يوم تسلمت تانغ تشياسهاو نص البيان الصيني الداعي الى اصلاحات ديموقراطية في صندوق بريدها الالكتروني، اسرت لنفسها أنها تؤيد ما ورد في البيان، ولكنها لم توقعه. فهي لم تشأ ان تتورط في المسألة. ولم تحسب تانغ 30 عاماً، وهي خبيرة في فن التجميل، نفسها يوماً مناضلة سياسية او ملتزمة قضية من أي نوع كان. وعلى غرار غيرها من الصينيين، أنشأت مدونة الكترونية"بلوغ"، تدون فيها شؤون حياتها اليومية التي لا تمت الى السياسة بصلة. ولكن، بعد أيام، على قراءة البيان، أقدمت تانغ على ما فاجأها. فدخلت الى بريدها الالكتروني، ووقعت البيان، وذيلته باسمها الكامل، وعنوانها، ووظيفتها. وتقول تانغ:"شعرت بالخوف، ولكنني وقعت هذا البيان مئات المرات في قلبي، قبل أن اوقعه فعلياً". وكتبت تانغ في مدونتها قبل أن تحظرها السلطات:"نحن أبناء جيل نشأ على سياسة ملوثة بالميلانين السام... وترسخت رواسب الخوف في عظامنا وأجسادنا". وحذا اصدقاء مدونة تانغ حذوها، ووقعوا البيان. وانضم اسم تانغ الى لائحة موقعي البيان، وكانت الشخص ال 3943 الذي يوقعه. وبلغ عدد موقعي البيان 8100 شخص. وهذا رقم متواضع قياساً على عدد سكان الصين. ولا شك في أن البيان هو منعطف في الحياة السياسية الصينية. فهو أول حملة سياسية مطلبية صينية يقبل عليها الناس من أوساط اجتماعية مختلفة، منذ تظاهرات ساحة تيان ان مين، في 1989. ونشر البيان في منتصف كانون الاول ديسمبر، ولم ينتشر كثيراً، وبقي محصوراً في دائرة صغيرة من المناضلين السياسيين. وأول من وقع على البيان مجموعة من المحامين والكتاب، وغيرهم من المثقفين الناشطين ودعاة التزام مبادئ الديموقراطية. وسارعت الحكومة الصينية الى حظر نشر البيان، ووضعت من اشتبهت بصوغه البيان، ونشره تحت المراقبة. وحققت مع موقعي البيان، وأزالته عن الشبكة الالكترونية، وحجبته وراء حائط النار"فاير وول"الصيني العظيم. ولكن ما لم يكن في الحسبان حصل. وبدأ أشخاص عاديون من أمثال تانغ، وهم لم يشاركوا من قبل في أنشطة سياسية معارضة، يتداولون البيان بواسطة البريد الالكتروني. وأعلن هؤلاء تأييدهم مطالب البيان. وتوسعت لائحة مؤيدي البيان، ووقّع البيان طلاب وصحافيون ومهندسو تكنولوجيا ورجال أعمال، ومدرسون وتلامذة وعمال بناء ومزارعون. والحق أن هذا البيان هو أول برنامج سياسي مكتوب يتوجه الى الشعب الصيني، ويطرح أفكاراً سياسية تخالف برنامج الحزب الشيوعي الحاكم. وبحسب تشياو كيانغ، استاذ صحافة في جامعة كاليفورنيا، ومدير"برنامج انترنت الصين"، جرت العادة أن يتجنب الناس البسطاء والعاديون المشاركة في اعمال تناوئ النظام الحاكم وتعارضه، وأن يمتنعوا عن توقيع وثيقة معارضة. ويبدو أن البيان الاخير، وهو يدعو الى عدول النظام الحاكم عن احتكار السلطة، هو فاتحة حركة مدنية يشترك فيها المواطنون الصينيون عموماً. وفي 13 كانون الثاني يناير، وقع أكثر من 20 مثقفاً صينياً رسالة مفتوحة تدعو الى مقاطعة برامج المحطات التلفزيونية الحكومية الإخبارية. فهذه البرامج لا تلتزم الحيادية والموضوعية، وتبث رسائل بروباغندا سياسية"تغسل دماغ"المشاهدين. وفي اليوم نفسه، نشرت صحيفة بكينية مقالة رأي تزعم أن حرية التعبير حق يكفله الدستور الصيني، وتذهب الى أن السلطات لا تستطيع أن تكون الفيصل في تحديد ما هو تقدمي وما هو رجعي، أو ما هو عبثي وما هو غير عبثي. وفي 7 كانون الثاني يناير، تقدم محام بارز، يان ييمينغ، بشكوى الى وزارة المالية تدعوها الى نشر سجلات موازنة 2008-2009، وتفاصيل خطة التحفيز الاقتصادي البالغة قيمتها 586 بليون دولار. وكتب يان في نص الشكوى:"على حكومتنا أن تمارس صلاحياتها في العلن نهاراً وجهاراً". وفي مطلع كانون الثاني نشر محررو صحيفة"ساوثرن ويك اند"الصينية مقالات تناقش أفكاراً وردت في شرعة 08 من غير أن تشير اليها. وأيدت المقالات مبادئ حقوق الانسان والحرية والديموقراطية والتقدم. وتدعو شرعة 08 الصينية الى عدول الحزب الحاكم عن احتكار السلطة، والى احترام حرية التعبير والتجمع، والفصل بين السلطات السياسية والقضائية، والاحتكام الى صناديق الاقتراع. واستوحت شرعة 08 شرعة 77 التشيكوسلوفاكية التي صاغتها مجموعة من المثقفين في 1977، ودعت الى احترام الحقوق الانسانية، قبل 12 عاماً من انهيار الاتحاد السوفياتي. وتراقب دول العالم تطور ملف شرعة 08 وموقف الحكومة الصينية منه، وطرق قمعها الحركة المطلبية هذه. وفي كلية الحقوق بجامعة بكين، وجهت السلطات تحذيراً الى الطلاب ينهيهم عن التورط في ملف شرعة 08، على ما فعل نظراؤهم في أبرز مجموعة أبحاث اجتماعية تمولها الحكومة، في اكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية. وألقت السلطات القبض على ليوو تشايباوبو، وهو ناقد أدبي معارض سبق أن سجن 20 شهراً بتهمة المشاركة في تظاهرات تيان ان مين. وأعلن ماو يوشي 80 عاماً، وهو خبير اقتصادي كبير أسهم في توجيه سياسات الحكومة الاقتصادية الاصلاحية، أنه لم يوقع بيان الشرعة، ولكنه وجّه نصائح الى معدّيها ومؤيديها. ويبدو أن الصين في مرحلة انتقالية وأمام مفترق طرق، على ما يقول تنغ بياو، محام في شركة بيكين. عن أريانا اونجونغ شا،"واشنطن بوست"الاميركية، 29 /1/ 2009 نشر في العدد: 16742 ت.م: 2009-02-04 ص: 27 ط: الرياض