استوجب "تأليف" صيغة البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة عقد ما يزيد على أربع عشرة جلسة من جانب اللجنة التي عهد اليها بهذه المهمة، كما تطلب الأمر الاستعانة بسيبويه والعديد من أعلام اللغة العربية للعثور على صياغة ترضي جميع الأفرقاء في لبنان من جهة، والمجتمع الدولي من جهة ثانية، في ما يتصل بدور"حزب الله"والمقاومة في المواجهة مع اسرائيل. وبعد التداول في الكثير من المفردات استقر الرأي على ما يلي"حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في استكمال تحرير أرضه أو استرجاعها". وتمحورت المداولات الحادة وبنوع من"الأسلوب الحضاري"كما تردد في النقاش بين مختلف ألوان الطيف الوزاري اللبناني حول التوفيق بين التوجهين المختلفين السائدين وتنظيم العلاقات بين أنصار هذا التوجه أو ذاك. إذ كيف يمكن أن تقنع طرفاً آخر بطروحاتك إذا كنت لا تعترف به وبوجوده أصلاً؟ وفي المقابل لا أحد يعترف بوجودك، وكيف يمكن أن تتولد الثقة وسط جبال الشكوك المتبادلة التي خلفتها الأزمات اللبنانية المتعاقبة من ترسبات وتراكمات جعلت الوطن يتوزع بين شطرين رئيسيين يباعد بينهما صراع حاد ليس من السهولة على الاطلاق تصور العثور على جوامع مشتركة ثابتة وصلبة من شأنها أن تؤمن استمرار صيغة العيش المشترك التي ولدت مع بزوغ الاستقلال الأول العام 1943. وترافقت عملية المخاض العسير لولادة البيان الوزاري الذي ستنال حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الثلاثينية مع تراشق إعلامي بشتى أنواع الأسلحة المتوسط منها والثقيل أضافت الى المشهدية اللبنانية السائدة تعقيداً على تعقيد، وفي ذلك التصريح الذي أطلقه المعاون السياسي للسيد حسن نصرالله من الرابية بعد لقائه العماد ميشال عون:"لا لبنان من دون مقاومة. ولا بيان وزارياً من دون مقاومة". ومثل هذه الطروحات أعادت السجال الداخلي المتأجج الى سابق عهده من التوتر المتفجر. ويبرر حزب الله توقيت اطلاقه هذا التصريح مع دعوات الأطراف المقابلة بالعمل على انهاء أو تحجيم دور المقاومة تجنيباً للبنان المزيد من الحروب مع اسرائيل. وعلى رغم اعتماد حكومة الاتحاد الوطني على خطوط رئيسية لتحديد العلاقة بين دولة الدولة و"دولة حزب الله"إخلال عمر هذه الحكومة المحكوم بعشرة أشهر، فإن النقاش الكبير المحتدم حول الاستراتيجية الدفاعية الجديدة للبنان أحيل الى الحوار الوطني الذي سيقوده رئيس الجمهورية ميشال سليمان في القصر الجمهوري في بعبدا في وقت ليس ببعيد عن نيل الحكومة ثقة المجلس النيابي وهذه نتيجة مضمونة سلفاً نظراً الى انضمام الموالاة والمعارضة الى هذه الحكومة. وفي هذا السياق يبدو لافتاً حرص الرئيس سليمان على الاشادة بدور المقاومة في تحرير الأرض والأسرى، ومن ذلك ما ورد في خطابه يوم الجمعة الماضي في الاحتفال بعيد الجيش عندما قال موجهاً كلامه الى الضباط المتخرجين."ان سلاحكم يجب أن يعانق السلاح الموجه الى صدر العدو"، في اشارة واضحة الى مدى التلاحم القائم بين الجيش والمقاومة كما يعكس هذا الكلام الحرص الواضح من الرئيس ميشال سليمان على التنسيق التام مع"حزب الله"وفق المعادلة التي توازن بين استمرار حركة المقاومة في تحرير ما تبقى من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، من دون إبراز التناقض أو التنافر حول من يملك مفتاح الحرب والسلام في الصراع مع اسرائيل. وفي مطلق الأحوال وعلى رغم كل محاولات التهدئة الجارية على غير جهة وصعيد سيبقى موضوع دور المقاومة ومدى حدود هذا الدور من القضايا الاشكالية المتعلقة مباشرة بواقع المحافظة بقوة على مقومات السلم الأهلي في لبنان بوجه عام، الى أن يتم التوافق بين مختلف الأطراف على الاستراتيجية الدفاعية وهي واحدة من المواضيع المحورية لتحديد