توقع وزير الاقتصاد والمال المغربي صلاح الدين مزوار، أن يواجه الاقتصاد المحلي ظروفاً صعبة في 2009، ناتجة من توسع تداعيات أزمة المال العالمية وانعكاساتها المحتملة على إيرادات الرباط من العملات، في قطاعات اقتصادية. ولفت في حديثٍ الىپ"الحياة"، إلى أن الأزمة قد تقلص معدل النمو في الناتج المحلي، نقطة مئوية واحدة إلى 5.8 في المئة من 6.8 في المئة العام الحالي في انتظار النتائج النهائية، وتبقى من افضل معدلات النمو في العالم. واعتبر أن"الرباط ليست في وضع أزمة حالياً وان التأثيرات تظل ضعيفة بفعل صلابة النظام المالي والمصرفي والتحكم في المؤشرات الكلية". وزاد"إن الحكومة قررت مواجهة الأزمة بوضع سيناريوات مختلفة يعلن عنها مطلع 2009، وتشمل الإجراءات آليات لتقليص تأثير التداعيات، كما تشخّص حلولاً لكل قطاع على حدة،"فنحن لا نرغب في إثارة مخاوف المتعاملين ولا نود إيجاد أزمة ثقة في الاقتصاد". مشيراً إلى أن التدابير تهدف إلى المحافظة على مستوى مرتفع من النمو والتنمية وتوفير فرص العمل عبر ضخ أموال في الاقتصاد المحلي، وزيادة الاستثمار العمومي إلى 135 بليون درهم 16.7 بليون دولار ودعم القدرة الشرائية للمواطنين ب 40 بليون درهم، وتقليص الضرائب على الشركات الصغرى والمتوسطة، وإنفاق 103 بلايين درهم على قطاعي التعليم والصحة. وتتخوف الرباط من تراجع مداخليها في قطاعات استراتيجية مثل السياحة الدولية وتحويلات المغتربين والاستثمارات الخارجية المباشرة التي ظلت تقدر بأربعة بلايين دولار، وهي تراجعت فعلياً 17 في المئة في الربع الثالث من العام الحالي. وتمثل تلك العائدات مجتمعة قرابة 20 بليون دولار يستخدمها المغرب في تمويل عجز التجارة الخارجية وتوسيع دائرة المناطق التجارية الحرة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةوتركيا ودول إعلان أغادير مصر تونسالأردن وأميركا اللاتينية والإمارات ودول أفريقية. ويرى مزوار أن لكل دولة أزمتها الخاصة، ولا يمكن تعميم التجارب أو نقلها على رغم العولمة، لان الأسباب تختلف وكذلك الحلول، معتبراً أن دور الدولة الاقتصادي مطلوب في هذه المرحلة من الأزمة على رغم استمرار العمل باقتصاد السوق. ويعتزم المغرب مواصلة استخدام صيغة الطلب الداخلي والمشاريع الكبرى، للإبقاء على مستوى مرتفع من النمو، وهي الخطة المعتمدة منذ سنوات ومكنت من تحقيق نمو بمتوسط 5 في المئة سنوياً، على رغم تغير الظروف الدولية. من جهته، توقع المركز المغربي للظرفية سي أم سي في الدار البيضاء، أن يتراجع النمو في الاقتصاد المغربي إلى 4 في المئة العام المقبل جراء أزمة المال العالمية التي بدأت تتسع وتطاول الدول الصناعية والأسواق الناشئة على السواء. ورأى المركز أن" الأزمة تتوسع تدريجياً لتشمل الاقتصاد الحقيقي، بخاصة في الدول التي تتعامل معها الرباط الاتحاد الأوروبي، ما يتسبب بتقلص في الطلب الخارجي وتضرر في عائدات السياحة والتحويلات والاستثمارات الخارجية". لكنه استدرك بأن الوضع الاقتصادي في المغرب يظل افضل مما هو في دول عدة نتيجة الإصلاحات القطاعية والهيكلية في الحسابات الماكرو اقتصادية والضريبية. وتوقع المركز في تقريره الصادر 22 كانون الأول ديسمبر، أن يحقق المغرب نمواً افضل إذا تواصلت الأمطار إلى الربيع المقبل، وتحسن الإنتاج الزراعي الذي يساهم في المتوسط بحصة 14 في المئة من الناتج المحلي. ويمكن الى