Jean-Pierre Doumenge ed.. Femmes et Islam. النساء والإسلام. Cheam, Paris. 2000. 220 Pages. هذا الكتاب، الصادر عن "مركز الدراسات العليا حول افريقيا وآسيا الحديثتين"، يفلح في تجاوز مطبّ يترصد كل من يتصدى لدراسة العلاقة بين الإسلام والمرأة. فمن منظور مجرد يبدو وضع المرأة في الإسلام - المحكوم بأحكام الشريعة - وكأنه مفارق للزمان والمكان، وغير خاضع لشروط التاريخ والجغرافيا. ومن هنا أصلاً الطابع التكراري لمعظم الدراسات الصادرة حتى الآن عن وضع المرأة في الإسلام. فهي تتوزع، لا محالة، إلى دراسات منافحة تؤكد أن الشريعة الإسلامية أعطت المرأة حقوقها كاملة، وإلى دراسات نقدية تؤكد، على العكس، أن المرأة التي اعطتها الشريعة الإسلامية حقوقها هي امرأة القرون الوسطى، لا امرأة الأزمنة الحديثة. هذا الكتاب، بدلاً من أن يصب اهتمامه الأول على الدراسة الاستعراضية والمجردة لأحكام المرأة في الشريعة، يوجهه على العكس إلى دراسة الوضع العيني للمرأة في البلدان الإسلامية. وعلى هذا النحو، فإن ما يبدو من منظور الشريعة وكأنه واحد لا يتغير بتغير الشروط العينية يبدو، من منظور أوضاع البلدان الإسلامية، وكأنه مختلف إلى حد الاخلال بمبدأ وحدة الهوية. وهكذا فإن أفغانستان، التي تدعي أنها تطبق الشريعة، تحجر على المرأة وتحرمها من حق العمل والتعليم، وحتى من حق العناية الصحية، وتفرض عليها لا الحجاب الكامل فحسب، بل حتى الخروج إلى الشارع بدون رفقة محرم ذكر. وفي المقابل، فإن أندونيسيا التي تقول هي أيضاً إنها تتقيد بأحكام الشريعة، تبيح للمرأة العمل السياسي وتفتح أمامها أبواب البرلمان والوزارة وحتى رئاسة الجمهورية. ومن منظور وضع المرأة تحديداً، فإن التجربة التاريخية لثلاثة بلدان إسلامية: تركياوتونس وإيران، تكتسي أهمية خاصة. تركيا، أولاً، لأنها أول بلد إسلامي يحرر المرأة. فكما يلاحظ ميشيل بوزدمير، أستاذ اللغة والحضارة التركيتين في المعهد القومي للغات والحضارات الشرقية اينالكو في باريس، فإن تركيا، بتاريخها الإسلامي الذي لا يزيد على خمسة قرون، جمعت في الموقف من المرأة بين النقيضين. فمنذ عام 1565 صدرت فتوى تحرم على المرأة الدخول إلى محلات بيع "القيمق"، لتعقبها في عهد مراد الرابع 1623-1640 فتوى بتحريم خروجها إلى الشارع، ولو بصحبة محرم ذكر. ولكن منذ 1926، وفي عهد الجمهورية الكمالية، صدر أول قانون مدني في بلد إسلامي يخرج المرأة من "الحريم" إلى الحياة العامة، ليعقبه في 1930 مرسوم يمنحها حق الاقتراع في الانتخابات البلدية، ومرسوم ثانٍ في 1935 يبيح لها المشاركة في الانتخابات النيابية. والواقع أن تركيا الكمالية تضرب بعض الأرقام القياسية في سيرورة تحرير المرأة المسلمة: ففي 1929 نظمت "أول" مباراة للجمال، وفي 1931 انتخبت "أول" تركية كملكة لجمال العالم، وفي 1932 تخرجت "أول" طبيبة، وفي 1938 تخرجت "أول" قائدة للطائرات. ولا شك أن أجرأ الخطوات وأكثرها جذرية التي أقدمت عليها الجمهورية الكمالية هي تلك قلبت رأساً على عقب أحكام الزواج والطلاق في قانون الأحوال الشخصية. فقد حظر القانون تعدد الزوجات ورهن الطلاق بموافقة المرأة، فضلاً عن أنه أقر الزواج المدني من دون أن يحظر الزواج الديني الذي لم يعد إلزامياً وفقد في الوقت نفسه كل قيمة قانونية. بيد أن العيب الأساسي للاصلاحات الكمالية يكمن في طابعها الارادوي والفوقي، أو اليعقوبي كما يقول الفرنسيون. فقد كانت سابقة بالإجمال لمستوى تطور المجتمع، وبدت بالتالي وكأنها مسقطة من الخارج عن طريق محاكاة النموذج الغربي. وفضلاً عن ذلك، فقد كانت اصلاحات مدنية أكثر منها ريفية. وإلى اليوم لا تزال غير مطبقة عملياً في الأرياف