منذ أقدمت إسرائيل على إغلاق المعابر في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، ومنع الصحافيين من الوصول إلى ميدان العمليات العسكرية في 27 كانون الأول ديسمبر، بات جل وسائل الإعلام خارج لعبة الموت والتقتيل الجارية داخل غزة. إحباط شامل وعميق يغرق وضع حرية الصحافة في المنطقة. الصحافيون الأجانب يقفون على الحدود، خارج الحدث، أو في أحسن الأحوال على هامشه، والذين في الداخل يقفون على حدود موت مباغت، بات شبه محقق في الفترة الأخيرة، بعد سقوط قتلى وجرحى في صفوف المراسلين الميدانيين، واستهداف مؤسسات إعلامية أجنبية ومحلية بالصواريخ والقنابل. إنه عدوان يجري في الخفاء تقريباً، ويسعى إلى أن يستمر في الظلام من دون شهود. فوق تل قريب من بلدة سديروت، يشرف مئات الصحافيين والمصورين على منظر مفتوح على بعد 600 متر من غزة، يحاولون التقاط الدخان المتصاعد وألسنة اللهب وأصوات الانفجار وأزيز طائرات العسكرية."عندما تكون على هذه المسافة من البعد، تشعر بالضياع، وبأنك فقدت جزءاً من التاريخ"، تقول مونيكي جونكر، صحافية تلفزيونية إسبانية. قبل بضعة أيام، شعر اتحاد الصحافيين الأجانب في إسرائيل بنشوة نصر إثر صدور حكم من المحكمة العليا يسمح بدخول عدد محدود من الصحافيين الأجانب إلى غزة. لكن الجيش الإسرائيلي طبق الحكم على هواه، في التوقيت الذي أراده، وعدد الصحافيين والمدة الزمنية التي لا تسمح بإنجاز أي عمل صحافي كما هو متعارف عليه. ثم تلقت وسائل الإعلام الدولية صباح الخميس الماضي"أقوى حجج"القوات الإسرائيلية تمنع الصحافة من الوصول إلى الخبر في غزة، إثر قصف مجمع إعلامي في حي الشروق، يضم عدداً من وسائل الإعلام العربية والأجنبية فضائيتا"إم بي سي"و"العربية"، وكالة"رويترز"، قنوات"فوكس"الأميركية و"سكاي نيوز"البريطانية و"ار تي إل"اللوكسمبورغية. وأصيب في هذه العملية فلسطينيان يعملان مصورين لقناة"أبو ظبي". ومنذ 27 كانون الأول ديسمبر الماضي حتى الآن، قتل خمسة إعلاميين. وتبين من استهداف سابق لوسائل الإعلام منذ بدء العدوان على غزة، أن إسرائيل لا تضرب بعشوائية. "لا نستطيع أن ننتج الأخبار كما نريد"، يقول شارل أندرلان، مراسل ومدير مكتب القناة الفرنسية الثانية France 2 في القدسالمحتلة لصحيفة"لاكروا"الفرنسية، معبراً عن إحباط شديد جراء منع الصحافيين من التنقل بحرية من وإلى غزة. تعتمد هذه القناة على مراسل فلسطيني واحد في غزة يتحدث العربية فقط، ولا يمتلك وسائل المونتاج، وبالتالي"ما يصوره من غزة غير صالح للبث كما هو". وحيدون في الميدان، تحت النار، ومن دون أدنى حصانة، يعمل الصحافيون الفلسطينيون على نقل الأخبار إلى العالم عبر وسائل الإعلام العربية والدولية، وعددهم 295 مراسلاً بحسب منظمة"صحافيون بلا حدود"التي تجمع عريضة توقيعات لمطالبة إسرائيل بإفساح المجال للصحافيين لدخول غزة بحرية. "طاقاتهم استنزفت من العمل في ظروف صعبة جداً وخطيرة، وتحت ضغط وجود عائلاتهم في عين المكان، وضغط التجاذب بين الإخوة الأعداء، فتح وحماس"، يشخص باتريك باز، المسؤول عن الصور في الشرق الأوسط في وكالة الصحافة الفرنسية، وضع التغطية الإعلامية من غزة، على الموقع الإلكتروني الفرنسي"20 دقيقة"، موجهاً التحية في الوقت عينه إلى شجاعة الصحافيين الفلسطينيين وكفاءتهم، قبل أن ينتقد مسألة الحياد في عملهم:"هم في النهاية فلسطينيون معنيون مباشرة". ضربت إسرائيل بعرض الحائط قرار مجلس الأمن الرقم 1738 القاضي بمنع الاعتداء على الصحافيين ومقرات وسائل الإعلام، وتخلت عن استراتيجية إعلامها الحربي التي استخدمتها لإغراء الصحافيين الأجانب حتى حدود الحرب في لبنان صيف 2006، والتي استثمرها"حزب الله"لمصلحته، بحيث نقلت وسائل الإعلام الدولية فشل الجيش الإسرائيلي في الميدان. وتقوم الاستراتيجية الحالية على منع تعدد مصادر الخبر. يسجل بيرنارد هوغي، باحث فرنسي في مقال على الانترنت أن"إسرائيل تفضل أن تقتصر التغطية الإعلامية على الخصم، لأنها ستعرض وجهة نظر عربية في الحرب، وكون المصدر عربي يكفي لنزع صدقيتها"! نشر في العدد: 16726 ت.م: 19-01-2009 ص: 31 ط: الرياض