عكست التظاهرات التي شهدتها فرنسا أمس، في يوم الاحتجاج على قانون اصلاح نظام التقاعد، انحساراً في درجة التعبئة وفي عدد المتظاهرين. وقدرت وزراة الداخلية الفرنسية عدد المتظاهرين في باريس ونحو 269 مدينة أخرى، بحوالى 198 ألف متظاهر، وهو رقم سيقابله كالعادة رقم آخر أكثر ارتفاعاً يصدر عن الاتحادات النقابية. لكن هذه الاتحادات أقرت بأن التعبئة، بدت أمس وفي سابع يوم من الاحتجاج على اصلاح نظام التقاعد منذ أيلول (سبتمبر) الماضي، أدنى مما كانت عليه في الأيام السابقة. وهذا التراجع بدا متوقعاً، أولاً لأن تظاهرات أمس جرت خلال العطلة الدراسية وخصوصاً، بعد مصادقة مجلسي الشيوخ والنواب على القانون الذي يجيز رفع سن التقاعد من 60 سنة الى 62 سنة. واعتبر اليمين الفرنسي الحاكم ان مصادقة المجلسين على القانون، ينبغي أن تضع حداً للأزمة الاجتماعية، وان تعاود كل القطاعات نشاطها وعملها في شكل طبيعي. في المقابل، لجأت المعارضة اليسارية الى المماطلة ومحاولة تأخير موعد توقيع الرئيس نيكولا ساركوزي على القانون، من خلال مطالبتها للمجلس الدستوري، بالنظر بمضمون القانون وهو ما يتطلب مهلة شهر. ودعت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الفرنسي مارتين أوبري، ساركوزي الى عدم التوقيع على القانون لأنه من غير الممكن «تحقيق مكسب ضد الفرنسيين». في المقابل، دعا رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا ليون «الجميع الى احترام قانون الجمهورية». أما النقابات التي بدأ اعضاؤها يصابون بنوع من الانهاك نظراً الى الاحتجاجات المتتالية، فلفتت الى أن التحرك يمكن أن يستمر بأشكال أخرى. ومن المقرر أن تعقد الاتحادات النقابية اجتماعاً في 4 تشرين الأول (نوفمبر) المقبل، لمناقشة كيفية التعامل مع هذا الموضوع، علماً أنها دعت مسبقاً الى يوم احتجاج في السادس منه، الذي يصادف يوم سبت بما يتيح للعاملين في القطاع الخاص النزول الى الشارع واسماع صوتهم. وعلى رغم أن المنحى العام يشير الى تراجع واضح للاحتجاجات، فليس هناك ما يمنع عودتها مجدداً، انطلاقاً من قضايا أخرى غير قضية اصلاح نظام التقاعد، انطلاقاً من واقع التململ والاستياء العام من سياسات الحكومة. وقدرت نسبة المضربين في القطاعات المختلفة بنحو خمسة في المئة، مما لم يؤد الى أكثر من اضطرابات طفيفة في حركة القطاعات والقطارات السريعة، في حين بدت حركة وسائل النقل العام في الباصات وقطار الأنفاق شبه عادية. وعاودت 8 مصاف للنفط من أصل 12 مصفاة نشاطها، في حين شهدت حركة الطيران في مطار أورلي انخفاضاً بنسبة 50 في المئة، وبنسبة 30 في المئة في المطارات الأخرى بموجب قرار أصدرته ادارة الطيران المدني. ويترقب ساركوزي، عودة الأمور الى طبيعتها على الجبهة الاجتماعية ليطل على الفرنسيين عبر التلفزيون، منتصف الشهر المقبل، ليعرض عليهم التوجهات التي يعتزم اعتمادها خلال السنتين الباقيتين من ولايته، والمرتقب أن تقترن هذه الإطلالة بتعديل حكومي.