تستعد كوسوفو لأن تكون دولة جديدة في أوروبا، أعلنت استقلالها واعترفت بها نحو 46 دولة بينها فقط ثلاث دول إسلامية على رغم ان الغالبية العظمى من سكانها الذين يبلغ عددهم نحو 2،5 مليون نسمة هم من المسلمين الألبان. الصعوبات كبيرة في وجه الدولة العتيدة، لكن حماسة الكوسوفيين كفيلة بالاستجابة الى كل الشروط التي يحددها المجتمع الدولي لهم قبل ان يعترف بهم، علماً ان الاستقلال بموجب مشروع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة مارتي اهتيساري هو"استقلال مشروط وتحت الرقابة الدولية"وما ستراقبه الأممالمتحدة هو تحديداً مدى الألتزام الكوسوفي بلاءات ضمنها الدستور، وهي: لا دولة قومية ولا دولة بطابع ديني ولا دولة تتحد مع ألبانيا. وكوسوفو ستكون بعد ان تنتزع اعترافاً من الأممالمتحدة بها الدولة الأوروبية التي تضم اكبر نسبة مسلمين من سكانها، كما انها ستكون مختبر المجتمع الدولي لتعايش الأقليات أو تصارعها. التجربة في بداياتها، وهي متنازعة بين حماسة أوروبية وغربية وبين مقاومة شرسة من محور لا يقل نفوذه تأثيراً في البلقان. انها صربيا التي تقول ان الاستقلال يحرم مواطنيها الأرثوذكس من علاقة مع صروح قومية وتاريخية تضمها كوسوفو، وخلفها يقف عملاق أوروبا الشرقية أي روسيا التي لقنت الجورجيين درساً في ضرورة"احترام الأقوياء"."الحياة"زارت كوسوفو وتبدأ اليوم نشر سلسلة تحقيقات عن الدولة الوليدة: "new born"كتبت هذه العبارة بأحرف صُفر عملاقة على مدخل الأسواق التجارية لمدينة بريشتينا عاصمة"جمهورية كوسوفو"التي اعلن برلمانها الاستقلال عن صربيا في 17 شباط فبراير الماضي. وفيتيم مرافقنا ومترجمنا في المدينة أشار الى العبارة مضيفاً إليها عبارة أخرى هي:"نحن احدث دولة في العالم". ويبدو ان الكوسوفيين يحاولون الالتفاف على المصاعب التي تواجه انطلاق دولتهم بالإحتفال بمظاهر الجدة التي ترافق نشوء الدولة ذات الاستقلال المشروط. ففي بريشتينا مئات الإشارات المرافقة للولادة الجديدة، والصحافي الذي شهد انهيار دول أمامه اليوم في كوسوفو فرصة معاينة تجربة مختلفة، أي قيام دولة تحت ناظريه. والى جانب فرحة الإنجاب ثمة مرارات الولادة ايضاً، فالتجربة محفوفة بمصاعب لا تحصى والمجتمع الدولي يشرف على مدى التزام الدولة الجديدة بمعاييره وقيمه، والإصرار على إنجاح التجربة تعوزه حكمة قد لا يتوقعها المرء من أصحاب خبرات في الحروب الأهلية ومن ضحايا إمبراطوريات عاتية استمرت في حكم الكوسوفيين قروناً طويلة. انه البلقان، أي الفسيفساء القومية والأثنية القاتلة، ولكنه ايضاً اختبار احتمالات التعايش بين الثقافات. وفي كوسوفو لا يبدو هذا الكلام نظرياً، إنما واقع يمكن اختباره في اقل تفصيل في وقائع الحياة الجارية. التاريخ هنا ليس تاريخاً انما أحجية الحروب الراهنة، فعلى بعد اقل من 20 كيلومتراً الى الشمال من بريشتينا وقعت في عام 1389 