حرص وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط خلال زيارته بيروت أمس ليوم واحد على لقاء المسؤولين اللبنانيين الرسميين وممثلين عن مختلف أطراف الأزمة السياسية التي يمر بها هذا البلد، مطلقاً مواقف داعمة له باسم الرئيس حسني مبارك ودعوة الى الحوار اللبناني - اللبناني بما يؤمن للبنان مستقبله، لكنه نبه الى وضع طرابلس مطالباً"الجميع بالحذر، كي لا تنطلق شرارة تقود الى وضع غير سليم في لبنان". واستهل ابو الغيط لقاءاته مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، في قصر بعبدا في حضور السفير المصري لدى لبنان احمد فؤاد البديوي، ونقل أبو الغيط تحيات الرئيس مبارك الى سليمان وجدد تأكيد دعم بلاده للبنان على كل المستويات وفي شتى المجالات. سليمان والدور الوفاقي لمصر واطلع أبو الغيط على رؤية سليمان لسير الأوضاع الداخلية السياسية والأمنية في لبنان، إضافة الى موضوع الحوار. وشكر سليمان لمبارك الدور الذي أداه ولا يزال في مساعدة لبنان. وقال:"ان مجريات الحوار تتواصل وكذلك التحضيرات له بالتوازي مع عملية المصالحة التي وردت أيضاً في خطاب القسم وتتطلب إرادة واضحة ومجاهرة من الأفرقاء لأنها المدخل الأساس للحوار والمسار الموازي له". وجدد سليمان شكر مصر على"دورها البناء في إيجاد حل للأزمة اللبنانية"، متمنياً"المساعدة في القيام بدور وفاقي عربي يخدم مصالح الدول العربية وتضامنها وينعكس تالياً إيجاباً على الساحة الداخلية اللبنانية، وتمكين لبنان ورئيس الجمهورية من القيام بالدور الطبيعي الجامع بين الدول العربية أولاً ومع المجتمع الدولي ثانياً". وقال أبو الغيط بعد اللقاء انه حمل من مبارك"رسالة دعم وتأييد للدولة اللبنانية وللاستقرار والسلام في لبنان، ودعوة الى الحوار اللبناني - اللبناني بما يؤمن للبنان مستقبله"، وزاد:"وتحدثت أيضاً معه حول الوضع الإقليمي والمسؤولية المصرية في رئاسة الاتحاد من اجل المتوسط، واستمعت كذلك الى رؤيته، وحملني رسالة الى الرئيس مبارك. ان مصر تدعم لبنان وتعرض عليه كل إمكاناتها لتحقيق الهدف اللبناني في الأمن والسلام. وتطرق الرئيس سليمان الى التهديدات الاسرائيلية، فعبرت له عن وقوف مصر الى جانب لبنان. ونحن تحدثنا بالأمس مع الجانب الإسرائيلي أثناء زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي لمصر، عن هذه التهديدات وطالبناه بالتوقف عن التفكير في أي تهديدات لهذا البلد العربي الصديق". وأوضح أبو الغيط ان"الجانب الإسرائيلي تفهم القلق ووضوح الموقف المصري إزاءه. أما في ما يتعلق بدعوة الرئيس ميشال سليمان الى مصر، فهناك دائماً ترحيب به، والرئيس سليمان عبر عن رغبته في زيارة مصر خلال الأسابيع القليلة المقبلة. لكننا سننظر في تواريخ وارتباطات الرئيس مبارك، بحيث يستطيع الرئيس سليمان، عندما يحضر ان يجد أرضاً للقاء قوي يدعم العلاقات اللبنانية - المصرية والاستقرار في لبنان". وضع طرابلس وأكد ان زيارته شخصياً الى لبنان"تأتي في فترات نراها أحياناً مفصلية أو محورية وزيارتي هذه المرة لكي نقول للدولة اللبنانية وللشعب اللبناني، والقادة اللبنانيين اننا نؤيد خطواتهم في الاتفاق داخل حكومة الوحدة الوطنية ونطلب الحوار وان يتجهوا جميعاً الى تهيئة المناخ المناسب للمزيد من الاستقرار اللبناني. هناك وضع يقلقنا وهو وضع مدينة طرابلس والتيارات التي تنذر بالصدام، ونطالب