هناك اجماع في ايران على أن دور المرأة الإيرانية بات أحد أبرز مميزات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، خصوصاً ان أصوات النساء في الانتخابات كانت "بيضة القبّان" في حسم النتائج كالحال في فوز الرئيس محمد خاتمي عام 1997. لكن النسوة الإيرانيات لم يقتنعن بعد بما وصلن اليه وهذا ما تؤكده ل"الحياة" النائبة عن طهران في البرلمان الإيراني فاطمة حقيقت جو. وتشغل حقيقت جو منصب عضو الهيئة التنفيذية في حزب جبهة المشاركة الإصلاحي المقرّب من الرئيس خاتمي وهي أعلنت ل"الحياة" تطلّع المرأة الى منصب رئاسة الجمهورية مُستقبلاً، وأكدت "على التواصل بين نساء ايران وأخواتهن في العالم بخاصة في العالمين العربي والإسلامي وهنا نص المقابلة: باعتبارك احدى أعضاء مجلس الشورى الإسلامي ما هو تقييمك لدور المرأة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ - بسم الله الرحمن الرحيم. بما أننا في ايران نتابع التنمية الشاملة في كل مجالاتها لا يمكننا أن نتغاضى عن نصف المجتمع الذي يتكون من النسوة، فالتنمية الشاملة يجب أن تكون بمشاركة كل أبناء ايران. ومن هذا المنطلق علينا أن نُوفر الأرضية لمشاركة وحضور المرأة الإيرانية في مختلف المجالات. ونحن بدورنا كنواب في مجلس الشورى الإسلامي نحاول عند تشريع القوانين أن نأخذ مشاركة المرأة ودورها وتنمية معلوماتها في الاعتبار كي نتوصل الى الحقوق المدنية التي تُلبّي متطلبات المرأة في المجتمع. وبما أن لنا دور الإشراف على سنّ القوانين وفق الدستور، فإننا نحاول القاء الأضواء على الجوانب التي كان حضور المرأة فيها ضعيفاً، ونحاول تنمية هذا الحضور كي نتوصل الى تطبيق القوانين التي صَادق عليها مجلس الشورى الإسلامي في دوراته السابقة، فيما المؤسسات الحكومية ما زالت تتجاهل تلك القوانين. كما نعمل على توفير الأرضية المناسبة لتوزير أكثر من امرأتين في الحكومة المقبلة بخاصة ان الانتخابات الرئاسية ستتم في العام المقبل وسنتشاور مع الرئيس الآتي كي يقوم بتقليد أكثر من امرأة حقيبة وزارية، وقد بدأنا اتصالات مع الوزراء الحاليين ليفسحوا مجالاً أوسع للمرأة في المؤسسات الحكومية وعلى صعيد كبار المدراء التنفيذيين. وهل توصلتم الى نتائج محددة عبر هذه الاتصالات؟ - نعم، نحمد الله ان هذا الأمر كان أحد شعارات السيد خاتمي وهو اهتم به اهتماماً خاصاً، كما أن أجواء بلادنا الحالية تساعد على مشاركة المرأة في نشاطات المجتمع فإذا تغاضى أحد عن هذا الجانب يكون ابتعد عن خطط الرئيس خاتمي. الأجواء مناسبة للعمل ونحن لا نواجه أي مشكلة في هذا المجال. وكيف تنظرين الى النشاطات السياسية للمرأة في ايران وهل نالت كل حقوقها قياساً مع الدول الأخرى؟ - يمكن أن نقسّم البلدين الى قسمين، فعلى سبيل المثال هناك بلدان تولت فيها المرأة رئاسة الجمهورية، وحقائب وزارية عدة اضافة الى حضور المرأة في الحكومة، نحن بعيدون بعض الشيء عن ذلك، ولكن في جميع الأحوال بما ان الإسلام يمنح المرأة كافة حقوقها ويعادلها في الكثير من الشؤون الحياتية مع الرجل أعتقد أننا نتمتع بنسبة معقولة من حقوقنا في المجتمع، لكن هذا لا يعني أن نتوقف عن مطالبتنا بالمزيد، أو أننا قد توصلنا الى ما نريد. وهل يمكن أن تخوضَ المرأة الإيرانية انتخابات الرئاسة المقبلة. - في الانتخابات الرئاسية السابقة ترشحت احدى النساء الإيرانيات وهي السيدة أعظم طالقاني، لكن ونظراً للقراءة الخاطئة التي قدمها مجلس