ميلادية معركة كوسوفو بين الصرب والألبان وقتل في أثنائها أو بعدها بقليل قائد الجيوش الصربية قيصر لازار وايضاً قائد الجيش الألباني سلطان مراد الأول، واليوم ثمة نصبان تاريخيان للقائدين في منطقة المعركة أقامهما الصرب لقائدهم والألبان لقائدهم، وبما ان التاريخ هو محرك النزاعات الراهنة تتولى اليوم قوات أوكرانية ارثوذكسية تابعة للأمم المتحدة حراسة النصب الصربي، فيما تتولى قوات تركية مسلمة تابعة أيضاً للأمم المتحدة حراسة النصب الألباني. كوسوفو التي أعلنت استقلالها في شباط الماضي يحف فيها كل هذا التاريخ، إضافة الى تحديات التحديث والانتماء الى الأسرة الأوروبية، والوقائع في بريشتينا تجري على هذين المستويين. انها مدينة عثمانية يقطنها أوروبيون مسلمون. عثمانيتهم أكيدة ويمكن رصدها في كثير من مظاهر حياتهم، لكنهم مسرعون على نحو لا يقبل التردد الى أوروبا التي بدورها أبدت اكثر من استعداد لاستقبالهم. انها ثنائية تلازمك في كوسوفو طوال رحلتك الى الدولة الوليدة. حماسة الكوسوفيين للالتحاق بالركب الأوروبي كفيلة بتبديد الكثير من الصعوبات التي تواجه التجربة. التزام كامل بالشروط الأوروبية والغربية في الدستور، واستعداد كبير لتجاوز المآسي التي نجمت عن محنة عام 1999 التي قتلت في أثنائها القوات الصربية ما يفوق الخمسة عشر ألف الباني وهجرت مئات الآلاف ودمرت مدناً وقرى ومساجد. أما الأهم من ذلك كله فهو الميل الاجتماعي للتكيف مع كوسوفو الأوروبية في مختلف مظاهر الحياة. الشعر الأشقر سائد في أوساط النساء في بريشتينا على نحو يفوق متوسط الشقار الألباني. في الأمر اذاً قدر من الاختيار، واذا ما أضيف الى ذلك شيوع سهل لقيم الحياة الأوروبية ومظاهرها في أوساط الشباب الذين يملأون شوارع بريشتينا بدءاً بتفشي المقاهي الشبابية مروراً بسهولة الاختلاط وعاديته وصولاً الى الأزياء والأذواق، يمكن تبعاً لذلك الخلوص الى اننا حيال التحاق هادئ ولكن، سريع بخيار الانتماء الى"الأمة الأوروبية". كل شيء في بريشتينا يوحي بالجدة، لكنها ليست الجدة الزائفة وليست قشرة خارجية لحياة مغايرة، اذ أن ثمة ما يشعرك برسوخها وبأنها حصيلة طبيعية لخبرات لم يتح لها الا الآن ان تعرض نفسها. الألوان الدافئة تدخل في كل شيء. وان تحتفل بريشتينا بعيد ميلاد بيل كلنتون الثالث والستين فالأمر يخلو من أي افتعال."انه محررنا"قال الشاب الذي ارتدى قميصاً عليه صورة الرئيس الأميركي السابق. وهو ما قاله أيضاً الرجل العجوز الذي كان يرتدي القبعة البلقانية التقليدية، وأضاف اليه اعجاباً كبيراً بوزيرة خارجية كلينتون مادلين اولبرايت. والاحتفال بعيد ميلاد بيل كلينتون حصل في شارع الأم تيريزا في وسط بريشتينا حيث ألصقت صور الرئيس الأميركي على جانبي الشارع، وفي آخره حيث موقع المسرح الوطني عزفت فرق موسيقية أغاني شعبية بالمناسبة ورقص شباب وشابات رقصات تحية لپ"محرر كوسوفو"من