لم أكن غادرت دافوس بعد عندما استوقفني أخ عربي يشارك في المؤتمر السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي وقال لي ان موقف الصحافي الأميركي ديفيد اغناشيوس من رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان سببه ان مدير جلسة الحوار من أصل أرمني، وقد تحركت فيه"أرمنيته"ضد المسؤول التركي. كان المتحدث مثقفاً وثرياً، كأكثر المشاركين في المؤتمر، إلا أن هذا لم يمنعه من تفسير الأمور بالمؤامرة، مع أن التفسير الأسهل هو انتهاء الوقت المحدد للجلسة، أو الخطأ. وقد وجدت بعد أن عدت الى لندن ان فكرة"المؤامرة"الأرمنية على أردوغان لها أتباع وأشياع. رئيس الوزراء أردوغان خطف الأضواء كلها بالانسحاب غاضباً ازاء كذب شمعون بيريز ولؤمه، مع أنني انسحبت قبله"ولا حدش سأل فيّ". والذي حدث انني دخلت الجلسة مع أخينا عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وجلست مع أصدقاء عرب لسماع المتحدثين، وعندما بدأ بيريز ولم يتوقف، وكذب بصوت عالٍ وبعصبية لم أتحمل سماعه، فلوحت بيدي لأخينا عمرو وغادرت القاعة. حظيَ مقالي عن أردوغان بأعلى نسبة من رسائل القراء في الأسبوعين الأخيرين، ووجدت بين الرسائل اثنتين أشارتا الى الأمين العام، فالأخ عبد الرقيب سأل"هل تعمّدت عدم التعليق على حضور السيد عمرو موسى هذه المساجلة من الأساس، وتحت أي مبرر كان إصراره على البقاء مع مجرم حرب. لو أنه تعمد الجلوس والبقاء لرد الصاع صاعين بالكلام لقلنا حسناً، ولكن المؤسف أن يغلبنا اليهود حتى بالكلام على رغم أن بأسنا شديد حين نتراشق بالكلام". والقارئ سامر يذكّرني بأن السيد عمرو موسى"لم يسجل أي موقف مع أنه أكمل الجلسة". الواقع ان السيد عمرو موسى تحدث في الجلسة وحمل على اسرائيل بشدة ودان عدوانها على قطاع غزة، ولكن انسحاب أردوغان طغى على كل شيء آخر. وعمرو موسى لم يرد لأن اغناشيوس أوقف الجلسة لانتهاء الوقت المحدد لها، فهذا ما أثار حفيظة رئيس وزراء تركيا بعد أن استهلك بيريز أكثر الوقت المحدد في خطاب حقير استمر 25 دقيقة. وأخونا عمرو وقف وصافح أردوغان مؤيداً وأشار له بان كي مون بيده ليجلس، ربما حتى لا يتفاقم الخلاف، أو أن السيد عمرو موسى بقي خشية أن تطول الجلسة ولا يجد بيريز من يفند كذبه وتدجيله. الغالبية العظمى من البريد عن الموضوع أيدت أردوغان، بل كان بين القراء من أيدني لأنني أيدته، كما فعل القارئ وسيم. أما الأخ أحمد من أبها فيريد أن يستنسخني. والقارئ محمد قال ان أردوغان أعطى العرب درساً في كيف تكون المواقف الفاعلة وليس الإنشاء الذي لا يقدم ولا يؤخر. والقارئ هشام يريد أن يكون القادة العرب مثل أردوغان، ويطلب من العرب الحذر لأن الصهاينة لا فارق عندهم بين سنّي وشيعي. والقارئ أحمد يقول انه لا يوجد بين العرب رجل مثل أردوغان. أما المهندس محمد فبعث برسالة تفاصيلها دقيقة كعادته، وأرد على نقطة فيها، ففي تقديري الشخصي أن تصرف اغناشيوس لم يكن متعمداً، وانما يعكس سوء تقدير لحدّة المواجهة، فالوقت انتهى، وهناك في القاعة نفسها جلسة تالية، وكل خطيب تجاوز الدقائق الخمس المحددة له، وكان أكثرهم تجاوزاً الدجال الإسرائيلي. والقارئ أمير يقول ببساطة أن أردوغان رجل عظيم، ومثله القارئان بندر وكمال والدكتور عبدالرحمن الذي يرجح ان العرب لم يستفيدوا من درس أردوغان. ولم يشذ البريد عن المواجهة في دافوس عن القاعدة العامة، فمهما كان الموضوع، لا بد أن يكون هناك رأي آخر، وهو هذه المرة جاء من القارئة سامية التي قالت ان تركيا قتلت مليون أرمني في القرن الماضي وأبادت 300 قرية تركية. ومن الأخ عصام وهو حسن الاطلاع جداً، وحمل هذه المرة على الدولة العثمانية وما جنت على عرب المشرق والمغرب والأرمن والأكراد، وعلاقة تركيا الحالية مع إسرائيل. وعندي رسائل من القراء على كل مقال، وبعضها يختلف معي على باراك أوباما، والقمم العربية، وحماس وفتح وأي موضوع آخر. أرجو ألا يفسد الخلاف للود قضية، فمن المستحيل أن نتفق جميعاً على كل موضوع، ثم أرجو أن يتذكر القارئ أمرين: الأول أن عندي معلومات أكثر كثيراً مما عند القارئ، بحكم العمل والاتصالات، لأبني عليها رأيي، ومع ذلك لا أصر على أنني مصيب، والثاني ان هناك دائماً احتمال أن يكون رأيي ورأي القارئ المعارض كلاهما خطأ، والصواب رأي ثالث فاتنا جميعاً. المهم، تغليب حسن النية، وتجاوز تهم المؤامرة والعمالة والدفع والقبض، وحتى الخيانة، فالأسهل كثيراً أن الآراء تختلف. نشر في العدد: 16748 ت.م: 10-02-2009 ص: الأخيرة ط: الرياض