دخل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أمس أسبوعه الثاني، بعدما أودى بحياة أكثر من 441 شهيداً ونحو 2300 جريح، بينهم بضع مئات في حال الخطر الشديد، في وقت أشركت قوات الاحتلال المدفعية الثقيلة في الحرب على القطاع، فيما شوهدت سفينة ضخمة مجهولة الهوية تقف قبالة سواحل مدينة غزة ورصدت تحركات مكثفة للدبابات قرب معبر اريز. وأضافت الطائرات الحربية الإسرائيلية إلى أهدافها مقر صحيفة"الرسالة"التابعة ل"حزب الخلاص الوطني الإسلامي"المنبثق عن حركة"حماس"، ومطبعة الرنتيسي في حي النصر في مدينة غزة، كما قصفت مسجداً في بيت لاهيا شمالي القطاع، ما أسقط عشرة شهداء. وصعدت عدوانها في شكل لافت، فشنت عشرات الغارات على أهداف في القطاع. لكن اليوم الثامن من العدوان حل من دون أن تنجح إسرائيل، حتى الآن، في تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة، وأهمها منع إطلاق الصواريخ في شكل نهائي من القطاع، أو إسقاط حركة"حماس"، أو على الأقل إضعافها، إذ لا يلوح في الأفق أن الصواريخ تراجعت، أو أن"حماس"انهارت. ومع سقوط نحو 430 صاروخاً فلسطينياً خلال الأسبوع الأول من العدوان على بلدات ومدن إسرائيلية أبعد بكثير من تلك التي كانت تسقط فيها هذه الصواريخ قبل انتهاء التهدئة الشهر الماضي، واستمرار سقوطها أمس على أسدود وعسقلان وأشكول وغيرها، بدا أن إسرائيل فشلت في الوصول إلى مطلقي الصواريخ ومنصاتها. ولهذا الغرض، حملت الطائرات الحربية الاسرائيلة من طراز"اف 16"أمس، وللمرة الثانية في يومين، في جعبتها، إضافة إلى الصواريخ، منشورات تطلب من الفلسطينيين إبلاغ سلطات الاحتلال عن أماكن الصواريخ ومطلقيها. لكن إسرائيل حققت نجاحين"محدودين"حتى الآن، في ما يتعلق ب"ضرب"حركة"حماس"، إذ اغتالت ليل الجمعة - السبت القيادي الميداني في"كتائب القسام"، الذراع العسكرية للحركة، أبو زكريا الجمّال الذي قصفته طائرة استطلاع من دون طيّار أثناء عودته من مسجد الأمين محمد المقابل لمنزل الرئيس محمود عباس غرب مدينة غزة، بعدما اغتالت القيادي نزار ريان قبل يومين. وقدمت إسرائيل مؤشراً جديداً على ساعة الصفر لانطلاق العملية البرية في القطاع. وبدا أن القصف المدفعي المكثف الذي بدأ عصر أمس واستهدف كل المواقع والمناطق الواقعة على طول الحدود الشرقية للقطاع تمهيداً للعملية البرية، هدف إلى تحقيق أمرين، أحدهما إبعاد السكان والناشطين عن المناطق المحاذية للحدود، وتدمير أنفاق تفترض أنها موجودة في المنطقة حفرتها"حماس"في أوقات سابقة. ومع حلول ساعات المساء، كانت الطائرات والمدفعية والبحرية تقصف القطاع متزامنة. وسمع سكان مختلف المناطق في القطاع بوضوح أصوات الصواريخ وهي تهوي على الممتلكات المدنية ودور العبادة، وآخرها قصف مسجد في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع أودى بحياة عشرة فلسطينيين، وأدى إلى جرح أكثر من 30 آخرين، جلهم جروحهم خطرة. وسقط أمس نحو 20 فلسطيناً في العدوان على القطاع، ليرتفع إجمالي عدد الشهداء من بدء العدوان إلى 457 والجرحى إلى أكثر من 2300. وسقط عشرة من هؤلاء الشهداء في الغارة على المسجد في بيت لاهيا أثناء أداء المصلين صلاة المغرب، وشهيدان في قصف لمنزل في البلدة نفسها، وأربعة في رفح عند الحدود مع مصر، وسبقهم ناشطان من"كتائب القسام"في خان يونس جنوب القطاع، وحارس المدرسة الأميركية شمال القطاع بعدما قصفت الطائرات فجراً صاروخاً على هدف قريب منها. واستبقت طائرات"اف 16"طوال النهار المناطق الزراعية في طول القطاع وعرضه بصواريخها، اعتقاداً منها بأن هناك منصات صواريخ أو أنفاق تحت الأرض. وأفادت مصادر طبية وشهود أن طفلة تبلغ من العمر 13 عاماً استشهدت، وجُرح ثلاثة من أفراد عائلتها في غارة جوية إسرائيلية جديدة على منزل عائلتها في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. وذكر شهود أن طائرة إسرائيلية أطلقت صاروخا على منزل، ما أدى إلى إصابة أربعة من إفراد عائلة واحدة بجروح، توفي أحدهم لاحقاً. وواصلت الفصائل أمس قصف المواقع والمدن الإسرائيلية بالصواريخ المحلية والروسية الصنع من نوع"غراد". وأعلنت"كتائب القسام"أنها بعد مرور أسبوع على"معركة الفرقان"تمكنت من إطلاق 302 صاروخاً، أي بمعدل 44 صاروخاً يومياً. كما أعلنت"كتائب شهداء الأقصى - مجموعات الشهيد أيمن جودة"التابعة لحركة"فتح"مسؤوليتها عن قصف مبنى المخابرات الاسرائيلي في"كيسوفيم"داخل الخط الأخضر إلى الشرق من مدينة دير البلح وسط القطاع بثلاث قذائف هاون. وأعلنت"سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة"الجهاد الإسلامي"، مسؤوليتها عن استهداف سديروت بصاروخين من طراز"قدس"، إذ اعترفت إسرائيل بسقوط الصاروخين في المجلس الإقليمي"شعار هنيغف"، من دون وقوع إصابات أو أضرار. وقالت"كتائب الشهيد أبو علي مصطفى"، الذراع العسكرية ل"الجبهة الشعبية"إن"مصادر صهيونية اعترفت بإصابة مبنى في النقب الغربي جراء صاروخ أطلقته". وأضافت أنه"استمراراً للرد على العدوان الصهيوني والمحرقة الصهيونية، تعلن كتائب الشهيد أبو علي مصطفى مسؤوليتها عن إطلاق نيران أسلحتها الرشاشة والثقيلة على وحدة للهندسة الصهيونية شرق بلدة بيت حانون، كما استهدفت منطقتي إيرز ونتيف هعسرا بقذائف الهاون". ووصلت الصواريخ أيضاً مدينتي اسدود وعسقلان والمجلس الإقليمي أشكول. من جهتها، اعتبرت الحكومة المُقالة في غزة برئاسة إسماعيل هنية أن"تباطؤ المجتمع الدولي في إجبار الاحتلال على وقف العدوان والحرب المفتوحة على غزة، تواطؤ مفضوح بإتاحة أكبر فرصة ممكنة للاحتلال لممارسة الإرهاب والتدمير والقتل". وجددت في بيان أمس الدعوة"لأمتنا العربية والاسلامية وللمجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته تجاه إجبار الاحتلال الاسرائيلي على وقف عدوانه على القطاع وانهاء الحصار بالكامل، باعتبار ذلك أولوية للتحرك السياسي ونؤكد أن ما عجز الاحتلال عن تحقيقه عبر أعوام الحصار سيفشل في تحقيقه عبر العدوان والإرهاب". وقالت إنها"تتابع جيداً وتدرس ما يقال على صعيد الموقف السياسي، خصوصاً بعض التصريحات الإعلامية لمسؤولين فلسطينيين وعرب وغربيين يلمحون إلى بعض المواقف والمبادرات السياسية التي تسعى إلى تحقيق أهداف الاحتلال عبر تغيير الوضع في القطاع بأشكال مختلفة مستغلة الحرب الإرهابية والحال الانسانية الصعبة للمواطنين لفرض نتائج سياسية تلتف على إرادة شعبنا وبرنامج الصمود والمقاومة. ونؤكد أن هذه المحاولات لن يكتب لها النجاح، ومن يظن أن التغيير في الساحة الفلسطينية يمكن أن يتم عبر قنابل الطائرات ومدافع الدبابات، وبغير الحوار فهو واهم". في هذه الأثناء، رأت"الجبهة الشعبية"في قراءتها السياسية للعدوان على القطاع أن العملية البرية أوشكت على البدء. وقال عضو المكتب السياسي للجبهة مسؤول فرعها في القطاع الدكتور رباح مهنا إن"القصف المكثف الذي يقوم به الطيران الحربي الصهيوني وبوارجه البحرية والدبابات والمدفعية يشير إلى احتمال الشروع بعمليات عسكرية برية ضد القطاع". وأضاف أنه"ربما ستهدف هذه العملية البرية إلى تقطيع أوصال القطاع إلى أربع أو خمس مناطق، والقيام بعملية عسكرية موضعية في مناطق متعددة، لذلك أدعو جميع فصائل المقاومة وأبناء شعبنا إلى التصدي لهذه العمليات الموضعية بكل وسائل المقاومة العسكرية والمقاومة الشعبية". وشدد على"ضرورة تنسيق الجهد الميداني لكل فصائل المقاومة العسكرية وكل القوى السياسية والشعبية والمجتمعية"، ودعا"كل قوى المقاومة، وفي مقدمها كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الذراع العسكرية للجبهة إلى التحضير للمواجهة البرية المحتملة". واعتبر أن"لا وقت لمناقشات أو تجاذبات سياسية، فكل الرصاص والجهد يجب أن يوجه ضد العدوان على شعبنا الفلسطيني وقضيته". وأكد أن"المستهدف من هذا العدوان البربري هو القضية الوطنية الفلسطينية برمتها وأهدافها"، مشدداً على أن"السبيل الأنجع لمواجهة هذه الهجمة الشرسة هو بالوحدة الوطنية والتماسك والصمود والمقاومة". ودعا الجميع إلى"عدم الانجرار إلى المهاترات والتجاذبات، سواء مع قوى فلسطينية أو عربية إقليمية لحرف المعركة عن هدفها الرئيس في مواجهة الاحتلال". نشر في العدد: 16711 ت.م: 2009-01-04 ص: 10 ط: الرياض