ترجع الدكتورة زهراء رهنورد الحركة النسوية في إيران إلى"ثورة التبغ"في فترة الحكم القاجاري، شارحة أن عناوينها الأولى لم تكن نسوية بل كانت سياسية تحمل شعارات مقاومة الاستعمار. وتقول رهنورد التي أطلقت برامج دراسات المرأة في عدد من الجامعات الإيرانية، أن مشاركة المرأة في الشأن العام بعناوينه السياسية وضد الاستعمارية مهّدت شيئاً فشيئاً لتبدأ النساء طرح قضايا نسوية تتعلق بالحقوق والمساواة. وعلى رغم أن المرأة خاضت غمار تحركات تسعى لإزالة القيود التي تواجهها في المجتمع بالتناغم مع المراحل الأولى للحركات النسوية في العالم. ومن ثمّ شكّلن مكوناً أساسياً في التحرك ضد الشاه في سبعينات القرن العشرين، ولعبت النساء دوراً أساسياً في الثورة لكنها بقيت محكومة بالشعارات السياسية والوطنية العامة. ولا تبدو المرأة الإيرانية اليوم راضية عما وصلت إليه، وترى أنها لم تكافأ بالشكل الذي تستحقه على"دورها التاريخي"، لكن رهنورد ترفض وصف المرأة الإيرانية بأنها كانت وسيلة. مكان النساء خالٍ في الانتخابات الأخيرة لمجلس الشورى الإيراني كانت النساء الإيرانيات يحاولن تسليط الضوء على"مكان المرأة الخالي"في العملية السياسية، ويجمعن على أنهن لم يكافأن بما يستحقنه من التيارين الأصولي والإصلاحي ويشعرن بأن هناك من يعرقل مسيرة المرأة السياسية. وفي حين اشتكت نساء التيار الأصولي الذي يتألف من 15 حزباً وجمعية في رسالة إلى مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، من عمليات الإقصاء التي يشهدنها في المجال السياسي، أورد تجمّع النساء الإصلاحيات في برنامجه الانتخابي استراتيجيات للخروج من حال عدم المساواة التي تحكم الفعاليات السياسية. ولا ترى رئيسة"مجتمع زينب الإسلامي"، ريم بهروزي، أن عدد المرشحات لدورة المجلس الثامنة يتناسب مع طموحات المرأة الإيرانية إذ يبلغ 616 امرأة من بين 7597 مرشحاً تنافسوا لملء 290 مقعداً. ورداً على الانتقادات التي تشير إلى دور"باهت"للنساء في الساحة السياسية، تقول بهروزي:"في بداية الانقلاب وصل حضور المرأة إلى أوجّه، لكن السنوات الأخيرة بدأت تشهد موجة تحاول إلقاء النساء في الحاشية". لكن بهروزي ترى أن إيران"لم تمتلك إلى اليوم امرأة تصلح لمنصب رئيس الجمهورية". إبعاد عن كرسي السياسية من جهتها، تقول الباحثة نرجس كريمي:"الدستور وفي جميع المواضع الخاصة بالمناصب العليا يشترط"الذكورة"تلميحاً أو تصريحاً". وتقدم كريمي أرقاماً لإثبات الحضور الباهت للمرأة في السلطة التنفيذية بخاصة في مناصب المديرين والوزراء، وتشير إلى أن اكتفاء النساء ب 13 مقعداً من بين 290 مقعداً في مجلس الشورى يؤكد المساحة الضيقة لمساهمة المرأة في المجال التشريعي". وتضيف:"يرافق ذلك حضور غير مؤثر في المجالس المحلية، ولا تتجاوز نسبة وجودهن في المناصب العليا ال 7.2 في المئة، فضلاً عن انه لا توجد أية وزيرة. وتخلو الساحة الديبلوماسية والمقامات العليا في السلطة القضائية من النساء"... وتأسف كريمي إلى حدوث ذلك في إيران التي أكد الإمام الخميني"أن ثورتها مدينة في انتصارها للنساء". نصف الكأس الممتلئة إلاّ أن بعض الناشطات، يرين أن وضع المرأة الإيرانية يشير إلى حضور تصاعدي لها. وتقارن الباحثة زهرا محتشمي بور بين