الاحتلال الصربي. تشعر في بريشتينا بأن الاحتفال بعيد ميلاد كلينتون ليس سوى ذريعة لإقامة احتفال، فالمدينة هذه الأيام ترغب كل يوم بإحياء مناسبة تشتعل فيها فرحة الكوسوفيين باستقلالهم، فوجيهة الشابة التي تعمل في أحد المصارف سألت ما ان وصلت الى شارع الأم تريزا في ذلك اليوم عن مناسبة وصول الفرقة الوطنية الى الشارع، قال لها صديقها الذي كان ينتظرها انه العيد الثالث والستون لميلاد كلينتون، فردت:"عيد كلينتون! اذاً فلنرقص". أما عبارة"new born"التي وقع عليها آلاف من سكان بريشتنا فقد تحولت اسماً لمطعم في شارع الأم تيريزا، وجعلها كثير من أبناء المدينة عبارة مكتوبة على قمصانهم، بما يوحي بأننا حيال حدث خلف في نفوسهم ما يخلفه في الأم أو الأب قدوم مولودهم الأول، وهو امر لا يشبه في خفته ذلك الثقل الذي يترافق مع قيام الدول أو مع نيلها استقلالها. يلازمك سؤال في بريشتينا قد لا تجد له جواباً منطقياً، وهو سر انتشار هذا العدد من المقاهي والملاهي الليلية، فعدد سكان المدينة في الليل يبلغ نحو 500 الف نسمة، وحاجة هؤلاء القصوى الى هذا النوع من الأمكنة لن تتعدى نصف عدد المقاهي والملاهي في بريشتينا، إذ لا يخلو زقاق من مقهى يجاوره مقهى. أما المطاعم فمنتشرة بدورها في أنحاء المدينة على نحو غير مسبوق، والرواد دائماً تفوق أعدادهم ما تستوعبه أمكنة اللهو الكوسوفي الجديدة منها والتقليدية. وعلى رغم إقبال الشباب الكوسوفي على حياة الليل فإن الشكوى من حال التضخم الاقتصادي وتدني المرتبات موازية ولا تتناسب مع إقبالهم على تبديد مداخيلهم خارج المنازل. بريشتينا أصلاً معدة لحياة خارج المنازل، مناخها يساعد على ذلك، وطبيعتها الخضراء أيضاً، وأوروبية السكان تخفف من ميلهم الى إدخال حياتهم الى البيوت، فيما تتولى عثمانيتهم تبديد برودة أوروبية موازية. ثم ان المدينة هضمت الأثر العمراني لتعاقب الإمبراطوريات المجاورة على حكمها فأدخلته في نسق منسجم قليل التفاوت، اذ يبدو فيها الحي العثماني امتداداً غير نافر لأحياء أنشئت في الحقبة اليوغوسلافية، اما الصدام الذي يمكن رصده في هذه البيئة المعمارية فهو مع المنشآت الصربية التي توسطت المرحلتين العثمانية واليوغوسلافية، أي التي أنشئت بين عامي 1912 و1944، ولا يخلو الصدام المعماري هذا من نزق قومي الباني قد لا ينسجم مع"تعددية"الدولة الكوسوفية العتيدة. ففي شارع ماري تريز فندق قديم مهجور ومبني على نحو يشعرك بأنك حيال كاتدرائية بيزنطية. والفندق المهجور هذا يتوسط المنطقتين العثمانية واليوغوسلافية من المدينة، وهو ربما شكل فرصة لربط الحقبات التي عاشتها المدينة في التاريخ الحديث، وإهماله يُشعرك بأنه نوع من العقاب الذي يمارسه الألبان في حق حقبة تعرضوا خلالها للاضطهاد. لكن المنشآت العامة التيتوية نسبة الى الرئيس اليوغوسلافي الراحل جوزيف تيتو ايضاً أصابها الهجر في كل المدن الكوسوفية. انها