دخلت مصر بقوة أمس على جهود إتمام الاستحقاق الرئاسي اللبناني في موعده الدستوري، عبر الزيارة التي قام بها وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط لبيروت، والتقى خلالها رؤساء: الجمهورية اميل لحود، والمجلس النيابي نبيه بري، والحكومة فؤاد السنيورة، والبطريرك الماروني نصرالله صفير، ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني إضافة الى أقطاب الحوار الوطني ال 14، ما عدا العماد ميشال عون ورئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"النائب وليد جنبلاط لأسباب أمنية، واستعاض عن ذلك بالاتصال بهما هاتفياً. والتقى أبو الغيط نواب قوى 14 آذار الموجودين في فندق"فينيسيا"بسبب المخاوف من استهدافهم أمنياً، بينما اجتمع ببري وزعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري مرتين، الأولى كل منهما على حدة ثم الاثنين سوياً في منزل بري. وجاءت زيارة أبو الغيط ولقاءاته الماراثونية، نتيجة المتابعة الدقيقة والتفصيلية اليومية لتطورات الوضع اللبناني من القيادة المصرية والرئيس حسني مبارك الذي أبلغ أكثر من مرة أنه يطلع في شكل دقيق على ما يجري في لبنان. فأطلق الوزير المصري جملة مواقف معبرة أبرزها"وجوب رفع الأيدي عن لبنان"، وضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية"من دون تأثيرات خارجية"، مبدياً انزعاجه في لقاءاته مع القادة اللبنانيين من تأويلات بأن هدف الزيارة تسويق اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان للرئاسة، ومؤكداً ان اسم الرئيس العتيد شأن اللبنانيين. كما شدد على ضرورة التوافق على مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس الجديد. راجع ص6 و7 وفيما افتتح أبو الغيط تحركاً عربياً يوازي التحرك الأوروبي والدولي لدفع اللبنانيين الى التوافق على اسم الرئيس العتيد، توقع الوزير ان تتبعه تحركات عربية أخرى في اتجاه لبنان أبرزها للجامعة العربية الاسبوع المقبل، مؤكداً التنسيق مع المملكة العربية السعودية في هذا الصدد. وفي دمشق قالت مصادر متطابقة ان موفد وزير الخارجية الفرنسي في شأن الأزمة اللبنانية جان كلود كوسران سيزور سورية الأحد المقبل لإطلاع قيادتها على نتائج تحرّك الوزراء الأوروبيين الثلاثة الذين زاروا لبنان. ونقلت مصادر مواكبة للقاءات أبو الغيط في بيروت عنه قوله:"لن نقف متفرجين على ما يجري في لبنان، وما يهمنا هو إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، لأن من غير المسموح عدم إجرائها، ومصر ستتدخل في الوقت المناسب لإتمام هذا الاستحقاق لقطع الطريق على حصول فراغ أو فوضى في لبنان الذي نحرص على استقراره وسيادته واستقلاله". وأضاف أبو الغيط، بحسب المصادر عينها:"مصر لا تتدخل في أسماء المرشحين، ولا تدعم مرشحاً ضد الآخر، لأن الأمر متروك في نهاية المطاف لتوافق الأطراف اللبنانية المعنية، إنما لن نسكت على من يعرقل انتخاب الرئيس في الموعد الدستوري، ونحن نتحرّك في كل الاتجاهات، لكننا لا نُعلن كل ما نقوم به، لأن ما يهمنا الوصول الى نتيجة، علماً اننا نعرف من يعرقل ونواكب الاتصالات الجارية بين الرئيس بري والنائب سعد الحريري إضافة الى الدور الفاعل للبطريرك صفير". وأكد أبو الغيط لمن التقاهم أن"مصر تعرف عن كثب الإختلافات بين الأطراف اللبنانية، ولن تدخل في صلبها، ووجودنا بين اخوتنا