الأناضولية حيث لم يسجل تطور المرأة تقدماً مرموقاً وحيث لا تزال ترصد حالات من تعدد الزوجات ولو بالاحتيال على القانون. ومع ذلك، فإن ديمومة تلك الاصلاحات على مدى العقود المتتالية واتساع نطاقها أرسيا أسساً ثابتة لها في المجتمع، فغدت غير قابلة للرجوع عنها على رغم استهدافها من قبل الإسلاميين في الآونة الأخيرة. وتقدم تونس النموذج الاستثنائي الثاني في مجال تحرير المرأة. فالرهان على تغيير وضع المرأة اعتبر من البداية حجر الأساس في مشروع التحديث التونسي. فقد صدر القانون الجديد للأحوال الشخصية 13 آب/ اغسطس 1956 حتى قبل صدور الدستور التونسي. وما ميّز التجربة التونسية أنها، بخلاف التجربة التركية، لم تضع نفسها في إطار العلمانية المعلنة، بل في إطار "إسلام التقدم"، كما يقول الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. فإنطلاقاً من قراءة تحديثية للفقه الإسلامي، ألغى قانون الأحوال الشخصية تعدد الزوجات استناداً إلى الآية القرآنية التي تشترط العدل في حالة التعدد "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة". واستناداً إلى الآية التالية من سورة النساء التي تقول باستحالة العدل "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم". وبالإضافة إلى ذلك، فقد رفع قانون الأحوال السن الشرعية للزواج إلى 15 سنة، ثم إلى 17 سنة بالنسبة إلى البنت، وإلى 18 سنة ثم إلى 20 سنة بالنسبة إلى الصبي. وألغى القانون حق الرجل في التطليق، وجعل فسخ الزواج من صلاحية المحكمة وحدها، وبناء على طلب من الزوج أو الزوجة، أو كليهما معاً، على حد سواء. ومن دون أن يقر القانون حق المساواة في الإرث بين المرأة والرجل، فقد استحدث اصطلاحاً ذا شأن: فعندما لا يترك المتوفى أعقاباً إلا من النساء، فإن حقهن في الإرث يكون كاملاً من دون الأعمام كما في الفقه التقليدي. ومما له دلالته الرمزية من منظور المشروع المجتمعي التحديثي التونسي أن يوم 13 آب، الذي صدر فيه قانون الأحوال الشخصية، عمد باسم "يوم المرأة"، واعتبر عيداً وطنياً من الأعياد الرسمية للدولة. وفضلاً عن الرموز فقد انتقش التغير الكبير في وضع المرأة في الواقع، وهذا في ثلاثة مجالات: التعليم والعمل والحياة السياسية. فتونس تكاد تكون الدولة العربية الوحيدة التي حققت المساواة شبه التامة بين الذكور والاناث في التعليم. فنسبة التمدرس في المرحلة الابتدائية تصل إلى 93 في المئة بالنسبة إلى الذكور و5.91 في المئة بالنسبة إلى الاناث، وتتعادل النسبة بين الذكور والاناث في المرحلتين الاعدادية والثانوية، مع تفوق طفيف للبنات 20.50 في المئة على الصبيان 80.49 في المئة. أما في المرحلة الجامعية، فإن نسبة الاناث تتراجع إلى 90.45 في المئة مقابل 10.54 في المئة للذكور. والسبب في ذلك تفرغ المرأة للزواج وللحياة العائلية، من دون أن يمنعها ذلك من استئناف الدراسة في وقت لاحق. أما من حيث مشاركة المرأة التونسية في الحياة الاقتصادية، فإن احدى الاحصائيات المتاحة تشير إلى أن نسبة اليد العاملة النسوية إلى اجمالي السكان العاملين بلغت 23 في المئة عام 1994، وهي ترتفع في بعض القطاعات إلى 31 في المئة و43 في المئة كما في الصحة والتعليم، بل تصل في بعض الاختصاصات إلى 60 في المئة كما في الصيدلة وطب الأسنان. وقد أمكن احصاء 4850 ربة عمل في الصناعة والتجارة والحرافة، فضلاً عن 12 في المئة من النساء في المناصب الإدارية، و23 في المئة في السلك القضائي. وعلى رغم ثقل العادات والتقاليد والأحكام الاجتماعية المسبقة، فقد أمكن للمرأة التونسية ان تشق طريقها إلى المشاركة الفعالة في الحياة السياسية. فقد بلغ عدد النساء في المجلس النيابي