قد يتأثر الاقتصاد المغربي سلباً بالأوضاع المالية الصعبة التي تواجهها دول أوروبية نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية التي عصفت بالاقتصاد اليوناني، وشملت إسبانيا والبرتغال الأقرب جغرافياً إلى المغرب، على رغم استمرار نموه 4,6 في المئة في الربع الأول من السنة. وقالت مصادر في وزارة المال والاقتصاد إنها عدلت عن تنفيذ برنامج للاقتراض الخارجي كانت تعتزم تنفيذه خلال الأسابيع المقبلة لرفع اقتراض سيادي في السوق الدولية بالعملة الأوربية اليورو (يورو بوندز) ويهدف إلى تمويل جزء من عجز الموازنة المقدر ب 4 في المئة من الناتج المحلي. وكانت حكومة الرباط كلفت مصرفي «باركليز كابتال» و «اتش اس بي سي» البريطانيين ومؤسسة «ناتيكسيس» الدولية الشهر الماضي للإعداد للقرض. ولم تحدد الوزارة تاريخ العودة إلى السوق الدولية أو خطواتها المستقبلية على رغم حاجتها إلى تمويلات بالعملة الصعبة. وبحسب المصادر فإن الاقتصاد الأوروبي يعيش وضعاً غير مستقر، وكذلك العملة الأوروبية الموحدة التي تراجعت قيمتها أمام الدولار وعملات أخرى بسبب الأوضاع المالية غير المستقرة في بعض الدول المتوسطية. وإسبانيا الشريك التجاري الثاني بعد فرنسا وقبل ايطاليا وألمانيا، وتعتبر الرباط شريكاً مميزاً للاتحاد الأوروبي وهو وضع حصلت عليه المملكة خريف 2009 يجعلها في وضع أفضل من الشريك واقل من العضو الكامل. وتمثل المبادلات الخارجية مع أوروبا 70 في المئة، وتحصل منه على مساعدات تقدر ب 700 مليون يورو كل ثلاث سنوات. واعتبرت وزارة المال أن العودة إلى السوق المالية الدولية قد تُفهم - رسالة خاطئة - عن حاجة الرباط إلى التمويل في حين كان الهدف إثارة الاهتمام إلى فرص الاستثمار المتاحة والتعريف بالإصلاحات والإنجازات التي حققها المغرب في السنوات العشر الأخيرة. وتقدر الديون الخارجية حالياً ب 17 بليون دولار، 52 في المئة منها يستحق لمؤسسات مال دولية. وتمثل الديون باليورو 73 في المئة ولا تتجاوز الديون بالدولار 18 في المئة. ويقدر الناتج المحلي لهذا العام بنحو 100 بليون دولار. وبحسب المصادر التي استطلعت «الحياة» رأيها فإن وضع الاقتصاد المغربي «مريح نسبياً» قياساً إلى ما يجرى في منطقة اليورو، بالاستناد إلى شهادات مشجعة من صندوق النقد الدولي ومن مؤسسات التصنيف الدولية التي وضعته في رتبة «استثمار» بحيث يزيد النمو المغربي خمسة أضعاف المعدل المتوقع في دول الاتحاد الأوروبي على رغم استمرار تباطؤ الصادرات الصناعية، واستقرار عائدات السياحة وتحويلات المغتربين التي تجلب معاً 13 بليون دولار سنوياً. وقال محللون: «لا يواجه المغرب تهديداً بأزمة مال عمومية أو مشكلاً في تسديد الديون بفضل صلابة التوازنات المالية، ولا يتأثر مباشرة بأزمة اليونان أو إسبانيا، لكن أوروبا ستضخ مزيداً من السيولة لإنقاذ أعضائها المفلسين (50 بليون يورو) على حساب شركائها جنوب البحر الأبيض المتوسط». وعاشت المجموعة الأوروبية أوضاعاً اقتصادية مشابهة مطلع تسعينات القرن الماضي غداة توسعها بانضمام دول من المعسكر الاشتراكي، ما اضطرها إلى تخصيص مبالغ كبيرة لتقريب مستويات الدخل بين شرقها وغربها على حساب جنوب المتوسط. وانضمت اليونان وإسبانيا والبرتغال في ثمانينات القرن الماضي، وكان دخلها الفردي يعادل أو يقل عن مثيله في الدول العربية المجاورة. ويتوقع محللون تراجع المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية الأوروبية نحو المغرب وهي تقلصت إلى النصف ولم تتجاوز 500 مليون دولار في الربع الأول من السنة الحالية في مقابل 1,1 بليون دولار في الفترة ذاتها من 2009. وتراجع احتياط المصرف المركزي 11 بليون درهم ( 1,3 بليون دولار) لانخفاض الإيرادات بالعملات الصعبة من أوروبا بخاصة تحويلات المغتربين. وتتخوف الرباط على مصير جاليتها في إسبانيا وتقدر بنحو مليون شخص، ومن اتجاه الحكومة الإسبانية إلى فرض قيود على التحويلات من ضمن إجراءات التقشف لمواجهة عجز الموازنة وتراجع النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة 20 في المئة وانخفاض الدخل الإسباني 11 في المئة. ولا يستبعد مراقبون أن تتراجع العملة الأوروبية إلى 1,20 دولار نهاية السنة.