الجميع بالحذر، كي لا تنطلق شرارة تقود الى وضع غير سليم في لبنان، هذا هو محتوى الرسالة". وعما إذا كانت مصر تنتظر أن يؤدي الرئيس سليمان دور وساطة بين مصر والسعودية وسورية لما له من صفة توافقية سواء أكان ذلك عربياً أو إقليمياً أو داخلياً، قال أبو الغيط:"ان الرئيس سليمان شخصية حكيمة، ولقائي به اليوم كشف عن كثير من الحكمة لديه. ونأمل بأن تحمل الفترة المقبلة تهيئة المناخ لتحقيق هذا الانفراج في العلاقات"، مشيراً الى ان الرئيس سليمان"عكس في حديثه الكثير من التفاؤل بالمستقبل". وعن مساع خارجية لمساعدة لبنان على تجاوز محنة طرابلس، أكد أبو الغيط"ان مصر على استعداد لتقديم كل إمكاناتها، ولديها إمكانات كثيرة ومتعددة. والبعض يفوته ان مصر لديها قدراتها في بناء قوات مسلحة وأجهزة أمنية واستخبارية ولديها قدراتها الثقافية وهي قادرة على تقديم خبرة ثقافية إذ لديها الأزهر الشريف، والكثير مما تستطيع ان تقدمه وهي على استعداد لذلك". وعن العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وسورية، اكتفى أبو الغيط بالقول:"عندما يتحقق ذلك، فهو أمر جيد". السنيورة وزار أبو الغيط رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وعرض معه الأوضاع في لبنان والمنطقة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي. وقال أبو الغيط:"نقلت اليه تحية من الرئيس مبارك، وكنت تابعت المناقشات التي أجريت بين الرئيسين السنيورة ومبارك في برج العرب، وبينه وبين رئيس الوزراء أحمد نظيف وبين الوزراء المصريين واللبنانيين والذين عقدوا لقاءات في الإسكندرية. والرسالة الواضحة التي نقلتها له هي استعداد مصر لتقديم كافة عناصر الدعم للبنان على صعيد الربط الكهربائي أو بالنسبة الى ربط خطوط الغاز في لبنان بالخط المصري العربي بما يتيح للبنان الحصول على حصة كبيرة من الغاز". وإذ أشار الى اجتماع وزراء الكهرباء العرب الذي عقد في عمان أمس، لتأمين الاتفاق على محصلة هذا الربط، أوضح ان"وزير الكهرباء المصري لديه تعليمات واضحة من الرئيس مبارك بأن يساعد في اتجاه مد لبنان بالكهرباء. وقبل مجيئي كان لي لقاء مع وزير النفط المصري وهو أيضاً لديه استعداد لإمداد لبنان بحاجاته من الغاز، وهذه هي الرسالة الأساسية التي نقلتها إلى الرئيس السنيورة". وعن الوضع في طرابلس، وزيارة الرئيس السابق للحكومة اللبنانية عمر كرامي مصر قال:"إننا على استعداد لبناء قدرات الجيش اللبناني لكي يتحمل مسؤولياته وبناء القدرات اللبنانية في المجالات الأمنية كافة، ومصر لديها إمكانات كبيرة في هذا الصدد وفي شكل يؤدي إلى تقوية هذا الجيش لتحمل مسؤولياته. هذا بعد، أما البعد الآخر، فإن لمصر اتصالاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية كافة، ونأمل بأن نساهم في تحقيق هذا الاسترخاء ونؤدي رسالة مفادها أن عليكم الحذر حتى لا ينفجر الوضع في طرابلس. على الجميع أن يتحرك ويحسب حساباته في شكل لا يقود إلى صدامات بين الأخوة من أبناء الشعب الواحد". العلاقة مع سورية وعن زيارة الرئيس سليمان سورية، قال أبو الغيط:"أمر جيد للغاية أن يلتقي الرئيسان سليمان وبشار الأسد ويتناولا العلاقة اللبنانية - السورية، ونحن نرحب بإقامة علاقات ديبلوماسية ونأمل بأن يحقق هذا اللقاء التفاهم على أن للبنان مصالح ولسورية مواقفها ونأمل بأن تأخذ هذه المواقف في الحسبان