يبدو أن الانتخابات التمهيدية لرئاسة حزب كاديما، أو انهيار أسواق المال في الولاياتالمتحدة، صرفت أنظار الجمهور الواسع عن قيام المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بتأليب المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، ميني مزوز، على إصدار تعليمات تقضي بفتح تحقيق جنائي مع حركة"نيو بروفايل"بپ"تهمة"تشجيع الشبان الإسرائيليين على عدم الالتحاق بالخدمة العسكرية. وبحسب صحيفة"هآرتس"الإسرائيلية جاء قرار مزوّز هذا، الذي تم إبلاغ الجهات المعنية به مطلع أيلول سبتمبر 2008، في أعقاب طلب تقدمت به سلطات الجيش الإسرائيلي، في شهر شباط فبراير الماضي، عبر المدعي العسكري الرئيس. وسيتركز التحقيق في نشاطات الحركة، خصوصاً تقديمها إرشادات في شأن إجراءات الحصول على الإعفاء من الخدمة العسكرية. وتأتي هذه الخطوة في سياق حملة أطلقها الجيش الإسرائيلي، مؤخراً، للتقليص من ظاهرة التهرّب من الخدمة العسكرية. واعتبرت"هآرتس"أن هذا التحقيق، الأول من نوعه، يُعدّ تصعيداً آخر في المعركة التي يخوضها الجيش الإسرائيلي وسلطات الدولة ضد الظاهرة المذكورة. ونقلت عن الناطق العسكري الإسرائيلي قوله إن الجيش يثمّن عالياً هذه الخطوة، لأن محاربة ظاهرة التهرّب من الخدمة العسكرية ينبغي أن تكون"مهمة مشتركة للجيش الإسرائيلي وسلطات الدولة والمجتمع الإسرائيلي برمته". كما نقلت عن أحد الناشطين المركزيين في الحركة قوله إن"نيو بروفايل"تعمل في نطاق القانون، وإن قرار فتح تحقيق جنائي معها ينطوي على نية تنكيل بها، إذ أن أي قرار في هذا الشأن سيكون سياسياً في خاتمة المطاف وهدفه كمّ الأفواه والدفاع عن نظام اجتماعي معين. بدأت حركة"بروفيل جديد"ملامح جديدة نشاطها في ال 30 من تشرين الأول أكتوبر 1998 وهي الحركة السياسية الوحيدة في إسرائيل التي تنظر إلى الروح الحربية باعتبارها مشكلة تقف في صلب الأوضاع السياسية للدولة والمجتمع في إسرائيل. وقد وضعت نصب عينيها بضعة أهداف، لكن تركيزها بالأساس هو على التربية ضد الروح الحربية، من طريق المحاضرات ووسائل الإعلام والمؤتمرات والفعاليات الأخرى. وهي تدعم حق النساء والرجال في أن يعارضوا التجنيد للخدمة العسكرية، وأن يرفضوا الخدمة في المناطق المحتلّة. العاصفة - المعطيات والوقائع في 17 تموز يوليو 2007 نشر"قسم الموارد البشرية"في الجيش الإسرائيلي معطيات تتعلق بفوج المجندين في آب أغسطس 2007 أشير في سياقها إلى أن هذا الفوج هو الأقل عدداً في الأعوام القليلة الفائتة. وقد أجمعت عناوين وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي تناولت هذه المعطيات بالعرض والتحليل، على أن الشبيبة الإسرائيلية"أصبحت أقل حماسة للتجنّد في صفوف الجيش الإسرائيلي وأقل رغبة في الانخراط ضمن الوحدات القتالية"، وذلك في أعقاب عام واحد فقط على"حرب لبنان الثانية"في صيف 2006 وما أسفرت عنه من نتائج كئيبة. وأبانت معطيات الجيش، بصورة جافّة، أن 25 في المئة من الشبان الإسرائيليين في سن 18 عاماً أي كل شاب إسرائيلي رابع لا يتجندون في الجيش. وقد ارتفعت نسبة الممتنعين بسبب الدراسة في المدارس الدينية اليهودية إلى 11 في المئة بعد أن كانت نسبة هؤلاء 10 في المئة قبل ذلك بعام واحد فقط، أي في فوج آب 2006. ولم يتم تجنيد 4 في المئة من شباب