شدت التظاهرة العالمية الكبرى للألعاب الاولمبية التي احتضنتها الصين أخيراً إليها الأنظار من كل حدب وصوب ومن انحاء الكرة الأرضية قاطبة. فالصين الدولة المنظمة لهذا المهرجان الرياضي هي أكبر دولة سكانياً وتجمع في آن واحد خمساً وخمسين أقلية متنوعة، إلى جانب أنها تحظى بنمو اقتصادي تصاعدي لافت، فضلاً عن امكانات الكفاءات الإدارية والقدرات التقنية التي بها أتيح لها الترشيح ليقع الاختيارعليها لتنظيم مثل هذه التظاهرة الرياضية الفريدة من نوعها التي تقام مرة كل أربع سنوات. إلا أن القيادة الحاكمة في بكين على المستوى السياسي لا تزال تتعرض للانتقادات من منظمات حقوقية وهيئات دولية في شأن سجلها في مجال اضطهاد الأقليات الاثنية والدينية ومنها المسلمة والبوذية. وللإحاطة يذكر، أنه قبل الاستحقاق العالمي الأولمبي حذرت الدول الكبرى النظام الشيوعي في بكين من احتمال تعرض البلاد لعمليات ارهابية مدبرة ما دفع السلطات الأمنية الى اتخاد التدابير اللازمة وتشديد الرقابة وأخذ الحيطة القصوى في أنحاء البلاد، خصوصاً في المناطق التي تتمركز فيها الأقليات المتعددة، علماً أنه على أرض الصين تعيش ست وخمسون قومية، وتمثل لغة قومية الهان اللغة الرسمية للبلاد، وهناك قوميتا هوى والمانتشو تستخدمان اللغة الهانية أيضاً، في حين أن ثلاثاً وخمسين قومية أخرى لها لغاتها الخاصة. تدين عشر قوميات بالإسلام التتار، هوي، سالار، دونغشيانغ، باوآن، الويغور، القزاق، القرغيز، الأوزبك، الطاجيك وهناك عدد من المسلمين لا ينتمون إلى هذه الأقليات العشرة المذكورة، اذ أن عدداً كبيراً من أبناء قومية هان، أكبر القوميات في الصين عدداً وانتشاراً انضووا تحت لواء الإسلام لأسباب متعددة أهمها حرية الاعتقاد الديني والزواج بأبناء القوميات المسلمة. أما تعداد المسلمين في الصين فيصل إلى خمسين مليوناً في حين تقول المصادر المسلمة انه يصل إلى مئة مليون. وينتشر المسلمون في أرجاء الصين كافة. وعلى غرار الأقليات الأخرى تعرض المسلمون لاضطهادات قاسية من النظام الشيوعي الحاكم، لا سيما في عهد مؤسس الصين الشيوعية ماوتسي تونغ الذي مورست فيه أنواع الاضطهاد وأشكال التعدي والتنكيل والتهجير التي استمرت مظالم حملاتها بين عامي 1949 و 1976، وعلى وقعها قام المسلمون بثورات ضد الحكم الشيوعي. كانت البداية بثورة الجنرال حسين مايوفان عام 1949، مروراً بثورة التيبت وثورة الجوعى، وانتهاء بثورة الجنرال حسين عمر باتو في تكستان الشرقية الإيغور الواقعة في غرب الصين المتاخمة لروسيا الاتحادية. لكن مع دخول الصين مرحلة الاصلاح والانفتاح بعد القضاء على"الثورة الثقافية الكبرى"تنفست الأقليات المتعددة الصعداء من خلال التوجه الصيني الجديد، إذ استفادت بعض الأقليات من نظام الحكم الذاتي ومنها خمس مناطق و 30 ولاية و119 محافظة ذاتية الحكم، فيما بقي وضع المسلمين على حاله، بل اشتدث عليهم المراقبة ورصد تحركاتهم و أوضاعهم بذرائع الحرب على الارهاب على إثر 11 أيلول سبتمبر 2001، فيما كان ينظر إلى البوذية على انها تتصف بمزايا التأمل والتعبد وعدم الانخراط في الحياة السياسية، إلا أنه في الواقع برزت حركات بوذية متشددة كتلك التي في بورما، أو ضلوع الجماعة البوذية في تايلاند في الانقلاب على رأس الوزراء ثاكسين شينا واترا 2006، وفي الهند أنشأ بوذيون من دعاة التوسل بالعنف، حزباً شعبوياً يحمل أعضاؤه السلاح، ولهذا الحزب نظيران في تايوان وسريلانكا. في واقع الأمر، يرجع أول اتصال بين العالم الإسلامي والصين إلى منتصف القرن السابع الميلادي في عهد حكم الامبراطور"قاوتسوتغ"وهي تقريباً الفترة نفسها التي أرسل فيها وفد من المسلمين إلى الامبراطور الصيني للتعريف بالإسلام. كما تعد تلك الفترة الزمنية أيضاً المدخل الجديد لولوج الكاثوليكية إلى الصين تدريجاً، في حين أن البروتستانتية انتقلت إليها بحلول القرن التاسع عشر. وفي هذا الاطار تعتبر الديانة الطاوية من أقدم المعتقدات في تاريخ الصينيين، إذ ترسخت دعائمها في عهد أباطرة العائلة المالكة سونغ بين عامي 928 و 1226م. أما الكونفوشيسية فأصبحت في فترة من الفترات التاريخية العقيدة الرسمية في ظل سلالة"الهان"الامبراطورية، التي دخلت بدورها في صراع مرير مع البوذية والطاوية، لكنها ما لبثت ان تأثرت بالفكر البوذي وحاربته. إلا أن الكونفوشيسية تطورت بتأثير من البوذية بانتقالها بالاهتمام بالفلسفة السلوكية والعملية إلى بحث نظري عن المطلق لا علاقة له بالواقع المحسوس. والمسلمون وسط الديانات القديمة اتسمت حياتهم على مر المراحل التاريخية بالتعايش والتهادن حيناً، وصراعات ومواجهات دامية وصلت إلى شن حرب إبادة ضدهم حيناً آخر، خصوصاً في إقليم الايغور غرب الصين، الذي يشهد نزاعاً قائماً منذ القرن الثامن عشر إلى أن بلغت الذروة بارتكاب المجازر، ما دفعهم الى مقاومة العناصر المسلحة في معارك متلاحقة استمرت أكثر من قرنين، وفي نهاية المطاف استطاعوا نيل استقلالهم بعد الثورة التي قادها علي خان، إلاّ أن مدة الاستقلال لم تدم طويلاً، بسبب دعم الاتحاد السوفياتي الصين عسكرياً ومادياً للقضاء على هذه الدولة. إذا نظرنا إلى تاريخ المسلمين، منذ أن وطئت أقدامهم بلاد الصين في القرن السابع الميلادي، فإننا نكتشف أنه لما أعجب الامبراطور الصيني بالإسلام أمر ببناء مسجد في مدينة كانتون ما زال قائماً منذ أربعة عشر قرناً، وفي هذه المدينة أنشئت أول سفارة رسمية موثقة بين الامبراطورية الصينية ودولة الخلافة في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه. وبناء عليها دُشنت مراحل من الاتصالات في عهد الدولة الأموية وكذلك في حكم الدولة العباسية حتى أن الامبراطور الصيني سوشونغ طلب مساعدة الخليفة المنصور في القضاء على الفتنة التي قام بها الثائر آن لوشان فارسل له المنصور جيشاً قوامه 4000 جندي، فقضى على الفتنة وأعاد الأمور إلى نصابها، ما يثبت أواصر التواصل التي أسست بين الدولة الإسلامية في عصورها الذهبية والدولة الصينية التي تعتبر حضارتها من أقدم الحضارات في العالم. ويبلغ عدد مساجد الصين نحو مئة ألف تنتشر في أنحاء البلاد، بعضها ذو تاريخ عريق وبعضها رائع الهندسة، كما أن البعض الآخر متألق بضياء التبادلات الثقافية بين الصين وبلاد العرب. كما أن هذه المساجد ليست مجرد مراكز دينية للجموع الغفيرة من المسلمين، بل هي كذلك من الآثار التاريخية الفريدة في الصين. ومثلت المساجد فناً معمارياً إسلامياً ذا مزايا خاصة. أكثر من ذلك، أسهم الفن الإسلامي بقسط معين في تنمية الجمال المعماري الصيني. وفي هذا الاتجاه تتجلى أكثر مزايا المسجد الصيني الطراز بتناسق مبانيه وانسجامها مع بعضها بعضاً. ويتوزع الرئيسي منها والملحق توزعاً مناسباً، بما يشكل وحدة متكاملة من المباني الرائعة. إضافة إلى ميزة المساجد الصينية الطراز المتمثلة بوجهتها على الشرق وتميز بعضها بالمآذن وبعضها الآخر بأبراج مشاهد الهلال، الى ذلك، فإن للمساجد الصينية سماتها الخاصة في زخارفها الداخلية بالكتابات النافرة المذهبة بالآيات القرآنية وصور البيت الحرام، كما تتزين جدران قاعات العبادة بكتابات نافرة من المواعظ الحسنة، وفي سقوف بعض المساجد رسوم ملونة بهيجة مكتوبة باللغة العربية. وفي مجمل الأحوال يمكننا القول أن المساجد الصينية الطراز هي الجامع بين الفن المعماري الصيني التقليدي والفن الزخرفي الإسلامي، مثلما يحسن بنا الذكر أن الفن المعماري الإسلامي قدم تجديداً وإسهاماً إضافيا للفن التقليدي الصيني، كونه أيضاً كسا المظاهر الشكلية المعمارية حلّة جوهرية من جواهر الفن المعماري الإسلامي. ومن أهم المساجد المشهورة في الصين مسجد"العنقاء"في مدينة"هانغتوشو"ومسجد"ليباي"في مدينة"يانغتشو"وجامع"هواجيوجيه"في مدينة"شيآن"وجامع"دوونغسي"في بكين وجامع"آتيكار"في"كلشغار". وتكرّس هذه الجوامع حيوية المدّ الإسلامي في الصين علاوة على دلالتها كنماذج شاخصة لفنون العمارة الصينية، وعنيت بها الحكومة وأدرجتها قي قائمة الآثار المشمولة بالحماية مع الحرص على استمرارها بأداء دورها كأماكن عبادة. وعندما استقر المسلمون في بعض المناطق الصينية في عهدة أسرة تانغ الممتدة بين 618- 907 وجاءت عقبها أسرة سونغ التي تزايد إبان حكمها عدد المسلمين، خصصت لهم حكومة سونغ مناطق خاصة يعيشون فيها، وجعلت لهم قاضياً خاصاً بهم يحكم بينهم بالأحكام الإسلامية، فعاش المسلمون خلال تلك الفترة يمارسون شعائرهم الدينية كيفما أرادوا، وعلى رغم كثرة عدد المسلمين في هذه الفترة الزمنية، كانوا يعتبرون جالية أجنبية وكانوا قليلي التأثير في المجتمع الصيني. وبعد سيطرة المغول على الحكم وتأسيس أسرة يوان 1227-1368م تغير الوضع، فازدادت أعداد المسلمين القادمين من البلاد العربية، الذين اعتمد عليهم المغول في الكثير من المناصب الحكومية وبدأوا يكوّنون مراكز قوى فشكلو بذلك طبقة جاءت في المرتبة الثانية بعد الحكام المغول، وخلال تلك المدة الزمنية ظهر بين المسلمين الوزراء والعلماء والأدباء وكبار الموظفين والتجار، إلى جانب عامة الشعب من العمال والفلاحين والصناع. ومن أبرز الشخصيات الإسلامية شمس الدين عمر القائد السياسي البارز، والرجل الثاني في الامبراطورية الوزير أحمد البناكتي، والوزير المعماري اختيار الدين الذي صمم مدينة دادو عاصمة أسرة يوان، والعالم المسلم نصير الدين الطوسي الذي كان لكتبه الأثر الكبير في تطور علم الفلك الصيني، والعالم المسلم قوشو جينغ الذي اخترع تقويماً جديداً تم العمل به في الصين فترة طويلة، وهو دنغ تشو مؤسس التعليم المسجدي الصيني، ووانغ داي يوي الذي ألف العديد من الكتب الإسلامية باللغة الصينية.