في لبنان للسؤال عن كيفية التوافق على رئيس الجمهورية، من أجل تقديم المساعدة المطلوبة لتقريب وجهات النظر". ولفت أبو الغيط الى أن"مصر تتحرّك مع الاطراف الخارجية والمؤثرة في الوضع اللبناني لدعوتها الى تقديم التسهيلات لانتخاب الرئيس، ونقول للأطراف التي تتدخل إرفعوا أيديكم عن لبنان". وفيما لم يتطرّق الوزير الى أي موقف من سورية، لاحظت المصادر ان أبو الغيط غمز من قناة إيران، مستذكراً ما قاله في السابق من أنها تقوم بتجميع أوراق عربية، وهذا أمر غير مسموح به. وكانت مصادر ديبلوماسية عربية في دمشق أبلغت"الحياة"ان اتصالات تجرى لترتيب زيارة لوزير الاستخبارات المصرية عمر سليمان لسورية. وكرّر أبو الغيط خلال محادثاته في بيروت ان مصر"تتدخّل في الوقت المناسب لمصلحة انتخاب الرئيس في موعده"، وأكد ان بلاده"لا تمارس كل الضغوط في العلن"لأن النتائج التي تتوخّاها"لا تحصل عليها أحياناً من خلال المواقف الإعلامية إنما عبر توجيه رسائل سياسية ثقيلة لمن يعنيهم الأمر". وأشار الى أن"التدخل في الوقت المناسب هو الذي يعطي النتيجة المرجوة التي نتطلع اليها لأجل لبنان"، لافتاً الى انه مع استمرار الحوار"ليس للتفاهم على الرئيس فحسب إنما للاتفاق على مرحلة ما بعد انتخابه، لئلا تكونوا قد تجاوزتم بانتخابه مشكلة لتواجهوا بعدها أزمة كبيرة". ورداً على سؤال أوضحت المصادر ل"الحياة"ان أبو الغيط لم يطرح اقتراحات محددة في شأن كيفية تفاهم اللبنانيين، وإنما حرص على الاستماع الى وجهات نظر جميع الذين التقاهم، مشدداً على ان بلاده"ضد الفوضى والفراغ في لبنان، البلد الشقيق الذي نحرص على استقراره، ونخشى على مستقبله في حال لم تجرَ الانتخابات". وبالنسبة الى الموقف من سورية، قالت مصادر ان السنيورة تحدث مطولاً مع أبو الغيط حول العلاقات اللبنانية - السورية، ونقلت عن رئيس الحكومة قوله:"نطمح الى أفضل العلاقات مع الشقيقة سورية وان ما يصيب جزءاً منها يصيب جزءاً من لبنان، لكن العلاقات على مر السنوات الأخيرة لم تكن طبيعية ولمصلة البلدين، ولا بد من الإفادة من التجارب السابقة لتجاوز الشوائب وتصحيح هذه العلاقات". وتناول السنيورة"مشكلة استمرار تسلّل المسلحين وتهريب السلاح من سورية الى لبنان"، وقال:"نريد أحسن العلاقات معها. وآن الأوان لترسيم الحدود بين البلدين وإقامة علاقات ديبلوماسية". وتطرق السنيورة كما أفادت المصادر الى ما يتردد عن وجود نية لتعديل الدستور، مشيراً الى انه لا يحبذ تعديله، وأن التجارب السابقة في هذا المجال لم تكن مشجعة، وترتبت عليها أضرار كبيرة اقتصادياً وسياسياً، وأنه آن الأوان لاحترام الدستور. وكشفت المصادر ان أبو الغيط كرّر إنزعاجه مما يجري في لبنان، وقال:"نحن في مصر خائفون على بلدكم ونريد منكم التوافق وأنتم تعرفون الطريق اليه". وأكدت أنه تحدث عن ضرورة الإسراع في تشكيل المحكمة الدولية لجلاء الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومحاكمة المتهمين. ونقلت عنه أن بلاده سارعت الى تسمية قاضٍ مصري ليكون في عداد اللجنة المكلفة اختيار القضاة في المحكمة، للتأكيد على"الإسراع في قيام المحكمة، وهذه الخطوة ما هي إلا إشارة واضحة من قبلنا الى تأييد تأليف المحكمة". وأعلن أبو الغيط بعد لقاء جمعه مع الرئيس بري والنائب الحريري في عين التينة ليلاً، إنه يشعر ب"الكثير من التشجع لاحتمالات الوضع