ملامح المرحلة القائمة والمستقبلية للبنان كياناً ومصيراً. وعلى رغم النبرة العالية التي تتصف بها مواقف هذا الفريق أو ذاك، فهناك الادراك المتزايد لمدى خطورة الانقسام الوطني الحاد والبالغ الخطورة إذا ما تواصلت الأمور على ما هي عليه. وفي هذا المجال كان لافتاً تصريح رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد زيارته الأخيرة لقصر بعبدا والتداول بالشأن الوطني العام مع الرئيس سليمان:"أؤكد للجميع ومن هذا المكان بالذات أن المقاومة ستكون جزءاً من الاستراتيجية الدفاعية"، وهذا يؤشر الى قيام مرحلة جديدة ربما من انفتاح"حزب الله"وحركة أمل على التحاور مع الفريق الآخر بمزيد من المرونة والاعتدال بعيدا عن الاستئثار والتفرد في تحديد الخيارات المفصلية المتصلة بالواقع اللبناني. وهذا ما يطرح مدى"توظيف"واستثمار حالة الانفراج النسبي القائمة حالياً، وإمكانية البناء عليها لتجنيب لبنان مخاطر أو احتمال هبوب عواصف اقليمية تكون لها ارتدادات على الساحة الداخلية، يصعب ضبطها أو السيطرة عليها. وفيما يستعد الرئيس ميشال سليمان لزيارة دمشق في وقت قريب والعمل على ارساء علاقات لبنانية - سورية مشتركة بعد كل ما جرى وفي إطار تأثر لبنان بكل ما يحيط به ومن حوله من متغيرات، لا يجب التوقف عند التصريحات التي أدلى بها نائب الرئيس الإيراني قبل بضعة ايام ومنها قوله بالتحديد:"... إن بدء مفاوضات مع المجتمع الدولي بشأن الملف النووي الإيراني قد يؤدي إلى حل الكثير من المشاكل مثل العراقولبنان وأفغانستان وأسعار النفط". هذا كلام لافت من طهران وكأنه يضع العنوان العريض للصفقة الكاملة والمتكاملة بين إيران والمجتمع الدولي، ويبدو كما لو أن طهران تطرح"خريطة طريق الحل النووي". وابلغت مصادر رفيعة متابعة عن كثب لملف العلاقات الإيرانية - الأميركية"الحياة"بعض المعلومات التي وردت في المذكرة التي رفضتها مجموعة 5+1 وهي الولاياتالمتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا، وتدعو إلى التالي: اجراء مفاوضات من 7 جولات من التفاوض تبدأ بالمسائل الاجرائية العامة وتنتقل إلى اصدار بيان مشترك من جانب جميع الأطراف، وتنتهي بالقضايا الاقليمية والسياسية والاقتصادية. ويلاحظ أن هذا التوجه الإيراني قد طرح مع عرض الدول الغربية صيغة"تجميد مقابل تجميد"، ويتمثل في عدم تشديد العقوبات ضد طهران مقابل موافقة إيران على ابقاء نشاط تخصيب اليورانيوم على مستواه الحالي. وفي ضوء ذلك يتوقع أن تشهد الايام والاسابيع القليلة المقبلة بعض التحولات الانعطافية في عدد من دول المنطقة وبانتظار أحداث آتية، يجب التذكير بالتالي: * الرئيس جورج دبيلو بوش في حالة انكفاء سياسي واضح وهو يستعد لمغادرة البيت الأبيض بعد اقل من خمسة شهور، ومن المشكوك به أن ما لم يتمكن الرئيس الأميركي في انجازه خلال سبع سنوات ونصف السنة يستطيع انجازه في الأيام المعدودة المتبقية له. * رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت، أعلن عن وفاة نفسه سياسياً سواء لجهة تداعيات حرب تموز يوليو 2006 على لبنان، أو مضاعفات فضائح الرشاوى والفساد، فكيف سيُنهي أولمرت نهائيته السياسية بعد العديد من الاخفاقات، هل بالإقدام على حماقة جديدة سواء باتجاه لبنان أو باتجاه إيران. * مجموعة قرائن ودلائل تؤشر إلى توقع حدوث مفاجآت في غير صعيد وفي أكثر من اتجاه وجبهة. والحكيم من استطاع أن يجنب بلاده نتائج مغامرات وحماقات من جانب"الكبار"للعب والتلاعب بمصائر"الصغار". * والآنسة كوندوليزا رايس التي تودع منصبها بدورها تصر على تذكير طهران بأن يوم السبت تنتهي"آخر مهلة لتلقي الردود الواضحة بشأن ملف إيران النووي". *"لا لبنان من دون مقاومة"! وفي المقابل: لا مقاومة من دون لبنان! * صحافي وإعلامي لبناني