الزراعة أن تضيف نقطة مئوية إلى النمو في المغرب. وأكد التقرير انه في ظل الأزمة الدولية، وفي حال استمرار الانكماش في اقتصادات منطقة اليورو لفترة أطول، فإن التأثير سيمس السياحة والتحويلات والاستثمارات الخارجية، التي تشكل مصدر العملة الصعبة والتجارة الخارجية. وكانت بوادر الأزمة قلصت الاحتياط النقدي 400 مليون دولار على مدى 9 اشهر، وهو مبلغ بسيط لم يؤثر كثيراً في حجم التدفقات المالية الأجنبية، لكن استمراره العام المقبل قد يكون اكثر إيلاماً. وكان البنك الدولي توقع بدوره، تراجع النمو في مجموع منطقة شمال أفريقيا إلى 3.9 في المئة من اصل اكثر من 5 في المئة كمعدل سنوي وسطي في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وركز البنك العالمي على احتمال انخفاض إيرادات دول المنطقة من عائدات الطاقة الجزائر- ليبيا بنحو 41 في المئة في 2009 بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز، لكن البنك يعتقد أن عدم تجانس اقتصادات دول المغرب العربي سيجعل النمو مرتفعاً نسبياً في الدول متعددة مصادر الدخل مثل المغرب وتونس قياساً إلى الدول الأخرى التي تعتمد على الطاقة، مع احتمال تراجع الإيرادات لمجموعة المنطقة السياحة والطاقة والتدفقات المالية. وقال رئيس فريق التجمع والمعاصرة في مجلس المستشارين الغرفة الثانية في البرلمان المعطي بن قدور، إن غياب العمل في اتحاد المغرب العربي والسوق المغاربية المشتركة وتعثر قيام البنك المغاربي للاستثمار"أضرت بمصالح جميع الأطراف في المنطقة في وقت نجحت التجمعات الإقليمية عبر العالم، ما تسبب في عقاب جماعي لشعوب المنطقة لا تستحقه ويتنافى مع التعاون المشترك المفترض، بخاصة في ظل الأزمة العالمية وحاجة المنطقة إلى التكامل". وتخسر المنطقة نقطتين إضافيتين من النمو جراء غياب التنسيق والمشاريع المشتركة، وإذا أضيفت خسائر أزمة المال العالمية المقدرة بنقطتين، يرتفع مجموع خسائر دول شمال أفريقيا إلى 4 في المئة من الناتج المحلي. ونصح صندوق النقد الدولي بالإسراع في إنشاء سوق مغاربية مشتركة وفتح الحدود البرية وتحرير التجارة البينية لمواجهة الأزمة خلال اجتماع الصندوق في طرابلس في تشرين الثاني نوفمبر الماضي. وعلى رغم تفاؤل المسؤولين في المغرب بضآلة تأثير الأزمة العالمية على اقتصاد المملكة، فإن المؤشرات المتوافرة تشير إلى تراجع الطلب الخارجي، بخاصة في قطاع الملابس والنسيج التي خسرت من 6 إلى 10 في المئة من أسواقها الأوروبية خسارة بليون درهم في الربع الثالث، كما تراجعت الموجودات الصافية للمصارف في الخارج بنسبة 7 في المئة، وتعاني المصارف التجارية من نقصٍ في السيولة، نجم عنه تشدد في منح القروض، بخاصة منها قروض الرهون العقارية المقدرة ب150 بليون درهم. وتعتمد المصارف على تسبيقات المصرف المركزي، الذي رفع بدوره أسعار الفائدة ربع نقطة للجم التضخم المقدر ب 3.3 في المئة في الربع الأخير. وتوجد مخاوف من أن تطبق المصارف تلك المعدلات على الفائدة المدينة، ما يضر القطاع العقاري الذي يدفع الاقتصاد المغربي للعام الخامس على التوالي، ويعمل فيه مليون شخص وشركات صغرى ومتوسطة. وأعلن المصرف المركزي أن التعاملات البين مصرفية تراجعت 3.3 في المئة في تشرين الأول أكتوبر ما أدى إلى ارتفاع معدل الفائدة على التسبيقات بنسبة 0.10 في المئة. كما تراجعت الاستثمارات الخارجية 17 في المئة إلى 