بدأ الاتحاد الافريقي أمس أعمال قمته في أديس أبابا بانتخاب الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي رئيساً للاتحاد لمدة سنة، وأكد تضامنه مع الرئيس السوداني عمر البشير ومعارضته إصدار مذكرة توقيف في حقه من المحكمة الجنائية الدولية بسبب اتهامه بارتكاب جرائم حرب في دارفور. وكان لافتاً حضور الرئيس الصومالي الجديد شيخ شريف شيخ أحمد أعمال القمة ممثلاً لبلاده بعد يومين فقط من تحقيقه فوزاً ساحقاً في انتخابات الرئاسة خلال انعقاد البرلمان الصومالي في جيبوتي لتعذّر ذلك في الصومال. وشيخ أحمد أحد قادة"المحاكم الإسلامية"التي طردها الجيش الإثيوبي من الحكم في مقديشو في نهاية 2006. لكنه محسوب على التيار الاسلامي المعتدل. وانسحب الجيش الاثيوبي من بلاده مطلع هذه السنة، في إطار اتفاق سلام بين شريف أحمد والحكومة الصومالية، وهو أمر ترفضه"حركة الشباب المجاهدين"التي قادت تمرداً دموياً ضد الإثيوبيين وتسيطر حالياً على معظم جنوبالصومال وبعض أحياء مقديشو. وكرّم الزعماء الأفارقة الرئيس الصومالي الجديد شيخ أحمد في قاعة المؤتمر ووقفوا مصفقين له. وقال رئيس الاتحاد الافريقي المنتهية ولايته جاكايا كيكويتي للقمة إن على الاممالمتحدة أن تقود المجتمع الدولي في المساعدة في احلال السلام في الصومال. ودعا إلى ارسال قوات تابعة للأمم المتحدة لتساعد قوة صغيرة افريقية لحفظ السلام في الصومال. وقدم جان بينغ رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي أحمد إلى القمة وطلب منه الوقوف وقال"بعض ظلال الأمل بدأ في الظهور في الصومال". وابتسم أحمد، وهو مدرّس جغرافيا سابق، ولوّح بيديه وانحنى لتحية الحضور الذين صفقوا له. وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بانتخاب أحمد. وقال في كلمة أمام القمة"بمقدورنا جميعاً أن نسعد بالتقدم المحرز نحو تسوية سلمية في الصومال... وأثق في قيادتكم الحكيمة ورؤيتكم الثاقبة". لكن حضور شيخ أحمد قمة أديس ابابا لم يرض حلفاءه السابقين من الإسلاميين. ونقلت وكالة"رويترز"عن الشيخ حياك الله الذي يقود المحكمة الإسلامية في مدينة كيسمايو التي تسيطر عليها جماعة"الشباب"أمام حشد:"سنقاتل ما يسمى بحكومة شريف في كل مكان". وأضاف حياك الله:"إنه الآن مع عدوّنا الاول اثيوبيا... ويدعو إلى مزيد من الدعم من جانب الكفار... تخيّلوا كيف خدعنا شريف وخدع الإسلام بعدما كان زعيمنا". وشن أنصار جماعة"الشباب"تظاهرة صغيرة ضد أحمد أمس في بيداوة التي تضم مقر البرلمان الصومالي الذي سقط بيد المتشددين الشهر الماضي بعد انسحاب الاثيوبيين. وقال الشيخ شريف شيخ حسين القيادي المحلي لجماعة"الشباب"مخاطباً المحتجين:"سنقاتل حتى آخر نقطة من دمائنا الى أن يخضع الصومال للشريعة الإسلامية". وكان قادة الاتحاد الافريقي اضطروا في الجلسة الصباحية أمس إلى اختيار القذافي رئيساً على رغم تحفظ كثيرين عليه بسبب سعيه إلى اقامة"حكومة اتحادية"تؤدي إلى قيام"الولاياتالمتحدة الأفريقية". واضطر القادة إلى اختياره في إطار التوازن السياسي بين مختلف المناطق الافريقية. فبحسب قواعد الاتحاد الافريقي، تعود رئاسة الاتحاد هذا العام إلى شمال افريقيا بعدما كانت لشرق افريقيا. وكان القذافي الذي يُلقّب ب"ملك ملوك أفريقيا"، الزعيم الوحيد من منطقة شمال افريقيا الحاضر في قمة أديس أبابا. ويقول مشاركون في القمة الافريقية إن عدداً من الافارقة لا ينظر بعين الرضى إلى تولي القذافي رئاسة الاتحاد الافريقي. كما ان بعض المشاركين سعى بلا جدوى الى حشد الدعم لرئيس من منطقة افريقيا الجنوبية بخاصة وأن قمة الاتحاد الافريقي المقبلة ستعقد في تموز يوليو في مدغشقر. وقالت مصادر متطابقة إن الزعيم الليبي مرر لنظرائه رسالة يطلب فيها رسمياً أن يدعى"ملك ملوك افريقيا"وذلك بعدما"بايعه"بهذه الصفة عدد من زعماء القبائل الافريقية العام الماضي في ليبيا. ورافق القذافي