"نعم نستطيع"شعار الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، هل سيطبّقه من أجل تغيير سياسة الولاياتالمتحدة إزاء الشرق الأوسط؟ وهل سيتمكن من إقناع اسرائيل، الحليف التقليدي للولايات المتحدة، أن الوقت حان لتوافق على مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للتوصل الى سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط؟ تلقى الرئيس الأميركي الجديد رسائل عديدة عشية دخوله البيت الأبيض، في طليعتها تلك التي وجهها القادة الأوروبيون الذين اجتمعوا في شرم الشيخ، برئاسة كل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ونظيره المصري حسني مبارك. والقيادات الأوروبية والمصرية قالت إنه ينبغي أن يتبع المساعدات الانسانية لغزة، مؤتمر دولي من أجل سلام دائم في الشرق الأوسط. الرسالة الأخرى المهمة التي وجهت الى أوباما في اليوم التالي، صدرت من الكويت حيث قال الملك عبدالله إن"المبادرة العربية للسلام لا يمكن أن تبقى مطروحة الى الأبد". فالمجازر التي شهدناها على مدى أكثر من اسبوعين، وسقط خلالها أكثر من 1300 من الضحايا الفلسطينيين من أطفال ونساء ومدنيين أبرياء، لا يمكن إلا أن تكون أثرت في نفس اوباما وفي نفس وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. فهذا الرئيس الشاب، والخطيب البارع، وأول رئيس اميركي اسود أحدث ثورة تاريخية من خلال فوزه بالرئاسة، لا يمكن إلا أن يستخلص الدروس من السياسة الأميركية السابقة التي اتسمت بانحياز أعمى لاسرائيل. ولا شك كما قال رشيد الخالدي، أحد المثقفين الفلسطينيين الذي يعرف أوباما، في حوار مع الزميلة جيزيل خوري على قناة"العربية"، إنه من الصعب أن نأمل تغييراً بالعمق في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لأسباب بنيوية مردّها الى تحالفها مع اسرائيل. إلا أن ذكاء أوباما وادراكه أن استمرار الأوضاع الحالية في الأراضي الفلسطينية والحرب والمجازر والحلول العسكرية ليست في مصلحة اسرائيل وشعبها. وهذا ما قاله ساركوزي بوضوح خلال الأيام الأخيرة من الحرب على غزة، إن هذه الحرب لا تعزز أمن اسرائيل وإن على الجيش الاسرائيلي مغادرة غزة. لقد آن الأوان ليتحرك العالم الغربي بقيادة الرئيس الأميركي الجديد للضغط على اسرائيل من أجل التخلي عن المستوطنات وعن سياسة الاحتلال وقمع الفلسطينيين، فقد اظهرت حرب غزة صورة وحشية للقوات الاسرائيلية التي قصفت المستشفيات والاطفال والمدنيين ولم تحصد سوى سفك دماء الفلسطينيين. ف"حماس"ما زالت موجودة، وأصبحت فاعلة أكثر من أي وقت وسيكون لها دور تلعبه على الساحة الفلسطينية، عبر أي حكومة وحدة وطنية يتم تشكيلها. والحرب على غزة إذن مماثلة للحرب على لبنان سنة 2006، حيث أدت الى مقتل أبرياء وخراب وإلى تعزيز القوى التي سعت اسرائيل الى انهائها. فهل يستمر سفك دماء الفلسطينيين الى الأبد، أم أن المبادرة العربية للسلام ستكون أساساً لسياسة أميركية جديدة ينتهجها أوباما؟ إن المراقب للسياسة الأميركية لا يمكنه إلا أن يقول ما أكده رشيد الخالدي، من أن إدارة أوباما لا يمكن أن تغير حلفها البنيوي مع اسرائيل، لكن الأمل مسموح في أن يهيمن الذكاء والبراعة السياسية من أجل فرض حل دائم للقضية الفلسطينية التي تغذي الكراهية والعنف حيال الغرب لدى شعوب عربية تنظر الى اسرائيل على أنها الجندي الأميركي في المنطقة الذي يُسمح له بكل شيء من دون محاسبة. ونرجو اليوم أن يقول أوباما ما قاله لشعبه"نعم نستطيع"ايجاد حل للقضية الفلسطينية التي تسقط الضحايا وتثير الحروب منذ أكثر من أربعة عقود. والموعد الأول لأوباما مع الأسرة الدولية سيكون في 2 نيسان ابريل المقبل في لندن حيث تعقد قمة اقتصادية دولية دعا إليها رئيس الحكومة البريطاني غوردون براون. وقد تكون القمة مناسبة ليضع أوباما مع رؤساء أوروبا وقيادات عربية في طليعتها السعودية، التي ستشارك في القمة، تصوراً لتحرك جديد متعدد الأطراف من أجل حل عادل في الشرق الأوسط. فمبادرة الملك عبدالله في الكويت إلى المصالحة العربية والدعوة الى الموافقة على مبادرة السلام العربية بسرعة، هي بمثابة نور في ظلمة أحداث غزة، والأمل كبير أن يأتي الرئيس أوباما بجديد في هذا الاطار. نشر في العدد: 16728 ت.م: 21-01-2009 ص: 15 ط: الرياض