هذا الفوج بسبب تورطهم في ملفات جنائية في حين أن نسبة مماثلة منهم 4 في المئة موجودة في خارج البلاد. أما الأسباب الأخرى فمن أبرزها الحصول على إعفاءات من الخدمة العسكرية لأسباب طبية أو نفسانية، وفقاً للمعطيات ذاتها. وبلغت نسبة المجندين الراغبين في الانخراط ضمن الوحدات القتالية في الجيش الإسرائيلي 67.3 في المئة وهي منخفضة ب 1.6 في المئة عن نسبة بين المجندين في فوج آب من السنة السابقة 2006 وب 2.7 في المئة عن نسبتهم بين المجندين في فوج تشرين الثاني نوفمبر 2006. وقد احتل لواء"غولاني"المرتبة الأولى في لائحة الوحدات القتالية التي يرغب المجندون الشبان في الانخراط فيها، حيث تبارى كل اثنين من المجندين على مكان واحد في اللواء. ويليه لواء"ناحل"، فلواء"كفير"لواء 900 ثم لواء"غفعاتي". مباشرة بعد نشر هذه المعطيات قال الجنرال في الاحتياط غدعون شيفر، الذي شغل في السابق منصب قائد"قسم القوى البشرية"في الجيش الإسرائيلي، إنه إذا لم تسارع الدولة إلى الاعتناء بهذه المشكلة فإنها ستتسع باطراد. وأضاف:"إذا لم نفعل شيئاً فسنصل في الأعوام القريبة المقبلة إلى وضع لا يؤدي فيه نصف شبابنا الخدمة العسكرية الإلزامية". وتلاه الجنرال إليعازر شتيرن، قائد"قسم الموارد البشرية"في الجيش الإسرائيلي، الذي قال إن الحكومة والكنيست في إسرائيل لا تبذلان جهداً كافياً لوقف ظاهرة التهرّب من الخدمة في الجيش. ووردت أقوال شتيرن في أثناء زيارة قام بها إلى"قاعدة الاستيعاب والتصنيف في تسريفين"بمناسبة تجنيد شبان للواء"غفعاتي"برفقة رئيس هيئة الأركان العامة للجيش، غابي أشكنازي. وتمثل أحد الحلول، التي اقترحها شتيرن، في إعفاء الجنود المسرحين من الخدمة العسكرية من دفع القسط الدراسي الجامعي. ومما قاله في هذا الشأن:"إذا كانوا يقصد المسؤولين الإسرائيليين ينوون رفع القسط الدراسي في الجامعات إلى 15 ألف شيكل نحو 4300 دولار فيمكن أن يصبح، من ناحيتي، 25 ألف شيكل نحو 7200 دولار شريطة أن يحصل الذي خدم لمدة ثلاثة أعوام في الجيش الإسرائيلي، وطبعاً في إطار الوحدات القتالية، على ثلاثة أعوام على تعليم مجاناً. وليدفع الذي لا يخدم في الجيش الإسرائيلي قسطاً دراسياً كاملاً". وقال شتيرن أيضاً إن النجوم في الفنّ والرياضة الذين يتم إعفاؤهم من الخدمة العسكرية يسهمون في"خفض دوافع الخدمة العسكرية في المجتمع الإسرائيلي". وأعرب عن الأسف لكون الخدمة في الجيش لا تشكل"أحد معايير المشاركة في البرامج التلفزيونية الشعبية"يقصد برامج"تلفزيون الواقع". وفي أعقاب شتيرن دعا رئيس هيئة الأركان العامة للجيش، غابي أشكنازي، هو أيضاً، إلى شجب ظاهرة التهرّب من الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي التي وصفها بأنها"تنهش المجتمع والجيش في إسرائيل". وأعرب عن أسفه لأن المتهربين من الخدمة"لا يخجلون بقرارهم عدم التجند في الجيش". وأضاف أشكنازي:"في هذه الأيام تنهمك وسائل الإعلام بموضوع التهرّب من الخدمة العسكرية. وهذا أمر يبعث على السرور. لقد كانت ظاهرة التهرّب هذه قائمة في السابق. ويسألني البعض الآن: ما هو الجديد إذن؟ الجواب هو أن المتهربين فقدوا الشعور بالخجل. ومهمتنا جميعاً الآن هي أن نعيد الخجل إلى سحنات المتهربين وأن نعيد شعور الاعتزاز إلى الجنود في الخدمة". أما وزير الدفاع إيهود باراك فقال إنه"ينبغي العودة إلى الأيام التي كان فيها التهرب من الجيش بمثابة وصمة قابيل وصمة عار على جبين المتهربين". واعتبر باراك أن الجيش الإسرائيلي يتحوّل من"جيش الشعب"إلى"جيش نصف الشعب فقط"وأن"بقاء المجتمع الموجود في خضم أخطار على وجوده مرهون باحترام هذا المجتمع للأبناء الذين يدافعون عنه". تجدر الإشارة إلى أنه في ظل هذه الأجواء أصدر رئيس المحكمة العسكرية في يافا، الكولونيل آفي ليفي، حكماً مشدداً بالسجن الفعلي لمدة ستة أشهر على جندي كان من المفروض أن يتجند في الجيش الإسرائيلي في آب 2001، لكنه لم يفعل ودخل إلى معترك العمل لكي يعيل عائلته. وقال ليفي، في جلسة النطق بالحكم، إن"ظاهرة التهرّب من الخدمة العسكرية هي ظاهرة مرضية وتنتشر مثل النار في الهشيم وتجرّ وراءها سلسلة من الأمراض. والأنكى من ذلك أنها توجد حالة من اللامساواة والتمييز بين دم ودم". وأضاف"أن الطريق لاجتثاث هذه الظاهرة تكمن في إنزال عقوبات قاسية ورادعة ومناسبة"على المتهربين من الخدمة العسكرية. كما أن رئيس الدولة شمعون بيريز دعا، في تعقيبه على الموضوع، إلى تغيير نظرة الشعب في إسرائيل إلى الجيش. وأضاف:"إذا ما نمّينا نظرة الاستخفاف وعدم الجدية إزاء الجيش الإسرائيلي، فإن ذلك سيمّس بمكانته. يجب العودة إلى فترة الإجماع التي كان فيها المجتمع الإسرائيلي كافته يقف من خلف الجيش. ثمة حملات نقد حادّة تضرّ الجيش الإسرائيلي بصورة شديدة. إننا دولة تواجه العديد من الأخطار الوجودية ويتعيّن أن نعود إلى تنمية مشاعر العزة الوطنية بالخدمة العسكرية في الجيش". مواقف... رأت الوزيرة السابقة شولاميت ألوني "ميرتس" أن هذه الحملة على رافضي التجنيد تنطوي على مظاهر فاشية، مشيرة إلى أن المقصودين من ورائها هم رافضو الخدمة العسكرية لأسباب ضميرية، أو الأشخاص الذين ليس في وسعهم تأديتها لأسباب صحية أو نفسانية، منوهةً بأن الكنيست أقرّ قبل فترة وجيزة من تلك الحملة"إعفاء خمسين ألف شاب من الحريديم اليهود المتدينين المتشددين من الخدمة العسكرية لمدة خمسة أعوام". كما أقرّ إعفاءهم من دفع القسط الدراسي ومنحهم مخصصات ضمان الدخل. وشجبت ألوني طرد المغني أفيف غيفن من الإذاعة العسكرية لأنه لم يخدم في الجيش والحملة التي يجري شنّها ضد بعض نجوم الفنّ والرياضة على هذه الخلفية. أضافت ألوني، في تعليق تحت العنوان"الفاشية هنا"، أن"تبجّح إيهود باراك واستعلاءه قد تسببا بالكثير من الأضرار في السابق، وعلى ما يبدو فسيلحقان المزيد من الأضرار في المستقبل". وأوضحت أن"التساوق الشعبي مع تصريحات باراك في هذا الشأن هي التي ينبغي أن تثير القلق، إذا ما كنا راغبين بعد في أن نكون مجتمعاً ديموقراطياً يحترم حقوق الإنسان وحريته، والمقصود كل إنسان حتى لو لم يكن جندياً بطلاً أو طالباً في مدرسة دينية أو عضواً في منظمة غوش إيمونيم الاستيطانية المتطرفة أو قناصاً محترفاً في وحدة عسكرية مختارة". غير أن ناشطاً آخر من"ميرتس"هو ران كوهين، عضو الكنيست، قال إن عدم الحفاظ على سياسة واضحة ومثابرة في تجنيد جميع المواطنين للجيش الإسرائيلي، من جهة والإهمال المتواصل لغاية الجيش الإسرائيلي في أن يكون سوراً واقياً ضرورياً لوجود الشعب في إسرائيل، من جهة أخرى، أديا إلى حصول تآكل آخذ في التعاظم في مكانة