديمومة الحب والجمال". ويضيف:"حاولت ان اتخطى حدود الموضوع عبر اللون والتقنية الجديدة، فظهرت المرأة في اشكال هندسية قد تقود المشاهد الى رحلة حلم". وتعكس اعمال حسن الجديدة تفاصيل حياتية واجتماعية وإنسانية للمرأة، وكأنه يقدمها من داخل العائلة العراقية بعيداً من الإطار الشعبي المعروف والوجوه النسائية المأخوذة من مجمل المشهد العام. واهتم عدد من الفنانين كثيراً بتقديم وجوه لرجال ونساء وبرعوا في تجسيدها عبر لقطات حياتية من داخل المنزل البغدادي، فنرى المرأة المستلقية او الجالسة أمام المرآة وغير ذلك من صور للأسرة. وتظهر نساء حسن في لوحاته التي انجزها العام الماضي حزينات تارة وسعيدات تارة أخرى من خلال وجوه وملامح انثوية شرقية تبدو ساكنة في ذاكرة الفنان، كما توحي بلغة بصرية يريد الفنان تأكيد وجوده في ظلها. ويقول:"تعمدت عدم اطلاق اسماء على لوحاتي، فكل واحدة مكملة للأخرى". ويرى حسن المرأة في لوحاته"جزءاً وامتداداً للأساطير وحكايات ألف ليلة وليلة. فقد ظلت هذه الاساطير راسخة في مخيلتي لأن المرأة بحد ذاتها موضوع الجمال، والفنان عندما يختار المرأة يحاول اظهار جمالها في شكل فني". ولد فاروق حسن عام 1939 في البصرة الغافية على اكتاف الخليج، والشغوفون سكانها برحلات البحر وحكايات السندباد التي تركت تأثيرها ليس في الفنانين التشكيليين فقط وإنما في الكتاب والشعراء ايضاً. وأبدى في بداية مشواره في ستينات القرن الماضي اهتماماً بالاتجاه الواقعي قبل ان يتأثر تماماً بأسلوب الفنانين الشهيرين الراحل اسماعيل فتاح الترك ومحمد مهر الدين، وأكمل دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة في روما عام 1980. وفي اللوحات تنوع فني واضح وثقافة تشكيلية شاملة تستند الى اهتماماته المتعددة في أكثر من مجال، سواء على صعيد التصميم أم الرسم، مستفيداً من قدرته التصميمية للأزياء فتمتلئ لوحاته ألواناً وزخارف وأشكالاً هندسية وألواناً شفافة. اهتم حسن بتصميم الطوابع، فأنجز أكثر من سبعين تصميماً لطوابع عراقية، كما عمل في مجال الديكور المسرحي. ونال جوائز عن اعماله لمسرحيات قدمها عمالقة الفن المسرحي العراقي مثل سامي عبدالحميد وبدري حسون فريد ومحسن العزاوي والراحل ابراهيم جلال وفتحي زين العابدين وغيرهم. وأقام الفنان الكثير من المعارض الشخصية في عمان ولندن، ويستعد لإقامة معرض آخر في العاصمة الاردنية العام الحالي. وحظي معرضه باهتمام استثنائي من النقاد والفنانين الذين اعتبروه إثراء جديداً لتجارب حسن الزاخرة بالتنوع الجمالي. ويقول الفنان التشكيلي قاسم العزاوي ان"معرض حسن الجديد يكاد يكون رحلة حلم يدخلها المشاهد من اللوحة الاولى ولا ينتهي الا عند آخر لوحاته التي تطوف في عوالم تبقى عالقة في الذاكرة بسبب الالوان الشفافة والأخاذة". اما الناقد صلاح عباس فاعتبر المعرض"سلسلة من الافكار تترك فيها للمشاهد حرية التجول والذهاب بعيداً الى مساحة واسعة للفرح والذكرى والتأمل، وأحياناً ممزوجة بالغموض الذي يطرحه الفنان على هيئة انطباعات حزينة". ويضيف:"نجد في اعمال حسن أساليب لفنانين تميزوا بما يسمى عمل"العائلة العراقية"والبغداديات التي اشتهر بها جواد سليم وعلي شاكر إبان ستينات القرن الماضي".