المنتخب في العام الماضي 23 نائبة من أصل 194 نائباً. كما ان اربع نساء يشغلن مناصب وزارية في الحكومة التي تشكلت في أعقاب الانتخابات الرئاسية في 24 تشرين الأول اكتوبر 1999، بالإضافة إلى ست نساء سفيرات. وتقدم التجربة الإيرانية، ثالثاً، مثالاً على العكس. فههنا أيضاً، وكما في تونس، تمت في عهد الثورة الإسلامية إعادة فتح الأبواب امام الاجتهاد الفقهي، ولكن لا للتقدم إلى الأمام، بل للنكوص إلى الوراء. فقد الغي قانون حماية الأسرة الذي كان معمولاً به منذ 1967 في عهد الشاه. والحال ان هذا القانون كان رفع سن الزواج القانونية للبنات إلى 15 سنة ثم إلى 18، ولكن قانون الأحوال الشخصية الجديد الصادر بعد شهر واحد من قيام الثورة الإسلامية عاد يخفض سن الزواج القانونية للبنات إلى 13 سنة، ثم إلى 9. كما فرض عليهن إلزامية الحجاب، وأخضع المتزوجات لسلطة الأزواج، وقلص حق الأمهات في الحضانة إلى سنتين بالنسبة الى الولد الذكر وسبع سنوات بالنسبة إلى البنت. وفضلاً عن ذلك، فقد أعاد العمل بتعدد الزوجات وأباح في الوقت نفسه زواج المتعة للرجال من دون أي تحديد عددي. وعملاً بتوجيهات الإمام الخميني، سُدت أمام المرأة المنافذ إلى القضاء والمناصب الإدارية التقريرية وإلى بعض الفروع الجامعية مثل كليات القانون والإدارة والدراسات التقنية، ناهيك عن بعض الاختصاصات الطبية. لكن الأبواب التي سدتها الثورة الإسلامية فقهياً عادت تفتحها سياسياً. فقبل قيام الثورة الإسلامية كان جميع آيات الله يعارضون دخول المرأة المعترك السياسي. ومشهورة هي من هذا المنظور البرقية الاحتجاجية التي كان وجهها الإمام الخميني إلى الشاه في 19 تشرين الأول اكتوبر 1979 والتي ندد فيها بمنح النساء حقوقهن السياسية: "ان الحكومة، بمنحها النساء حق الانتخاب، قد خالفت الإسلام وأثارت امتعاض العلماء ومسلمين كثيرين". ولكن مشاركة المرأة الواسعة في الثورة الإيرانية جعلت الخميني يعدل عن رأيه، ويعلن: "ان من حق النساء التدخل في الشؤون السياسية، وذلك هو واجبهن الديني". وتبقى المفارقة الكبرى للثورة الإيرانية من هذا المنظور هي مفارقة الحجاب. فقد أعادت الثورة من مهدها الأول فرض الحجاب على المرأة ليكون رمز خضوعها للسلطة الابوية في صورتها الدينية الإمامية، فغدا وسيلتها للانعتاق في إطار الايديولوجيا المعلنة للنظام الإيراني. فقد استغلت المرأة الشرعية الدينية التي يكسبها إياها الحجاب لتقتحم مسرح الحياة السياسية بجرأة غير متوقعة. فقد رفعت حصتها التمثيلية من أربع نساء نائبات في البرلمانات الإسلامية الثلاثة الأولى 1979، 1983، 1987 إلى ثماني نائبات في البرلمان الرابع ل1992، ثم الى عشر نائبات في البرلمان الخامس 1996، وأخيراً إلى ثلاث عشرة نائبة في البرلمان السادس 1999. ومشاركة النساء الإيرانيات الفعالة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة هي التي كفلت الانتصار للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. واليوم هناك من النساء الإيرانيات من يطالبن بأن يفتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية الإسلامية أمامهن. وتقف على رأس هؤلاء - وهذه مفارقة أخرى - فائزة رفسنجاني، ابنة الرئيس السابق، وعزام طالقاني، ابنة آية الله المتوفى محمود طالقاني. وقد رشحت بالفعل ثماني نساء إيرانيات أنفسهن في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بالاستناد إلى مادة ملتبسة في الدستور الإيراني. لكن مجلس حراس الثورة رفض الموافقة على ترشيحهن من دون ان يحسم في التباس المادة المشار إليها. وهذا ما يترك الباب مفتوحاً أمام اقتحامات سياسية جديدة للمرأة الإيرانية في المستقبل.