أطلقت وزارة الداخلية اللبنانية عبر جهاز قوى الأمن الداخلي حملة إعلانية عمّت الشاشات كافة، لتوعية السائقين من أخطار مخالفة أحكام قانون السير والعقوبات الناتجة منها، على أن تلي الحملة التلفزيونية حملة أمنية تنفذ الوعيد بمحاضر ضبط. وليس تقليلاً من جهود الداخلية، إنما لا ينطبق على هذه الحملة إلا المثل القائل:"كل جديد وله شدة". والجديد هنا هو الوزير، الآتي من عالم القضاء والقانون مستعداً ومتشجعاً لتطبيقه. لكن مهلاً، ليس بالحملات الإعلانية يطبق القانون ولا يحتاج أصلاً تطبيقه إلى حملة توعية مسبقة. فهذه الحملات لم تزل قائمة في لبنان منذ أكثر من عقد عبر جمعيات أهلية أبرزها"يازا"وپ"كن هادي"، ولم تستطع أن تضع حداً لتزايد عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير. لا بل يبدو أن تلك الحملات والبرامج الدعائية كانت تعطي مفعولاً عكسياً حتى لامس عدد قتلى حوادث السير في لبنان الألف سنوياً مع أكثر من 10 آلاف جريح... بحّ صوت المنبهين والمحذّرين الذين لم يدعوا فرصة اعلانية أو اعلامية أو مؤتمراً إلا وحذّروا فيها ونبّهوا وثقفوا وأصدروا توصيات وتوصيات لم يبق مسؤول سابق أو حالي إلا سلم نسخاً منها لكن"لا حياة لمن تنادي". بعض التقارير الإخبارية لا يخلو من أخبار الحوادث. الموت يستمر يومياً فيحصد على الطرق لبنانيَين اثنين بمعدل وسطي. والجنون في القيادة لم يزل يتقد. والمخالفات وما أدراك ما المخالفات. السائر بحسب وجهة السير مخالف! الواقف على إشارة أخرق! الملتزم حدود السرعة بليد! حافلات النقل الصغيرة يسابق سائقوها الريح بعشرات الأرواح. أما الدرّاجات النارية"الحزينة"التي بلغت ألوفاً مؤلفة فتجري كيفما اتفق والقانون يحميها لأنها في نظره كالمشاة وإن بلوحة لا تزال أحرفها صينية، ناهيك بالعائلة المؤلفة من أب وأم وطفلين التي تستقل دراجة وتتغلغل بين السيارات... ولن نأتي على ذكر المواكب الأمنية وپ"عراضاتها"في الطرق ولا على القدرات التي يتمتع بها أثناء القيادة من يفترض أنه يطبق القانون ويحفظ الأمن والنظام. كل هذه الأمور التي أصبحت واقعاً على الأرض وعلى الشاشات والتقارير والبرامج التوعوية، لم توحِ للمعنيين إلا إطلاق حملة توعوية يشغلون فيها عشرات رجال الشرطة، وهي أبسط ما يقال فيها انها تجريب مجرّب، علماً أن هناك دولاً عربية تمكنت في أقل من شهر من خفض ضحايا حوادث السير بنسبة تزيد على خمسين في المئة بحل سحري واحد هو السجن. لهذا كان أجدى للحملة الاعلانية أن تكون تحذيرية لا توعوية لأن من يخاف على نفسه وأطفاله والناس لا يغامر بقيادة قاتلة. أما من لا يقيم وزناً لحياته وحياة الآخرين، فأجدى بالدولة، إن كانت فعلاً حريصة على حياة الناس، أن تحذّره أولاً ثم تسجنه فوراً مدة تصاعدية تتناسب مع السرعة التي كان يقود بها علّ عدد الموتى ينخفض... خصوصاً إذا طبق القانون فعلاً لا الواسطة.