استقلالية القرار اللبناني". بري وانتقل أبو الغيط الى زيارة رئيس المجلس النيابي نبيه بري في حضور مسؤول العلاقات الخارجية في حركة"أمل"علي بزي والمستشار الإعلامي علي حمدان. وأعلن انه حمل اليه"من القاهرة رسالة اعتزاز وتقدير، وهو شخص جدير بالاحترام ولنا لقاءات، وتناولت معه هدف هذه الزيارة وهي للتعبير عن التأييد لكل ما تم حتى الآن لتحقيق الاستقرار في لبنان". وأضاف أبو الغيط قائلاً:"عبرت له عن الأمل في استمرار نجاح البرلمان تحت رئاسته في ان يأخذ لبنان من هذه المرحلة الى تلك وصولاً الى وضع يتم فيه تحقيق الاستقرار والسلام وأيضاً التنمية. واستمعت الى الرئيس بري في تقويمه للوضع اللبناني وكيف يرى تطورات العملية السياسية الداخلية، وعلاقات لبنان مع الجوار". وأشار الى انه ناقش معه"تطورات الوضع في طرابلس وهو وضع يستثير الخشية الشديدة، واتفقنا ان المنهج يجب ان يكون منهجاً يستهدف التنمية وتحقيق الاستقرار في المدينة وخرجت ولدي قدر من التفاؤل حول تطورات العملية السياسية في لبنان". وعن إمكان انفجار الوضع في طرابلس قال أبو الغيط:"المعلومات متاحة للجميع ونرصدها، وهناك الكثير من المناقشات التي تدور بين أطراف خارجية تهتم بالشأن اللبناني، والمؤكد ان هناك قوى تسعى الى تحقيق انفجار في الوضع، ولا أستطيع ان أقول ان كانت محلية أم إقليمية، ولكن يجب ان يتمسك أهل لبنان بالتوصل الى الصيغة اللبنانية التي تحقق التواصل من دون صدام، سواء صدام على الأرض في لبنان وفي مدينة طرابلس. والصدام له تأثيره البالغ، والضرر ليس فقط على لبنان وانما على كل المنطقة أيضاً". التقارب السوري - السعودي رهن لبنان وعن قيام مصر بجهود للتقريب بين السعودية وسورية، قال أبو الغيط:"دعوني أقول إن كثيراً من الجهد يبذل، ولكن المفتاح مرة أخرى في يد أهل لبنان. ان الخلاف في الرؤى السعودية - السورية نبع من تطورات الوضع اللبناني، وبالتالي دعونا نتحرك في لبنان خارج هذا الوضع وهو يتجه الى وضع جديد ومستقر ويستثير الاسترخاء ويحقق الراحة لنا ولكننا نتحسب مما لا نراه الآن". وقال أبو الغيط:"المطلوب هو حوار ومصالحة وإجراءات وانفراجات كاملة ونهائية تقود الى وضع يحقق للبنان استقراره، وبالتالي يعود العرب مثلما فعلنا، ويجب ألا يفوتنا ان مصر هي التي كانت قد دعت الى هذا الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء الجامعة العربية. مصر هي التي صاغت القرار، هي التي طرحت فكرة اللجنة العربية وأيدت عقد الاجتماع في الدوحة. من هنا الرؤية المصرية هي ان الكثير في يد أهل لبنان عليهم ان يعملوا سوياً لتحقيق هدف المصالحة التي ستساعد الأطراف العربية الأخرى من اجل اللقاء في ما بينها". وحرص أبو الغيط على لقاء أطراف سياسيين في مقر إقامته في فندق"فينيسيا"والتقى نائب طرابلس مصباح الأحدب، الذي أشاد بدور"مصر العربية التاريخي والرائد في حماية استقلال لبنان وعروبته والحفاظ على دوره المميز ضمن الأسرة العربية". لبنان ليس ورقة وأولم السفير البديوي على شرف أبو الغيط في"فندق فينيسيا"في حضور النائب غسان تويني والنائب السابق عبدالله قصير وإعلاميين. وفي دردشة معهم، شدد أبو الغيط على أن الرسالة التي جاء بها الى لبنان هي"أننا نعتقد بأنه بات ضرورياً للبنان أن يأخذ قدره بيده عبر تحقيق الاستقرار بعد تنفيذ خطوات رئيسة من اتفاق الدوحة". وأوضح أن أولويات