في القمة سبعة"ملوك"باللباس التقليدي المزركش المزين احياناً بمعدن لماع، غير انهم لم يتمكنوا من البقاء في محيط الزعيم الليبي بسبب الاجراءات الأمنية الاثيوبية. وفي كلمته الوداعية، دعا الرئيس السابق للاتحاد الافريقي التنزاني جاكاوا كيكويتي إلى التركيز أكثر على التنمية في القارة. ووضعت القمة الافريقية تحت شعار"تنمية البنى التحتية"في افريقيا التي تشكل"أولوية"بحسب رئيس المفوضية الافريقية جان بينغ، غير انه لم يتم التطرق الى هذا الموضوع إلا في جلسة بعد ظهر أمس. وقال الرئيس التنزاني:"نحن نخصص وقتاً أكثر من اللازم لتسوية النزاعات أو لتقاسم السلطة بين سياسيينا. وعلينا أن نعيد تحديد أولوياتنا للتركيز على تنمية اقتصاداتنا ... لنتخلص من عار كوننا أفقر قارة في العالم". وبحث قادة الدول وممثلوهم في اجتماعات مغلقة استمرت عشر ساعات الأحد في إنشاء"حكومة الاتحاد"الافريقي، وهي الفكرة التي يدافع عنها القذافي بحماسة. وانتهت المحادثات من دون تقدم يذكر، ولم يتفق القادة إلا على تغيير تسمية المفوضية، الجهاز التنفيذي للاتحاد الافريقي، لتصبح"السلطة الافريقية"، بحسب ما اوضح كيكويتي في خطابه قبل أن يؤكد ان ذلك يفتح الباب امام"مؤسسة ذات تفويض اكبر وقدرات أكبر تقودنا الى هدف حكومة الاتحاد". وتحدث القذافي إثر ذلك معرباً عن"الأمل في أن تكون فترة ولايته فترة عمل وليس فقط فترة كلام"، مؤكداً ضرورة"دفع افريقيا الى الامام في اتجاه الولاياتالمتحدة الافريقية". وشدد"سأواصل وسألح من أجل ان تتوصل الدول ذات السيادة الى ولايات متحدة افريقية". ويدعو القذافي وهو من مهندسي تحول منظمة الوحدة الافريقية الى الاتحاد الافريقي عام 2001، الى اتحاد قوي وقيام ولايات متحدة افريقية وهي نظام فيديرالي على النموذج الأميركي. كما يتوقع أن يتناول المشاركون في اليوم الثاني للقمة التي يحضرها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أزمات الصومال ودارفور والكونغو الديموقراطية وزيمبابوي إضافة إلى الانقلابين العسكريين الأخيرين في موريتانيا وغينيا. وفي موضوع دارفور، صادق المجلس التنفيذي في الاتحاد الافريقي الذي انعقد قبل قمة رؤساء الدول والحكومات، والذي يضم وزراء خارجية 53 دولة، على قرار يجدد تضامن الاتحاد مع الرئيس السوداني عمر البشير في ملف المحكمة الجنائية الدولية وأعلن رفضه اصدار مذكرة توقيف بحقه. واعرب الاتحاد الافريقي في وثيقة رفعت الى الرؤساء"عن قلقه العميق"من طلب مدعي المحكمة الجنائية لويس مورينو اوكامبو في تموز يوليو الماضي اتهام البشير بارتكاب ابادة وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور، غرب السودان حيث تدور حرب اهلية. وبعدما جدد"التزامه الثابت بمكافحة الإفلات من العقاب"، اكد الاتحاد الافريقي انه"نظراً إلى الطابع الحساس الذي تتميز به عملية السلام الجارية حالياً في السودان، قد تؤدي المصادقة على هذا الطلب الى عرقلة المساعي الجارية بشكل خطير". واعتبر مصطفى عثمان اسماعيل، مستشار الرئيس البشير، ان"الاتحاد الافريقي اتخذ قبل ذلك موقفاً مطالبا بإرجاء البت في التهمة وسندعم اي قرار يتخذه الاتحاد الافريقي". وأضاف"كما دعم الاتحاد الافريقي السودان بقوة في السابق نتوقع ذلك الدعم مرة أخرى". وإضافة الى قضية الرئيس السوداني، قال القادة الافارقة انهم يشعرون وكأن المحكمة الجنائية الدولية لا تستهدف سوى الافارقة. واوضح جان بينغ رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي للصحافيين ان"ما تبين من النقاش الذي اجريناه هو أن المشكلة تتمثل في ان المحكمة الجنائية الدولية لا تستهدف سوى الافارقة"، مؤكدا"اذا اردت ان تكون قاضياً يجب أن تكون غير منحاز ... يجب ان ينطبق القانون على الجميع وليس على الضعفاء فحسب". وتساءل بينغ:"ماذا فعلوا رداً على ما جرى في غزة والعراق وكوسوفو وسريلانكا؟ ... اننا نرفض الكيل بمكيالين".