مبان لمصانع ضخمة ما عادت تعمل بعد تفكك الاتحاد فأصيبت بهرم من ذلك النوع الذي يصيب المباني الحديثة التي تهجر، فتتفسخ جدرانها من دون ان تسقط ويتحلل طلاؤها وتضفي على المشهد العام قدراً من القسوة التي تدفع الى الضيق. المؤسسات الدولية المتقاطرة الى بريشتينا تبث في أوردة المدينة شحنات تحديث تستقبلها الأخيرة بترحيب واضح، فكوسوفو تحكمها إدارة دولية منذ اكثر من 8 سنوات، جيوش من معظم أنحاء الأرض تتواجد فرق لها هنا، ومنظمات الأممالمتحدة تكاد تكون وزارات موازية تعمل في الدولة الجديدة، والغريب ان هذا الوجود عولم أشكال الحياة في بريشتينا لكنه لم يقض على خصوصياتها، إذ ان ما يسميه الكوسوفيون بپ"المجتمع الدولي"جاء اليهم محرراً لا فاتحاً ومحملاً بأوهام التعددية وحقوق الأقليات، وأفضى ذلك الى ان تطمح كل جماعة، مهما بلغ صغرها، الى الحصول على حق في إدارة ذاتية لشأنها الثقافي والسياسي، ما دفع رئيس الجمهورية فاتمير سيديو خلال استقباله وفداً من المؤرخين العرب الى القول:"نحن دولة نشأت من اجل التعددية وحقوق الأقليات"، أي ان جمهورية كوسوفو والى جانب كونها حاجة لمواطنيها، تسعى الى ان تكون حاجة دولية لإثبات القدرة على تعايش الجماعات، ما يساعد على استمرار الحماسة الدولية لهذه التجربة ويحميها من دول كبيرة تتربص بالتجربة وتقاوم نجاحها. في هذا العرض لحال كوسوفو، على رغم صحته، قدر من سذاجة المتحمسين للتجربة، وشحنة تفاؤلية يجب الحد منها عبر مشاهد موازية لا يكتمل المشهد الكوسوفي من دون عرضها. فالمصاعب التي تعترض الجمهورية الوليدة التي لم تنتزع بعد مقعداً في الأممالمتحدة، وبالتالي لم يكتمل استقلالها، تحاصر التجربة. والبلقان لا يمنح بهذه البساطة حقاً لدولة جديدة بالوجود، والى جانب الهدوء الذي يعتري انطلاق التجربة تحتدم المخاوف من فشلها. فمقاومة الحكومة الصربية لاستقلال كوسوفو تجد ما يعززها في الواقع المحلي، وصور المأساة الألبانية في الدولة الصربية ترخي بثقلها على صدر التجربة الجديدة وتعيق تبلور وعي متخفف من الأعباء القومية في الوسط الألباني الكوسوفي، والوعي القومي هذا ككل وعي قومي يستبطن قدرة على تحويل الضحية الى جلاد. وفي كوسوفو اليوم مظاهر طفيفة لأعراض من هذا النوع، لكن الضبط الدولي لأي جنوح قومي ما زال قادراً على الحد من نتائج ذلك، وهو يعني ان الإشراف الأوروبي على التجربة الجديدة من المفترض ان لا ينتهي في غضون مرحلة قصيرة. في مناطق كوسوفو المختلفة لم تنعدم بعد المشاهد التي تحيلك الى حقبة حرب 1999 التي شهدت وقوع المأساة الأخيرة لألبان كوسوفو. لكن بقاء مشاهد تلك الحرب اليوم باردة وخالية من سخونة تفترضها تدفع الى الشعور بما هو اثقل من النتائج"الإيجابية"لإنقاذ حلف الناتو المواطنين الألبان في كوسوفو. فثمة تسوية لم تنعقد بعد، ومشاهد الحرب الفائتة ما زالت ماثلة أمام أعين الجميع. الألبان