الجيش الإسرائيلي لدى المجتمع المدني وفي شرعيته لدى الجمهور. وأضاف: هذا التآكل ينعكس أولاً وقبل أي شيء على الفئات التي تتهرّب من الخدمة العسكرية منذ إقامة الدولة. وهذه الفئات هي المجتمع الحريدي الديني المتشدد والجمهور العربي. صحيح أن دولة إسرائيل على حقّ في عدم تجنيد العرب، غير أن عدم استعداد هؤلاء للمساهمة بدورهم في المجتمع في إطار الخدمة المدنية التطوعية يجعل من الصعب عليهم أن يطالبوا بالمساواة في الحقوق التي يستحقونها قانونياً. "في الوقت نفسه فإنّ الجيش الإسرائيلي أضاع جوهره باعتباره جيش الشعب وكذلك تخلى عن الخدمة المدنية. وبات واجب الخدمة العسكرية ناجماً عن القانون الإلزامي. إن الذي لا يتجند للخدمة العسكرية أو المدنية البديلة يمسّ بالتضامن الذي على أساسه أقيمت دولة إسرائيل والتي ما زلنا نقيم على بقاياها المجتمع الإسرائيلي إلى الآن. وقبل أن نتفرق إلى شظايا من الفئات التي لا صلة بينها يجب علينا أن نتحد مرة أخرى من حول التجنيد العسكري والمدنيّ وأن نحوله إلى نموذج حقيقي للتضامن المدنيّ والاجتماعيّ!". واعتبر أبراهام بورغ، الرئيس الأسبق للكنيست والوكالة اليهودية، أن"مصطلح المتهربين بات مرادفاً لليساريين من ذوي النفوس الجميلة في تل أبيب الكبرى"وأن من الخطأ الكبير الانسياق وراء المعادلة التي تمدّ جسراً من الصلة بين هؤلاء وبين"الجنود الذين يرفضون أوامر إخلاء المستوطنين"حسبما تجلّى الأمر في الخليل مثلاً. وأضاف:"بدل أن تغمر دولة إسرائيل موجة قلق من جراء المواقف المتطرفة للحاخامين والمتعصبين الذين تغلغلوا مثل الخلايا السرية في الأنسجة الرسمية والحكومية الإسرائيلية، فقد أوجدنا معادلة المساواة بين المتهربين ورافضي تنفيذ أوامر إخلاء المستوطنين واستشطنا غضباً ليومين وشجبنا قليلاً وواصلنا الحياة قدماً". وفي قراءة بورغ سيحلّ خراب إسرائيل من ذلك الإجماع الذي يفتقر إلى القيم والمضمون. وبسبب هذا الإجماع ليس في وسع إسرائيل أن تحسم بضعة أمور في الشؤون المتعلقة بالقيم وسياسة الدولة. وإنّ المعادلة الأخيرة التي أوجدها هذا الإجماع مدّت جسراً يصل بين المتهربين من الخدمة العسكرية وبين الجنود الذين رفضوا تنفيذ أوامر إخلاء بيوت في الخليل. وبعد أن تنتهي موجات الديماغوجية والانتهازية الإعلامية سيتضح كم أن هذه المعادلة بالغة الخطورة، لأنها تعفينا من مواجهة ما هو موجود في مناطق إسرائيل المتوحشة."إنّ المعادلة الحقيقية هي التي ترى القاسم المشترك بين رافضي تنفيذ الأوامر في الخليل وجذورهم التوراتية وبين"حماس"وپ"حزب الله"والأصولية المسيحية وسائر إخوتهم في دنيا التعصب الدينيّ"، على حدّ تعبيره. أما رون بن يشاي، المعلق العسكري في الموقع الإلكتروني التابع لصحيفة"يديعوت أحرونوت"، فقال إن هناك نوعين من"التهرّب". هما بحسب بن يشاي: الأول - سماه"التهرّب الرمادي". ويتم من طرف شبان مؤهلين من النواحي كافة للخدمة العسكرية القتالية غير أنهم يتوجهون إلى وحدات غير قتالية أو يتحررون من الخدمة العسكرية قبل إنهائها. وفي رأيه فإن معظم هؤلاء كانوا سيتهربون من الخدمة العسكرية عموماً لكنهم لم يفعلوا ذلك مخافة أن يوصموا بالعار من ناحية اجتماعية وتشغيلية. النوع الثاني - هو تدفق أبناء الشبيبة من ذوي الكفاءات العالية على الخدمة في الوحدات