أرقام الدورات التي أجريت على مدى 30 عاماً. وتبين الأرقام أن العدد ارتفع من 90 أمرأة قبل ترشحها في الدورة الأولى إلى 827 في الدورة السابعة، ما يساوي عشرة أضعاف تقريباً. ووصل عدد النساء في مجلس الشورى إلى 13 امرأة بعد أن كان اربع نساء في الدورة الأولى. وتشير سجلات إلى أن حضور النائبات الإيرانيات تركز في لجان الثقافة والتنمية والتعليم العالي والصحة والبحث العلمي. المنصب المحرم وتنشط النساء في إيران على أكثر من صعيد في الدفاع عن مركزهن، وكانت أعظم طالقاني، ابنة آية الله طالقاني أحد أهم رجالات الثورة الإسلامية، أول امرأة ترشح نفسها لانتخابات الرئاسة الإيرانية قبل 11 عاماً. ولا تزال تصر على أن كلمة"رجال"الواردة في القانون لا تمنع المرأة من تولي المنصب، لكن مجلس أمناء الدستور رفض ترشيحها على رغم وجود وجهات نظر فقهية وقانونية تؤيد رأيها. وتدافع طالقاني عن موقفها بالقول أن عدم إزالة الإبهام الخاص ب"رجال"يعني إغلاق الطريق أمام مساهمة المرأة الإيرانية في المجالات كافة. وتواظب طالقاني على نشر ما يدعم توجهها عبر موقعها رسالة المرأة"إذا كان المقصود هم الذكور فذلك يعني ظلماً بحق 30 مليون امرأة إيرانية". وتحذر طالقاني من التجاهل:"عندما رشحت نفسي للمرة الأولى كنّا تسع نساء، ووصل عددنا اليوم إلى 90 امرأة يرغبن في الترشح، ومن واجب مجلس الصيانة أن يجدد نظره قبل أن يصل العدد الى تسعة ملايين". "رجال"تشمل النساء أيضاً ويعيد الدكتور عباس كريمي أستاذ الحقوق في جامعة طهران الجدل حول حق المرأة الإيرانية بتولي منصب رئاسة الجمهورية إلى المادة 115 من الدستور التي تشترط انتخاب الرئيس من بين رجال السياسة والدين. ويؤكد أن"رجال"وفق المعنى اللغوي تأتي بمعني الذكور، وكذلك بمعنى الأفراد الصالحين، وينتقد التفسير اللغوي الظاهري، مؤكداً أنها في العربية تعني الأشخاص المشهورين واللائقين إذا اقترنت بصفة، ويشير كريمي إلى مصطلح"رجال الحديث"للدلالة على"رجال ونساء نقلوا الحديث النبوي". ويدعو الدكتور أمير ارجمند أستاذ حقوق الإنسان في جامعة الشهيد بهشتي إلى إيجاد انسجام بين أهداف النظام السياسي والنظام الإداري بوضع قانون ينقل المسألة من حالة التميز ضد المرأة الى المساواة. وكانت رئيسة"جمعية النساء المسلمات حديثات الفكر"فاطمة راكعي، طالبت بإزالة الإبهام المتعلق بالكلمة، وانتقدت إغفالها في تعديلات قانون انتخابات الرئاسة، واعتبرت من واجب مجلس الشورى أن يتصدى لمعضلة تحول دون حق المرأة الإيرانية في تولي هذا المنصب. من جهتها، ترى الباحثة زهرا حداد أن المجتمع الإيراني"غير جاهز لتقبّل الفكرة بعد، والقضية تحتاج إلى نضوج فكري". وتضيف أن التمييز في مسألة تولي المناصب موجود في العالم أجمع، وتلفت النظر الى أن النساء اللواتي برزن في مناصب سياسية في دول تشبه إيران كن من عائلات سياسية اثر رجالها في مجتمعاتهم في شكل واضح كعائلة غاندي وعائلة بوتو. وعلى رغم بقاء المنصب حكراً على الرجال إلا أن حداد ترى أن ذلك لا يمكن استمراره وترجع ذلك الى التحولات التي يشهدها المجتمع الإيراني وتزايد حضور النساء بخاصة في الفئة الشابة وتؤكد أنها تحولات تصب في مصلحة النساء. نشر في العدد: 16778 ت.م: 12-03-2009 ص: 20 ط: الرياض