رمموا مناطقهم أما المنشآت الصربية فما زالت على حالها، فالكثير من الكنائس مدمر الى الآن، وحين تعاين منزلاً مدمراً، سريعاً ما تسمع عبارة تفيد بأن صاحبه صربي هاجر بعد وصول جيوش الناتو الى كوسوفو ولم يعد بعد لكي يعيد ترميمه. كل القوانين جاهزة لاستقباله وإنصافه ولكنه لم يعد بعد، والضمانات المقدمة له تفوق الضمانات التي تقدمها اكثر الدول تقدماً في العالم لأقلياتها، وعلى رغم ذلك لم يرجع كثيرون من المهجرين الصرب الى قراهم ومدنهم في كوسوفو. ثمة تسوية لم تجر بعد، وجمهورية كوسوفو تحتاجها من دون شك. * غداً حلقة ثانية عن شروط اكتمال التجربة "حزب المصريين" في كوسوفو : جئنا منذ 23 قرناً والقاهرة رفضت إعادة الجنسية الينا عندما يُقال لك في كوسوفو ان هناك حزباً كوسوفياً اسمه"حزب المصريين"وان له نائبين في البرلمان، وهو ممثل ل"إثنية"يبلغ تعدادها عشرات قليلة من الآلاف افرادها مصريون، تتبادر الى ذهنك تلك الأندية والجمعيات التي انشأها لبنانيون وسوريون هاجروا في مطلع القرن الماضي الى أميركا اللاتينية، وهم اليوم يعانون مرارة نسيان أجيالهم الجديدة لغتها الأصلية وانخراطها في الحياة الأميركية على نحو أفقدها أية صلة ببلاد أجدادها. لكن شأن"مصريي"كوسوفو مختلف، فهم يفترضون انهم وصلوا الى البلقان في القرن الثالث قبل الميلاد عندما عاد الاسكندر المقدوني الى البلقان من حملته في الشرق وعادت معه بعض العائلات من مدينة الاسكندرية في مصر وتوطنت في البلقان، ومنذ ذلك التاريخ وپ"مصريو"كوسوفو والبلقان يسمون انفسهم مصريين ويعتبرون مصريتهم هوية في حديقة الإثنيات البلقانية. من الصعب أن تكون بلقانياً من دون سوء تفاهم قومي، وهؤلاء"المصريون"يشعرون بأن بلقانيتهم لن تكتمل من دون رواية تضرب بجذورها الى ما قبل ميلاد المسيح. فعضو البرلمان الكوسوفي عن حزب المصريين جودت نظيري يستدل الى مصرية جماعته من خلال اشارة مؤرخ الباني يدعى ضياء شكودرة الى احتمال وجود أصل مصري لجماعات من"الغجر في ألبانيا". وعلى رغم ضعف القرينة فإن الحاجة الى أصل يميز"المصريين"عن الغجر في كوسوفو تدفع الى التمسك بقشة صغيرة للسباحة في بحر الاثنيات الهائج في البلقان. فأن ينسب قوم"مصريي البلقان"الى الغجر فإن ذلك يعرضهم لاحتمالات عديدة، منها ضعف علاقتهم بالاسلام ومنها مشاركة جماعات منهم الميليشيات الصربية في المجازر والانتهاكات بحق الألبان. أما مشاركتهم الغجر سمار السحنة فيمكن ردها الى"اننا جماعة حافظت على نفسها من خلال حرصها على استمرار التزاوج داخل الجماعة واستمرار تمسكها بعاداتها وتقاليدها". ويشير نظيري الى ان ما يعزز احتمال مصرية هذه الجماعة استمرار أجيالها الى اليوم بأعمال حرفية وصناعات معدنية يدوية يُقال ان الاسكندر المقدوني جاء بهم الى البلقان من أجل القيام بها، ولكنهم اليوم كما يقول نائبهم في البرلمان"الأقلية القومية الوحيدة في كوسوفو