25.6 بليون درهم في نهاية تشرين الأول من اصل 31 بليوناً في الفترة ذاتها من العام الماضي. وكانت إيرادات المغرب من الاستثمارات الخارجية بلغت العام الماضي 4.5 بليون دولار، وبلغ مجموعها 13 بليوناً منذ 2002. وقدر التدفق الاستثماري الأجنبي ب 59 بليون دولار في العقود الثلاثة الأخيرة بما فيها عائدات الخصخصة جعلت المغرب يحتل المرتبة الثانية أفريقياً ومتوسطياً بعد تركيا ومصر وقبل جنوب أفريقيا وبعد إسبانيا. لكن المخاوف الأكبر تشمل السياحة وتحويلات المهاجرين المقدرة ب 14 بليون دولارا سنوياً، فقد أنفقت الرباط نحو 8 بلايين دولار على مدى السنوات الأخيرة لإنجاز المخطط الأزرق بهدف جلب 10 ملايين سائح نهاية 2009، تحقق منها 8 ملايين سائح في الربع الثالث من العام الحالي. وُيساهم القطاع بنحو 9 في المئة من الناتج المحلي، ويوظف اكثر من ربع مليون شخص وتعيش عليه مدن كبيرة مثل مراكش وأغادير والصويرة وطنجة، ولا يمكن تصور الاقتصاد المغربي من دون سياحة. كذلك تتخوف البلاد من أن يفقد عشرات آلاف المهاجرين أعمالهم في أوروبا وأميركا الشمالية والخليج، وتعيش عائلة من اصل عشر على تحويلات أفرادها في الخارج، وتلك المصادر هي ثالث مورد من العملات الصعبة بعد السياحة والفوسفات التي عوضت عائداته ارتفاع أسعار النفط في النصف الأول من العام الحالي. وتشير إحصاءات إلى أن آلاف المهاجرين فقدوا مناصبهم في أوربا بسبب الأزمة وعرضت أسبانيا وإيطاليا مبالغ في مقابل عودة بعضهم إلى الوطن نتيجة الانكماش الذي أصاب قطاع البناء والعقار والخدمات والسياحة في منطقة اليورو. ويعيش نحو 3.3 مليون مغربي في الخارج وهو رهان كبير لاقتصاد بلادهم وجلب الخبرة والتكنولوجيا والاستثمارات. التفاؤل الحذر في مقابل الصورة القاتمة يقول مسؤولون، إن المغرب حقق نمواً زاد على 6 في المئة الحكومة تعلن أنه 6.8 والبنك الدولي يتوقع 6.2 في المئة العام الحالي، وهو يواصل جلب استثمارات كبيرة منها مصنع رينو- نيسان لصناعة السيارات في طنجة التي شرعت في تسويق مرافق مينائها التجاري المتوسطي، وكلف بناؤه خمسة بلايين دولار، كما استفادت المدينة من مشروع بيت التمويل الخليجي لبناء منتجع مالاباطا وفيلا رويال بمبلغ بليون يورو. واستفادت مراكش من مشاريع سياحية ضخمة من مجموعات دولية. ويعتقد مسؤولون أن مجموعات الاستثمار الأجنبية المختلفة ستحافظ على مشاريعها في المغرب بفعل الاستقرار المالي والسياسي والاجتماعي وارتفاع العائد المقدر في المتوسط بين 18 و 25 في المئة"لم نسمع عن أي تراجع أو إلغاء"، قال وزير التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة أحمد الشامي، وأضاف لپ"الحياة":"تستفيد الاستثمارات الأجنبية من وضع جيد، نظراً إلى القرب الجغرافي من الأسواق والحوافز الضريبية ومناخ الأعمال وكفاءة الخبرة المحلية". وتراهن الرباط على تدفقات مالية في قطاعات الصناعة والسياحة والتكنولوجيات الحديثة والتجارة والخدمات والنقل. وأشار وزراء الى احتمال أن تكون الأزمة مفيدة في أوجهٍ، فهي قلصت كلفة الطاقة وتساعد في نقل صناعات في الدول الكبرى إلى دولٍ أدنى تكلفة إنتاج، مثل السيارات وقطاع الغيار،"فلا يمكن العالم أن يستمر في الأزمة لأن ذلك من شأنه إسقاط حكومات ديموقراطية وهذا عنصر إضافي يدفع إلى البحث عن حلول سريعة وناجعة". نشر في العدد: 16709 ت.م: 2009-01-02 ص: 18 ط: الرياض