اللبناني"، مجدداً سعي بلاده إلى"الاطمئنان الى التنفيذ الدستوري لمتطلبات المرحلة، أي انتخاب الرئيس المقبل قبل 24 تشرين الثاني نوفمبر". وشدّد على"رفع الأيدي عن لبنان ليتاح للبنانيين ان يعملوا لمصلحة بلدهم بعيداً من أي تأثيرات خارجية، سواء كانت دولية أم أقليمية"، وعلى"ضرورة الحوار اللبناني ليشمل الكثير من المسائل الأخرى التي قد تمثل إزعاجاً للرئيس المقبل، وبالتالي الأحسن والمطلوب هو التوصل الى تفاهم عريض يتيح للرئيس عندما يُنتخب أن يتحرك بسرعة لتنفيذ كل مسؤولياته". وزاد أبو الغيط:"ما استمعنا إليه اليوم أمس من كل القيادات، رغبة أكيدة في تحقيق استحقاق عن طريق التوافق وهو مطلب رئيسي ويجب أن يكون هدفاً نعمل له جميعاً، وسنسعى الى مساعدة اللبنانيين من خلال اتصالاتنا بالأطراف الخارجية للاتفاق على منهج للتعامل مع الأسابيع القليلة المقبلة". ونفى أن يكون طرح أسماء للرئاسة وقال:"لا ينبغي لنا أن نطرح أسماء، من يطرحها هو مَن له الحق في ذلك، ونشجع الجانب المسيحي خصوصاً الموارنة ليقدموا الأسماء التي يمكن أن تمثل التوافق اللبناني الداخلي، ومصر ليس لديها مرشح تدفع به أو ترشحه. سنؤيد من يختاره القادة اللبنانيون وبرلمانهم في هذه الانتخابات التي نأمل بأن تتم في أسرع وقت ممكن". وعما اذا كانت لمصر اتصالات بسورية والسعودية خصوصاً أن التقارب الايجابي بينهما يؤثر إيجاباً في الساحة اللبنانية، قال أبو الغيط:"لدينا اتصالات مع سورية والسعودية ونتحدث الى الطرفين ونأمل بأن ينتهي الأمر إلى تحسين المناخ بينهما". وعن احتمالات قيامه بزيارات أخرى للبنان أو سورية أو إيران، قال:"لا أستطيع أن أتحدث عن المستقبل، لكن أي جهد قد تكون له أشكاله المختلفة". واعتبر أن اللقاء الثلاثي مع بري والحريري"يمثل مزيداً من الفهم المشترك لمتطلبات المرحلة، استمعت إلى رؤية الرئيس بري ورؤية الشيخ سعد، وأعتقد بأن هناك أرضية مشتركة ومساحة عريضة للتفاهم بينهما، وهذا يدعوني إلى استشراف طيب للمستقبل وآمل بأن أستطيع المساهمة في المزيد خصوصاً مع الأطراف الخارجية". وعن كيفية مواجهة الضغوط، قال:"لدينا الكثير من الاتصالات والحوارات والمشاورات مع كل الاطراف". وعما اذا كان توصل الى شيء ملموس في نهاية الجولة قال:"استمعت إلى كثير من المواقف والإشارات بما يعكس رؤية مطمئنة بعض الشيء". وهل ينوي زيارة سورية أجاب: حالياً الأمر ليس مطروحاً". وكان أبو الغيط التقى نواب 14 آذار في مقر إقامتهم في فندق فينيسيا وحضهم على الحوار. وعلمت"الحياة"أن أبو الغيط شدّد أمام النواب على"ضرورة الالتزام بالدستور وإعطاء الفرص للمفاوضات، وإذا لم نصل إلى نتيجة فلكل حادث حديث، لأن ما يهمنا هو عدم الوصول إلى فراغ تترتب عليه فوضى". وأبلغ النواب أبو الغيط أن 14 آذار رشّحت للرئاسة النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود. وهنا سأله النائب نقولا فتوش عن موقف مصر اذا اضطرت الأكثرية الى الانتخاب بالنصف زائداً واحداً فأجاب:"يهمنا استنفاد كل الفرص ولكل حادث حديث"، مشدداً على الدور المسيحي، خصوصاً الموارنة في الاتفاق على المرشحين". وقال له بعض النواب"سمعنا مطالبتكم برفع الأيدي عن لبنان، وهذا مطلبنا خصوصاً كما ترى أننا نقيم إما في الإقامة الجبرية وإما تحت الأرض ولا خيار آخر أمامنا بينما من يتدخل في لبنان معروف، وهو السوري والإيراني".