مصر بالنسبة الى لبنان هي الحؤول دون وقوع الحرب الأهلية والحؤول دون استخدام لبنان ورقة، وعدم التدخل في الشؤون اللبنانية وبقاء الدولة اللبنانية ودعمها وتقويتها. وأضاف أبو الغيط:"رسالتنا هي ألا تدعوا الخارج يستغل صراعاتكم لأن ليس أبناء الخارج هم الذين سيقتلون بل أبناء اللبنانيين. وقلقنا من الوضع في طرابلس يعود الى أن ثمة جزءاً من الجسم اللبناني معرض للتوتر ومن الممكن لهذا الجزء أن ينسحب على لبنان. ولذلك نقول ليسعَ اللبنانيون الى السيطرة على هذا الجزء". وأسهب أبو الغيط في الحديث عن الحرب الأهلية منذ عام 1975 التي دفع لبنان والمنطقة ثمناً باهظاً لها. وأشار الى مآسيها، لكنه قال رداً على سؤال عن مدى إمكان منع تجدد أحداث 7 أيار مايو الماضي الدموية:"لا أرى الأمور متجهة من هذه الوجهة ولذلك ندعو اللبنانيين الى المصالحة"، ورأى أن ما حصل في 7 أيار كان يجب ألاّ يحدث. وإذ أشار الى أن تجربة اتفاق اللبنانيين ومصالحتهم في اتفاق الطائف تدل الى قدرتهم على التوافق وهذا ما حصل في اتفاق الدوحة أيضاً. وحين سئل عن الضمانة بأن اتفاق الدوحة لن يصيبه ما حصل لاتفاق الطائف الذي حيل دون تنفيذه قال:"بالسرعة في التنفيذ. وهذا ما بحثته مع الرئيس سليمان. وهنا على اللبنانيين أن يجلسوا الى طاولة الحوار ويصلوا الى تفاهم". وإذ أقر بأن المصالحة لم تتم بعد كرر القول:"لذلك نتحدث أحياناً عن هشاشة الوضع ونطلب السرعة في الحوار والتوافق". وعندما سئل متى سيزور دمشق قال:"حين يكون الجو أكثر صحواً. لكن لا قطيعة مع سورية بل الاتصالات دائمة وليس كلها معلنة من الجانبين. والرئيسان تحدثا برقة في باريس على هامش القمة المتوسطية في تموز يوليو الماضي على رغم أنه لم يحصل اجتماع...". وإذ اعتبر أن موضوع سلاح المقاومة ليس بالضرورة أن يكون النقطة الوحيدة على جدول أعمال الحوار بين الفرقاء اللبنانيين أشار الى أن الخلاف مع دمشق نشأ بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، وشدد على موقف مصر الداعي الى معالجة أزمة الملف النووي الإيراني بالتفاوض"لأن الصدام كارثي علينا جميعاً، بما فيه لبنان". لقاءات غير رسمية وعقد ابو الغيط لقاءات غير رسمية في مقر إقامته، مع الرئيس أمين الجميّل والرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي ورئيس"اللقاء الديموقراطي"النيابي وليد جنبلاط الذي قال بعد اللقاء:"نسمع من المسؤولين المصريين لا سيما الرئيس مبارك والوزير أبو الغيط الحرص على استقرار لبنان وسيادته وأن تستكمل مسيرة بناء الدولة والمصالحة الوطنية والحوار، وسمعنا أهمية ترجمة بند الحوار". وأضاف:"اذا لم نجلس معاً، أياً كانت المشكلات، فإن البعد جفاء". وأشاد رئيس الهيئة التنفيذية لپ"القوات اللبنانية"سمير جعجع بعد لقائه ابو الغيط بما قامت به مصر"تجاه التهديدات الإسرائيلية، وطمأننا الى أن على لبنان العمل لمتابعة الأمر مع مجلس الأمن". وعن القلق المصري تجاه طرابلس، قال جعجع:"لمسنا حرص أبو الغيط ومصر على الأمن في لبنان ووأد أي توترات"، مشيراً الى أن لزيارته جدوى سياسية واقتصادية. والتقى ابو الغيط مطولاً وزير العمل محمد فنيش ممثلاً"حزب الله"وتناول العشاء الى مأدبة السنيورة. وكان أبو الغيط زار المستشفى الميداني المصري الذي لا يزال يعمل منذ حرب تموز، ومقره الجامعة العربية، حيث تفقد الأقسام وخضع شخصياً لفحص نظر.