يلاحظ المتابع للشؤون الفلسطينية حالة من التفاعل الصامت في أحيان كثيرة، والمعلن في أحيان أقل، بين حركة"حماس"من جهة والأردن من جهة ثانية، على ضوء التداخلات والتأثيرات التي باتت أمراً لا مفر منه بين الجانبين. فمسار العلاقات الأردنية الحمساوية يخضع لقواعد مشابهة من حيث الشكل لقواعد العلاقات المصرية الحمساوية، لكنه يختلف من حيث التفاصيل والمضمون نظراً للتداخل التنظيمي القائم بين حركة"حماس"وجماعة"الإخوان المسلمين"الأردنية، وحزب"جبهة العمل الإسلامي"في الأردن الذي تشكل أساساً بقرار من المكتب التنفيذي لجماعة"الإخوان"الأردنية. وعليه، فإن التداخلات بين الأردن وحركة"حماس"فرضت نفسها برغبة الطرفين في إعادة ترتيب العلاقة المشتركة بعد القطيعة التي تمت عام 1996 وأبعد على أثرها أعضاء المكتب السياسي لحركة"حماس"من الأردن خالد مشعل، موسى ابو مرزوق، عزت الرشق، سامي خاطر، محمد نزال. فقد جرت لقاءات عدة مؤخراً وتواترت عبر القناة الأمنية الأردنية، ذات النظرة الاستراتيجية البعيدة المدى، بين وفد من المكتب السياسي ل"حماس"برئاسة محمد نزال وعضوية محمد نصر ومدير الاستخبارات الأردنية الفريق محمد الذهبي، وهي لقاءات بدأت منذ شباط فبراير 2006، في إطار مشروع لم يكتمل حينها لاستعادة العلاقة بين الجانبين، إلا أن التقديرات تذهب الى القول أن ترتيب العلاقة بين الطرفين قد يطول قليلاً، حيث تريد عمان التأكد من تفكيك علاقات حركة"حماس"التنظيمية مع الحركة الإسلامية الأردنية، خصوصاً بعد فوز همام سعيد بموقع المراقب العام للجماعة في الأردن وهو المحسوب على الصقور، حسب تعريف الأجهزة الامنية والسياسية الأردنية، كما تريد عمان أن تسمع من"حماس"تراجعها عن رفضها قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية لعام 1988، وأن تنسحب من المشروع الإسلامي على مستوى الإقليم، مع علم الأردن بأن خالد مشعل أبلغ خطيا سالم الفلاحات المراقب العام السابق لجماعة"الإخوان المسلمين"في الأردن، قبل أكثر من عام، قرار حركة المقاومة الإسلامية فك علاقاتها التنظيمية مع الجماعة في الأردن. وما حدث يومها هو موافقة المكتب التنفيذي للجماعة، وسط حماس الفلاحات، الذي رأى في العلاقة بين جماعته وحركة"حماس""مجرد شيء عاطفي لا معنى له". وكانت مصادر في"حماس"قد أشارت إلى أنّ"الحركة تمثل تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن ومناطق الشتات الفلسطيني الباقية، وأنه آن الأوان لاستقلال الحركة التي باتت تملك كل شيء على الساحة الفلسطينية ومن باب أولى امتلاك القرار على الساحات الخارجية". من جانب آخر، يشير البعض الى أن خطوة الأردن للقاء مع حركة"حماس"تنبع من تخوفه من مخاطر المرحلة القادمة، وسعياً منه لاحتواء أي مضاعفات قد تنجم عنها، وذلك على ضوء التوجه العام عند حركة"حماس"لسحب اعترافها بالرئيس محمود عباس يوم 9 كانون الثاني يناير المقبل، وهو يوم انتهاء ولايته، وما يمكن أن ينشأ عن ذلك من أزمة جديدة يمكن تفجّر الصراع في الضفة الغربية، على طريق قد يقود إلى فرض سيطرة"حماس"، من خلال انتفاضة شعبية تخطط لها، على الضفة الغربية أسوة بقطاع غزة. وعليه، فإن ما يطرحه الأردن على حركة"حماس"يمثل في جانب منه سعياً الى استيعاب أي انفجارات قادمة في الضفة الغربية، وسعياً لإحلال بدائل بانخراط حركة"حماس"في الحل السياسي من أوسع أبوابه. وتحاول عمان تجنب الانتقادات الموجهة اليها بشأن اللقاءات الأخيرة مع حركة"حماس"، وذلك من أطراف عدة تقف على رأسها الولاياتالمتحدة، التي تريد من"حماس"أولاً موقفاً واضحاً من حل الدولتين ومن شروط اللجنة الرباعية الدولية، وهو مطلب يوازي ما نصت عليه ورقة الدعوة المصرية الجديدة لاستئناف الحوار الفلسطيني في القاهرة. وعليه، فإن هذه الضغوط تمثل السبب الرئيس الذي جعل الأردن يطلب من وفد"حماس""اخضاع العلاقة بين الجانبين لفترة تجربة تمتد حتى آخر العام الحالي"، وهي الفترة التي ستشهد تغييرات في الإدارة الأميركية، مع ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية. * كاتب فلسطيني