المختارة مثل وحدة هيئة الأركان العامة- سييرت متكال - ووحدة شلداغ ووحدة ماجلان وغيرها، وهذا الأمر يخفض من مستوى الكفاءات التي تنخرط ضمن صفوف الوحدات القتالية الاعتيادية في الجيش الإسرائيلي ويخلق أزمة في تنشئة ضباط صف وقادة وحدات في المستقبل. تأثير الحرب على لبنان أثير موضوع"التهرّب من الخدمة العسكرية"تحت تأثير نتائج الحرب على لبنان في صيف 2006. وقد رأى المعلق العسكري غلعاد كاتس، في مقال نشره في موقع"أوميديا"الإلكتروني المعروف بتوجهاته السياسية والأمنية والمتطرفة، أن وجود نسبة 23 في المئة من الذكور ونسبة 40 في المئة من الإناث لا يؤدون الخدمة في الجيش، حتى ذلك التاريخ، يعتبر ضوءاً أحمر فورياً من مغبة استمرار ظاهرة التهرب من هذه الخدمة خصوصاً في ضوء حرب لبنان الثانية التي"أثبتت أن دولة إسرائيل لا تزال في عين عاصفة الحرب، وهو ما يستوجب تعزيز قوة الجيش وتحصينه"، على حدّ تعبيره. وأضاف أنه"خلافاً بصورة مطلقة لوضع إسرائيل الموضوعي فإن هناك ميلاً لدى أقسام واسعة من المجتمع الإسرائيلي للتغاضي عن هذا الوضع والاكتفاء بالمقاربة المادية المتطرفة والعدمية القومية واللهاث خلف تحقيق الإنجازات. إن هذه المقاربة تسحب الأفضلية النوعية التي حافظت على إسرائيل طوال نحو ستين عاماً من قيامها. وهذه النوعية التي جعلت إسرائيل قصة نجاح غير مسبوقة تدير ظهرها لظواهر يتحول فيها رياضيون ومطربون وعارضات أزياء إلى رموز ثقافية أيقونات في نظر الكثير من الشبان... من المسؤول عن ذلك؟ هل هم أولئك النجوم أنفسهم أم المجتمع الإسرائيلي وفي مقدمه جهاز التربية والتعليم؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال في هذا المقام لكن أصبح واضحاً لكل من يهمه أمن دولة إسرائيل وطابع المجتمع فيها أنه يستحيل الاستمرار على هذا النحو". أما المؤرخ والخبير في شؤون الأمن القومي، د. تشيلو روزنبرغ، فأكد أن الدولة"التي لا تحيا على أساطير مؤسسة ليس في وسعها الاستمرار في الوجود... وليس من المبالغة القول إنّ إحدى أهم أساطير دولة إسرائيل بلغت الآن مرحلة أزمة من غير الواضح لأحد ما إذا كانت هناك إمكانية للخروج منها، وهذه الأسطورة هي كون الجيش الإسرائيلي جيش الشعب". وأضاف:"حتى القادة باتوا يدركون الآن أن الجيش الإسرائيلي لا يمثل الشعب كافة. ومن واجب ربابنة الدولة، من أجل مصلحة الجيش الإسرائيلي ومناعته، أن يتخذوا قرارات شجاعة. أول هذه القرارات، وأكثرها أهمية، هو أن الجيش الإسرائيلي ليس نادياً اجتماعياً. على الجيش الإسرائيلي أن يتركز في وظيفته الأساس مثل أي جيش، وهي الدفاع عن الدولة من أعدائها الخارجيين". التجنيد في المدارس كانت تقارير سابقة لحركة"بروفايل جديد"قد أظهرت أن 63 بالمئة من الأطفال الفلسطينيين"طلب منهم أن يكونوا متعاونين لمصلحة إسرائيل". كما أشارت إلى أن الأطفال اليهود في المستوطنات اليهودية يشتركون في"فعاليات معادية". وكشفت عن أساليب تعذيب يمارسها جهاز الأمن العام شاباك كطريقة لتجنيد الأطفال الفلسطينيين. وحللت التقارير، التي استندت إلى تحقيقات ميدانية واسعة قام بها أعضاء من الحركة، أنواعاً كثيرة من"تجنيد الأطفال"سواء رغما عنهم أو بإرادتهم وبطرق مباشرة وغير مباشرة. وكشفت عن مدارس إسرائيلية تعمل على إدخال الطابع العسكري في