التي تتحدث الألبانية ولا شيء غير الألبانية، الى جانب كونها أقلية مسلمة". وفي الدستور الكوسوفي الجديد الذي أشرفت على وضعه الأممالمتحدة معترف بهم بصفتهم من"القومية المصرية". اذا تطلب الأمر في البلقان الإستعانة بواقعة تاريخية تعود الى اكثر من 2300 سنة في سبيل الانسجام مع ذلك الواقع القومي المعقد، فلا بأس بذلك. لكن"مصريي كوسوفو"لم يكتفوا بتلك الإشارة العابرة التي اطلقها ذلك المؤرخ الألباني، بل سعوا وراءها بأقصى ما يتمكنون، فهم يحاولون منذ سنوات الإتصال بالحكومة المصرية من دون نتيجة بحسب ما يقول نظيري. ويشير الى انهم في سنة 1957 تقدموا بطلب استعادة جنسيتهم التي فقدوها قبل 23 قرناً ولم يُستجب طلبهم. أما اليوم فهم يطمحون الى أن يلعبوا دوراً في إقناع مصر بالاعتراف بدولة كوسوفو. ثم انهم يشيرون دائماً الى تلك العلاقة التي تربط الأقليات في البلقان بدولها الأصلية، فالأتراك في البلقان تربطهم بتركيا اكثر من علاقة، والبوشناق الكوسوفيون يذهبون الى بوسنيا من دون تأشيرة دخول، والصرب يعتبرون مواطنين صربيين، ناهيك بالألبان الذين تربطهم بألبانيا علاقة الشقيق الأصغر. أما هم فأيتام في هذا البلقان الذي لا يرحم الأيتام. واضح ان جهد"مصريي كوسوفو"منصب على رغبتهم في تمييزهم عن الغجر في البلقان، وهذه مهمة صعبة تحتاج في كل عهد وفي كل امبراطورية تستوطن البلقان الى جهد دائم ومتواصل. ففي جمهورية كوسوفو التي اعلنت استقلالها هذه السنة يتطلب هذا التمييز قرائن على اضطهاد تعرضوا له من قبل دولة ميلوشوفيتش في عام 1999، وهو ما يجهدون اليوم لإثباته اذ يؤكدون ان 24 شاباً ورجلاً من المصريين قتلتهم الميليشيات الصربية في انحاء مختلفة من كوسوفو، في حين يشيرون الى تعاون غجر كثيرين مع الميليشيات الصربية في ذلك الحين. يشعر"المصريون"في كوسوفو بأن روايتهم غير مكتملة في غابة الروايات القومية في الجبال الألبانية، وهم يسعون الى علاقة إيجابية مع الحكومة المصرية بهدف مساعدتهم على وصل حلقات الرواية. ففي مصر كما يقول نائبهم في البرلمان الكوسوفي وثائق وأرشيف قد تثبت وصولهم الى البلقان مع عودة الاسكندر المقدوني من مصر. ويشير نظيري بيده الى قرية صغيرة تدعى زلاكوشان تبعد عن مدينة بيا الكوسوفية التي يقيم فيها 10 كيلومترات فيها مقبرة كاثوليكية اكتشفت فيها آثار مصرية، وهو اذ يقول ذلك لا يشير الى علاقة تلك الآثار بالأصول المصرية للجماعة التي ينتمي إليها. الالتباس الناجم عن خلطهم بالغجر ونسبتهم اليهم هو ما دفع"المصريين"في كوسوفو الى تأسيس حزب"مصري"يسعى بالدرجة الأولى الى إثبات مصرية هذه الجماعة. وفي عرضه لحقبات الوجود"المصري"في البلقان يعود نظيري دائماً الى محطة يذكر فيها بتفاوتات في تقاليد الجماعتين، وخاتمة حديثه تمثلت بإشارة الى ان"المصريين"في كوسوفو متوطنون في مناطقهم أما الغجر فيرتحلون مع كل فصل الى مكان جديد.