لا شك في أن الرئيس الأميركي الجديد كان يود تفادي التورط في ملف النزاع الفلسطيني ? الإسرائيلي، أو تأجيل التعامل مع القضية الفلسطينية الى وقت لاحق. فالملف لا شك شائك. وسبق أن تعثر به سلفه الديموقراطي، بيل كلينتون، وفاقم إخفاقات جورج بوش بالشرق الأوسط. والحق أن حرب غزة، وهي اندلعت عشية تسلمه مهماته، نبهت الرئيس باراك أوباما الى أن ثمة أزمة معلقة وتنتظر الحل. وهي سبقت الأزمة الأفغانية، وأزمة الطموحات النووية الإيرانية، واضطراب العراق. وفي 11 الشهر الجاري، خرج أوباما عن صمته الطويل، وتناول العملية الإسرائيلة على غزة في مقابلة بثتها الشبكة الأميركية"أي بي سي". ولكنه لم يوجه سهام الانتقاد الى اسرائيل، في وقت أن عدد ضحايا العملية العسكرية الإسرائيلية الاخيرة يبلغ أضعاف عددهم في العمليات السابقة. ودرجت العادة في الولاياتالمتحدة على ألا يخرج الرئيس عن سنة الصداقة مع اسرائيل. واثر انتخاب رئيس جديد، غالباً ما تدور المناقشات على السؤال الآتي: هل الرئيس صديق اسرائيل الصدوق ام صديق فحسب، شأن سلفه. ولكن السلطات الإسرائيلية لم تستسغ احتمال فوز اوباما بالانتخابات الرئاسية، في أثناء منافسته هيلاري كلينتون على تمثيل الحزب الديموقراطي ثم في أثناء منافسته جون ماكين، المرشح الجمهوري، على الرئاسة. ولم تكن المسألة الفلسطينية من أولويات حملة اوباما الرئاسية. فهذه تطرقت أولاً الى الانسحاب الأميركي من العراق، وزيادة عدد القوات الأميركية بأفغانستان، ومواجهة الخطط النووية الإيرانية. ولكن هل يغير وقوع عدد كبير من الضحايا الفلسطينيين سلم هذه الأولويات؟ وفي مقابلته مع"آي بي سي"، أعلن أوباما إنشاء فريق عمل من أفضل الخبراء المؤهلين اظهار اهتمام الرئيس الجديد بعملية السلام بالشرق الأوسط. وقال أن سياسته قد تستند الى سياسة سلفيه السابقين، كلينتون وبوش. ويدور كلام الصحف الأميركية على تصريحات أوباما، ويطعن بعض كبار الصحافيين الأميركيين في"جدة"السياسة الأميركية القادمة التي تستأنف النهج ال"كلينتوني"، نسبة الى بيل كلينتون، وتبعث فريق عمله المؤلف من دنيس روس ومارتن انديك ودانيال كوترزتر ودان شابيرو وسياسته. واثر اخفاق مفاوضات كامب ديفيد، في تموز يوليو 2000، ألقت الولاياتالمتحدة وإسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات على تعنت ياسر عرفات. ولكن فريق مستشاري كلينتون انقسم في الرأي. ورأى روبرت مالي وآرون ميلر أن وراء فشل المفاوضات انحياز الولاياتالمتحدة الى اسرائيل، في حين أن الوساطة في النزاع تفترض الحياد. وذهب دنيس روس الى أن اخفاق كامب ديفيد مرده الى استهتار الفلسطينيين. وسعى روس الى الانضمام الى فريق أوباما لاستعادة منصبه السابق. ولكن الأوضاع تغيرت منذ عهد كلينتون. فالحركة الوطنية الفلسطينية انقسمت، وفقدت السياسة الإسرائيلية المتذررة صدقيتها، وقطعت المستوطنات اوصال الضفة الغربية. والحق ان أوباما يحل محل أكثر الرؤساء تسامحاً مع اسرائيل. فعلى رغم ان بوش تأخر في التصدي للنزاع الفلسطيني ? الإسرائيلي، وافقت ادارته على انسحاب اسرائيل من غزة لقاء تثبيت المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وهذا يخالف التزام الموقف الأميركي طوال أعوام القانون الدولي الذي يطعن في مشروعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. ويبدو أن كاهل الرئيس أوباما ينوء بتركة بوش، وأن هامش قراراته مقيد. فوزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، تعارض التفاوض مع"حماس"، وتقطع، تالياً، الطريق على تغيير النهج السياسي الأميركي في النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. ويدعو الكونغرس الأميركي الى نقل سفارة الولاياتالمتحدة من تل أبيب الى القدس، في حين أن حل هذا النزاع يفترض تقاسم الفلسطينيين والإسرائيليين السيادة على القدس. ولا شك في أن أيام نزول واشنطن لإسرائيل عن"شيك على بياض"، وغير مشروط، ولّت. والأرجح ألا يكون في وسع أوباما الضغط على اسرائيل من طريق التلويح بامتناع الخزانة الأميركية عن ضمان القروض الإسرائيلية، على ما فعل جورج بوش الأب ووزير خارجيته، جيمس بايكر، عشية انعقاد مؤتمر مدريد للسلام. عن جيل باري،"لوموند"الفرنسية، 20 /1/ 2009 نشر في العدد: 16735 ت.م: 2009-01-28 ص: 24 ط: الرياض