خبراء الدستور تمّ شطب اسمها من قائمة المرشحين، وأعتقد أنه في الانتخابات الآنية يتعلق الأمر بشخصية المرأة التي سترشح نفسها للانتخابات الرئاسية، لكنني أعتقد أنه إذا رشّح الرئيس خاتمي نفسه لولاية ثانية، لا أظن ان امرأةً ستقوم بترشيح نفسها وذلك احتراماً لوجود الرئيس خاتمي. لأنه أعلن منذ البداية أن أحد برامجه هو الدفاع عن حقوق المرأة، وقد لمسنا ذلك عن كثب في سياسته التنفيذية. إذاً هل تعتقدين ان امرأةً يمكن أن تكون رئيسة للجمهورية الإسلامية في ايران في المستقبل؟ - بالتأكيد - فإن الدستور يؤكد ان الرئيس يجب أن يكون من "رجالات السياسة" وانكم - وكما تعلمون - ففي اللغة العربية بعض الصفات لا تختص في جنس من دون آخر لأنها تكون أشمل وأوسع من أن تنحصر في أبناء الجنس الواحد - ذكراً كان أم أنثى، وقد بحثنا هذه القضية مع بعض الشخصيات التي شاركت في كتابة الدستور، وتوصلنا الى أن كلمة - رجالات - هي من الكلمات التي تشمل المعنى العام ولا تدل على الذكور فقط ولا تحرم النساء "حق الرئاسة"، إذاً لم يكن أمام ترشحيهم أي عقبة قانونية، لكن تبقى الظروف الاجتماعية المُخيمة على البلاد، ومن هذا المنطلق أعتقد ان النساء إذا ترشحن للرئاسة خلال المرحلة الحالية سوف لن يحصلن على غالبية الأصوات التي تخولهن الفوز. ما هي برأيك أهم مشكلات المرأة في المجالات الاجتماعية والسياسية؟ - ان أهم قضية يمكن أن تُشكل أصلاً للقضايا الأخرى هي نظرتنا الى المرأة، أعتقد ان نظرة المجتمع الى المرأة لم تُعدل حتى الآن، فما زلنا نراها من منظار الجنس الثاني حيث لا تتمتع بالظروف المتساوية، والعمل على تغيير مثل هذه الأفكار يتطلب برامج وخططاً ثقافية، لا يمكن تحقيقها على المدى القصير. لكن يبقى أن نؤكد وبكل حزم أننا توصلنا الى تنميةٍ غير متوقعة في السنوات الثلاث الماضية. وحصدنا الكثير مما لم نكن ننتظره. كيف تقولين انكم توصلتم الى ما لم تتوقعونه في حين أنَّ عدد النائبات في الدورة السابقة لمجلس الشورى كان أكثر منه في هذه الدورة؟ - صحيح ان عدد النائبات تراجع من 12 الى 11 نائبة لكن هذا لا يدل على انحسار دور المرأة في مجلس الشورى الإسلامي، لا بل انني أرى العكس فدور المرأة في المجلس الحالي أهم بكثير مما كان عليه في الدورات السابقة. إذ وصلت المرأة الى هيئته الرئاسية وتبوأت منصب نائب الرئيس في كثير من اللجان البرلمانية المهمة حالياً، في حين لم تُتح لنا مثل هذه الفرصة من قبل. لكن وبما ان ظروف الانتخابات البرلمانية الأخيرة سادها الطابع الحزبي، وطرحت الأحزاب فيها قوائم عديدة رأينا المنتخبين أخذوا في الاعتبار مجمل الظروف التي تمر بها البلاد عندما أدلوا بأصواتهم، وعلى رغم أن القوائم كانت تضم عدداً في المرشحات لكن لم تحصل كثيرات منهن على الأصوات التي تخوّلها دخول البرلمان. في أية حال اضافة الى دخولنا هيئة رئاسة المجلس، فإننا نتولى الآن نيابة رئاسة اللجان ومنها: اللجنة الثقافية التي هي من أهم اللجان في برلماننا حيث تتصدى الدكتورة راكعي لنيابة رئاستها، كما هو الحال في لجنة الصحة والعلاج الطبي، حيث تأخذ الدكتورة طالقاني نيابة رئاستها، وفي لجنة تدوين التعليمات، تتولى السيدة كولائي نيابة رئاسة اللجنة، كما توصلت النائبات الى الهيئات الرئاسية، والأقسام، والشعب المختلفة لمجلس الشورى الإسلامي مثل المهندسة سهيلا جلودار زاده، ولدينا مُشرفات على الشؤون الأخرى مثل الدكتورة، فاطمة خاتمي التي تُشرف على أعمال المطالب العدلية. وماذا عن وضع المرأة ومشاكلها الاجتماعية في ايران؟ - أقول بصراحة أن نسبة الانتحار والتعرض للضرب بين النساء الإيرانيات أقل بكثير مما ترويه لنا الإحصائيات الرسمية في البلدان الأخرى، لكن هذا لا يثنينا عن الاستمرار في العمل لتحسين أوضاع المرأة، فنحن لدينا واقع موجود، ولدينا واقع يطلب الدين الإسلامي الحنيف تطبيقه، فإذا ما قارنا بين الأوضاع الموجودة والظروف التي يريد منا الإسلام أن نُوفرها للمرأة، نجد أنفسنا بعيدين عن الصورة المطلوبة منا. خصوصاً - ومع بالغِ الأسف - بعدما تمَّ دس بعض الأحاديث والروايات المصطنعة في التعاليم الإسلامية بشأن المرأة. وحتى في بلدنا الذي يعتمد القوانين الإسلامية نرى ان بعض المواقف التي يعتمدها القانون، تستند الى تلك الروايات والأحاديث غير الصحيحة وعلى فقهائنا المتنورين أن يحددوا الأحاديث الضعيفة ليبعدوها عن الواقع المُعاش. ويثبتوا ماهية النظرة الإلهية للرجل والمرأة ومن هذه الزاوية يمكننا اصلاح باقي القوانين الجزائية العليا. وهل هناك بعض القوانين الفعلية من هذا القبيل؟ - نعم ولكن في طريقها الى التعديل والإصلاح. ماذا بشأن الطلاق وتسهيل حق طلب المرأة للطلاق في ظروف العسر والحرج؟ - تمت المصادقة على رفع العسر والحرج عن المرأة وسينظر فيها مجلس خبراء الدستور، ومما يؤسف له أنه وعلى رغم أن هذه المقترحات جاءت في الدورة السابقة لمجلس الشورى الإسلامي أي البرلمان الخامس لكن مجلس خبراء الدستور عارضها وقال انها لا تتماشى والشؤون والتعاليم الإسلامية. وبما ان القضاة والباحثين في الشؤون الإسلامية تداركوا المقترحات مرة أخرى. فقد صادق عليها المجلس ثانية، وستحال الى مجلس تشخيص مصلحة النظام برئاسة هاشمي رفسنجاني وبما ان أجواء هذا المجلس تميل الى تعديل الشؤون والقوانين لمصلحة النساء نأمل أن تتم المصادقة عليه. شهدنا خطوة لافتة في الآونة الأخيرة، إذ تم تشكيل فريق نسائي يشارك في أعمال مراكز اطفاء الحرائق فما هي دلالات هذه الخطوة؟ - علينا أن نحدد ظروف كل عمل، ونرى ما هي الظروف التي يمكن أن تعمل المرأة في اطارها. فما عدا بعض الأعمال المنهكة والصعبة من الطبيعي أن تتمكن المرأة من ممارسة باقي الأعمال. ونظراً للظروف الخاصة بهذا العمل لا أرى أي مشكلة أمام المرأة للمشاركة فيه خصوصاً في مجالات الاسعاف. على المستوى الخارجي هل لدى المرأة الإيرانية خُططاً للتواصل مع المرأة في الدول الإسلامية والعربية، أو الدول الأخرى وهل لديك برامج محددة في هذا المجال؟ - نعم، لدينا خططٌ وبرامج وارتباطات عدة. فعلى سبيل المثال فأن جزءاً من دراساتي وبحوثي يرتبط بهذا المجال وأذكركم ان قضية المرأة في عالم اليوم لم تعد مختصة ببلدٍ دون آخر فقد أصبحت قضية المرأة عالمية، والدليل على ذلك أننا نرى مجموعات كثيرة تعمل في شتى البلدان كي تحصل المرأة على حقوقها لكنها تنأى بنفسها عن الظُلم الموجود تجاه المرأة في بلادها، ففي أميركا نرى أن الكثير من نسائها يتعرضن للضرب والشتم، حتى أصبح هذا العمل القبيح أمراً طبيعياً في مختلف الولاياتالمتحدة الأميركية. إذاً من الضروري أن ترتبط المجاميع النسوية في بلدان المنطقة ومع وجود القواسم المشتركة الثقافية والجغرافية والدينية فإننا لا نواجه عقبات أساسية في مد الجسور، وبات الوصول الى النتائج المطلوبة أمراً قريب المنال، واننا نعمل أيضاً على تطوير ارتباطاتنا وعلاقاتنا بالمجتمع النسائي في المنطقة.