منهاجها التربوي، بعلم ودعم من وزارة التربية والتعليم، إذ تقوم هذه المدارس بتجنيد تلاميذ دون سن الخامسة عشرة وتجبرهم على الانصهار داخل طابع عسكري تقوم إدارة المدرسة بفرضه، ويقوم الجيش الإسرائيلي بإشراك الأطفال في تمرينات عسكرية في مجالات مختلفة، قسم منها يتم من طريق التطوع وقسم آخر يجرى إدراجه في سياق واجب التلميذ في المدرسة. وزادت"نيو بروفايل"على ما كان معروفاً حول ذلك في نطاق ضيق، معطيات خطرة حول حقيقة استغلال مجهود أطفال من ذوي الحاجات الخاصة في الجيش الإسرائيلي، إذ تقوم مدارسهم بإرسالهم إلى معسكرات للجيش للعمل هناك في أشغال سهلة نوعياً وبزي عسكري. ونوهت بحقيقة عدم تمكن هؤلاء الأطفال من معارضة إرسالهم إلى المخيم العسكري. من ناحية ثانية أشارت التقارير إلى التعليم الذي يتلقاه أطفال المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. هؤلاء الأطفال، بحسب ما ورد في التقارير، يتربون على إيمان مطلق بوجوب طرد الفلسطينيين. وطولبت وزارة التربية والتعليم في التقارير ب"إعادة النظر في التثقيف للخدمة العسكرية وتقليله داخل المدارس". وأشير إلى أن واجب المؤسسة التربوية الإسرائيلية، التي يجب أن تعمل لمصلحة التلاميذ الإسرائيليين، يؤجل ويبعد جانباً في مقابل متطلبات المؤسسة العسكرية. وحملت الحركة إسرائيل المسؤولية في ما يتعلق باستغلال الأطفال الفلسطينيين لحاجات عسكرية. وطالبت إسرائيل بواجب الإعلان عن أنها المسؤولة عن الحفاظ على الأطفال الفلسطينيين وأن تغير موقفها في ما يتعلق بتعذيبهم. تعريف مصطلح "التهرّب من الخدمة العسكرية" تدرج موسوعة"ويكيبيديا"الإلكترونية مجموعة الطرق التي يمكن بواسطتها"الاستنكاف أو الامتناع أو التملص من الخدمة العسكرية"في الدول أو الأوقات التي تكون فيها هذه الخدمة إلزامية- على غرار الولاياتالمتحدة في إبان حرب فيتنام أو إسرائيل- في عداد"الامتناع عن الالتحاق بالجندية". ويعتبر هذا الامتناع خياراً يلجأ إليه رافضو الخدمة العسكرية والمتهربون منها غير المعنيين بإشهار رفضهم والتعرّض بسبب ذلك إمّا لطائلة السجن أو لإدانة المجتمع الذي تتحكم فيه الأفكار العسكرية. وعلى سبيل الدقة فإن الموسوعة نفسها تميز بين مصطلحين: الأول - الامتناع عن التجنّد، والذي يشمل استغلال الطرق القانونية المتاحة لعدم الخدمة في الجيش. والثاني- التهرّب من التجنّد، ويشمل استغلالاً لطرق غير قانونية من أجل عدم الخدمة في الجيش. وثمة توكيد على أن التهرّب من الجيش هو جنحة جنائية. كما أن الامتناع عن التجنّد في الجيش في إسرائيل، باعتبارها دولة"في حالة حرب دائمة"، يعتبر عملاً سلبياً في الذهنية الإسرائيلية العامة. وفي ما يلي تفصيل الطرق التي يمكن بواسطتها الامتناع أو التهرّب من أداء الخدمة العسكرية، مع مراعاة أن بعض هذه الطرق تناسب الذكور فقط، وبعضها الأخر يناسب الإناث فقط، وثمة طرق تناسب الجنسين معاً: - طمس القدرات الذهنية والمادية الحقيقية تخفيض"البروفايل". - الهجرة إلى خارج البلاد. - الرفض العلني للخدمة العسكرية. - الزواج أو الولادة للإناث فقط. - إعفاء لأسباب دينية للإناث فقط. - إعفاء لأسباب ضميرية للإناث فقط. - الدراسة في المدارس الدينية اليهودية للذكور فقط. * باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار.