قبل عقود، كانت عائلات خوتان تلتقي في السوق القديمة عصر كل يوم لتنشق الهواء العليل. وهذا شأنها منذ قرون. واليوم، تداعى هذه السوق في حين تزدهر ساحة الوحدة، في وسط المدينةالصينية الجديدة التي يتوسطها تمثال كبير للرئيس ماو. ومدينة خوتان تقع بين صحراء تاكلامكان،غرب الصين، وجبال التيبت. وجذور تاريخها تعود الى أكثر من ألفي سنة. وكانت هذه المدينة محطة مهمة لقوافل التجارة بين الشرق والغرب في الالفية الأولى. وكانت مملكة مستقلة بوذية، ثم اسلامية. وخاضت عدة امبراطوريات مواجهات وحروباً للسيطرة على هذه المدينة. وليس مرتادو ساحة الوحدة من الإيغور، أي سكان خوتان الاصليين، بل صينيين من قوم الهان. فالصين تنتهج استراتيجية"استيطان داخلي"في خوتان المترامية الاطراف، الواقعة على حدود أفغانستان وروسيا، والغنية بالنفط والغاز الطبيعي والركاز تراب معدني ثمين. وتبذل مبالغ طائلة في سبيل تغيير جغرافية هذا المكان والسكان الى أبد الآبدين. ويُهمش الايغور في الجزء القديم من المدينة، عوض تصفيتهم على ما حصل مع الهنود الحمر بالولايات المتحدة. وعلى رغم كون الاسم الرسمي لخوتان هو"الإقليم الايغوري المستقل بكسينغيانغ"، لا يملك الايغور حق تقرير مصيرهم وتدبير أمورهم. ولا حيلة لهم في وقف محدلة القمع الصيني. والايغور 40 في المئة من سكان خوتان البالغ عددهم 19 مليون نسمة. وعندما بسط ماو سيطرته على جمهورية تركستان الشرقية كسينغيانغ المستقلة، كان الصينيون خمسة في المئة من السكان. ويعزو مثقف ايغوري انقلاب الميزان السكاني هذا الى تسارع وتيرة نزوح الصينيين الى خوتان. ويتعرض الايغوريون الى تمييز عرقي في وظائفهم، وعند اختيار مكان السكن، والحصول على قرض مصرفي. ويعتبرون أن الصينيين قوة احتلال. وينقسم المجتمع الايغوري الى ثلاث فئات: أولها يمثل معظم الايغور، وهم وطنيون متمسكون بالاستقلال أو مطالبون بإدارة ذاتية تضمن المحافظة على الهوية الايغورية. والثانية متأثرة بأصوليي دول الجوار مثل أفغانستان وأوزبكستان. والثالثة تجاري" الوجود الصيني". ويقابل تزايد هجرة الصينيين الى خوتان انتشار تعليم اللغة الصينية على حساب اللغة الايغورية المتحدرة من التركية، ما يفقد الايغور صلتهم بثقافتهم وجذورهم. وتشجع السلطات الصينية الايغور على تعلم اللغة الصينية، وتأمل في أن تنشأ طبقة وسطى ايغورية تشارك في نمو الاقتصاد الصيني. ويرفض الايغوريون زواج اولادهم من نساء صينيات أو من إيغوريات عاملات في مؤسسات صينية. وأصبح الاسلام في خوتان ملاذ الهوية الايغورية في مجتمع تقمع فيه، ويفرض عليها الطاعة والانصياع. ففي مدينة كاشغار الايغورية التي حافظت على تقاليدها، يرتفع عدد النساء اللواتي يرفضن الذوبان في الثقافة الصينية بواسطة الحجاب. وتمتلئ المساجد بالمؤمنين. وتراقب السلطات الصينية عن كثب أئمة المساجد، وهم موظفون حكوميون. وتمنع المدارس القرآنية المستقلة. ولا شك في شراسة القمع البوليسي الصيني بخوتان وكاشغار. ففي آب أغسطس المنصرم، داهمت السلطات الصينية مدرسة دينية اسلامية سرية، وأجبرت اهالي التلاميذ على دفع غرامات مالية، وسجنت المعلمين، واعتقلت عشرة ناشطين"انفصاليين"من الايغور المتهمين بالتآمر، واستجوبت 179 شخصاً في منطقة ييلي شمال كسينغيانغ، واتهمتهم بالانتماء الى مجموعات اسلامية. ومنذ هجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر تقمع الصين مظاهر التعبير عن إرادة قومية ايغورية متذرعة بمحاربة إرهابيي القاعدة. والقت السلطات الصينية القبض على الشاعر الايغوري نور محمد باسن بعد صدور رواية له تتغنى بالحرية بعنوان"حمامة متوحشة". و بحسب السلطات، هذه الرواية تحريض على"الكراهية العرقية". وتأمل الصين، مستفيدة من مراعاة المجتمع الدولي لها ومن نموها الاقتصادي وقوتها، في القضاء على التمرد الايغوري. عن بيار هاسكي، ليبيراسيون الفرنسية، 7/9/2005