لم تنجح النقابات العمالية الفرنسية في تنفيذ تهديدها بتحقيق"يوم اسود"في باريس والمدن الفرنسية، لمناسبة الإضراب العام الذي دعت اليه أمس دفاعاً عن الوظائف والأجور واحتجاجاً على إصلاحات الرئيس نيكولا ساركوزي. فحال الفوضى والشلل التي اعتادها الفرنسيون في مثل هذه الحالات، اقتصرت على اضطرابات شملت القطاعات العامة كافة، لكن وطأتها جاءت أخف على المواطنين مقارنة مع الاحتجاجات السابقة. وتضاربت كالعادة الأرقام حول نسبة المشاركين في الإضراب، اذ تحدثت وزارة الوظيفة العامة عن نسبة 23 في المئة من المضربين عن العمل في مجمل القطاع العام، في حين أوردت النقابات أرقاماً مختلفة. وأشارت الأرقام النقابية الى ان نسبة المشاركين في الإضراب بلغت 41 في المئة من عمال السكك الحديد و40 في المئة من موظفي البريد وأكثر من 60 في المئة من اساتذة المدارس الرسمية. وفيما شهدت حركة الطيران في مطاري أورلي ورواسي بعض الارتباك، فإن حركة الباصات سجلت نسبة 85 في المئة وكذلك قطارات الأنفاق التي ظلت تعمل بنسبة 75 في المئة. وبدت الصعوبة الكبرى في حركة النقل على خطوط القطارات التي تربط باريس بضواحيها والتي توقف العمل كلياً على الكثير منها. ويشكل هذا الإضراب أول اختبار قوة في هذا الحجم بين النقابات والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وأيضاً أول اختبار لفاعلية القانون الذي تبناه البرلمان الفرنسي قبل بضعة أشهر بإيحاء من ساركوزي ويلزم مؤسسات القطاع العام، تأمين حد أدنى من الخدمات لمواطنين أثناء الإضرابات. وكان ساركوزي عبّر عقب اعتماد هذا القانون عن ارتياحه البالغ حياله، وصرح أنه بفضله بات في وسع النقابات اللجوء الى الإضراب من دون أن يشعر أحد بذلك. وعلى رغم ان الكثير من المواطنين، في باريس تحديداً، قرروا تدارك الصعوبات التي يواجهونها خلال الإضرابات بعدم التوجه الى مقار عملهم، فإن القانون الجديد كان له دور في تعديل شكل او كثافة الإضراب وجعله أقل إيذاء من السابق. ولكن هذا القانون لم يحل دون أن يسمع ساركوزي وأوساطه، الأصوات الغاضبة التي تدفقت الى شوارع المدن الفرنسية، بمئات الألوف للدفاع عن وظائف مهددة من جراء الإصلاحات المرتقبة وللمطالبة بمداخيل تتيح لأصحابها الحفاظ على بعض من قدرتهم الشرائية التي تآكلت نتيجة الارتفاع في الأسعار. وجاء الشعار الأبرز الذي أطلق خلال التظاهرات ليعبّر عن رفض أصحاب المداخيل المحدودة ان يكونوا في مقدم ضحايا الأزمة الاقتصادية الحالية. فعندما يتوجه ساركوزي الى هؤلاء، فإنه يكتفي بالقول إنه يصغي الى مخاوفهم ويأخذها في الاعتبار، لكن الموازنة والأوضاع السائدة على مستوى البلاد والعجز المتراكم، تحول دون النظر في أي تعديل في الأجور. ويتولد عن ذلك شعور بالغبن والاستياء العميق، إذ ان ساركوزي نفسه هو الذي يطل عليهم باستمرار عبر التلفزيون ليعلن عن خطط قيمتها بالبلايين لدعم المؤسسات المصرفية والإنتاجية. ولعل ما يمكن أن يعبّر عن طبيعة هذه المشاعر الشهادة التي أدلت بها موظفة في الپ45 من العمر الى إحدى أقنية التلفزيون الفرنسي، بقولها انها عندما حصلت على مكافأة بقيمة 68 يورو لمناسبة أعياد نهاية السنة كان يمكنها أن تشتري لنفسها قطعة ملابس، لكنها اختارت بدلاً من ذلك استخدامها لدفع رسم العضوية"في إحدى النقابات المناهضة للرأسمالية". نشر في العدد: 16737 ت.م: 2009-01-30 ص: 16 ط: الرياض