حين جلس رئيس الديبلوماسية الأوروبية، خافيير سولانا، في 19 تموز يوليو بجنيف، قبالة المفاوض الإيراني، سعيد جليلي، الى الطاولة البيضاوية، كان الأمل في عقد اتفاق حاسم على البرنامج النووي الإيراني، المشتبه في أغراضه العسكرية، ضئيلاً. ولكن بصيص أمل في الأمر لم يخبُ تماماً. ففي اثناء الأسابيع التي سبقت الاجتماع ظهرت قرائن جديدة مثل إشارات ايجابية أرسلها الإيرانيون, وزيارة السيد سولانا، في 14 حزيران يونيو، الى طهران حيث اقترح صيغة تعاون باسم القوى الكبيرة معدلة. وأبرز الإشارات انعطاف الديبلوماسية الأميركية وقرارها حضور ويليام بيرنز، الشخصية الثالثة في وزارة الخارجية الأميركية، اجتماع جنيف، واللقاء هو الأول في بابه منذ ثلاثين عاماً، بين مسؤول اميركي رفيع وبين وفد من الجمهورية. ورافق المفوض الأعلى الأوروبي خمسة مدراء سياسيين انتدبتهم دولهم، إلى مندوب الولاياتالمتحدة، منخرطون منذ سنتين في العمل الديبلوماسي. وطوال الاجتماع، وفي أثناء المناقشة، لم يبد المفاوض الإيراني أدنى اهتمام بويليام بيرنز. وحصلت"لوموند"على تقرير تفصيلي عن الاجتماع، وتنم أقوال السيد جليلي ان ايران ترى نفسها في موقع قوة في الشرق الأوسط، مصدرها الرافعات المختلفة التي في وسعها تحريكها في الأزمات الإقليمية العراق، لبنان، الملف الفلسطيني، أو في مسائل الطاقة. فهو لا يرى ما يدعوه الى التنازل في سبيل تيسير حل العقدة النووية من طريق المفاوضة، وعلى وجه السرعة. وحين دخولهم قاعة المفاوضات بجنيف، كان مندوبو الدول الست استبقوا خط انسحاب في حال الفشل: إمهال الإيرانيين 15 يوماً قبل العودة بجواب"التجميد المزدوج"الذي يشق الطريق الى مفاوضات في العمق: من جهة، تجميد المضي على عقوبات جديدة في حق إيران، في إطار الأممالمتحدة، ومن جهة أخرى، تجميد تركيب أجهزة جديدة تخصب اليورانيوم. فإذا تجاوزت ايران المهلة عمد الأوروبيون الى عقوبات جديدة في الأممالمتحدة بعد تلك التي سبق إقرارها في آذار مارس. وافتتح السيد سولانا المناقشة في 19 تموز، بالتشديد على مكانة اللقاء، ومرتبته العالية، ملمحاً الى حضور الديبلوماسي الأميركي الرفيع. وذكر برسالة وزراء الدول الست الى نظيرهم الإيراني، منوشهر متقي، في حزيران. وهذه الرسالة وقعتها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس. ودعا سولانا المفاوض الإيراني الى الجواب بالإيجاب عن التجميد المزدوج المقترح. وتكلم سعيد جليلي، بعدها، وقتاً طويلاً. وشطر كبير من كلامه كان تلميحاً. فهو لم يتطرق الى مسألة التجميد المزدوج، ولكنه نوه بپ"الموضوع الذي قد يضيء المستقبل"، وبپ"قدرات ايران على نشر الديموقراطية في المنطقة"، ونفوذها في مسائل"الأمن والإرهاب وأمن الطاقة". وسأل:"ما هي الصفة التي تخولنا التفاوض: هل يفاوض بعضنا بعضاً بصفتنا شركاء، أو أصدقاء، أو متنافسين، أو متخاصمين؟"فالتعاون"الاستراتيجي"بين ايران ومحاوريها"قد يؤدي الى حل مصاعب صارت مزمنة. ففي وسعنا حل مسائل تطرح منذ ثلاثين سنة، ولا أتردد في القول منذ ستين سنة"، ملمحاً ربما الى علاقات ايرانبالولاياتالمتحدة، وإلى نشوء اسرائيل."والاختيار هو بين الفرص المتاحة لكم وبين الرغبة في التحدي". فحاول السيد سولانا اعادة المناقشة الى إطارها."نحن نتحداث منذ اعوام. ونحن الآن في انتظار جوابكم". وعقب المندوب الروسي، سيرغي كيسلياك بالقول:"ونرغب في جواب بالإيجاب". والمرة الوحيدة التي تكلم فيها ويليام بيرنز، توجه الى الإيرانيين:"إنني مسرور بوجودي هنا لأنقل الرسالة البسيطة التالية: الولاياتالمتحدة جادة في مساندتها اقتراح التعاون ومقايضة التجميد بالتجميد"."نحن جادون في التماس حل ديبلوماسي". وأكمل:"قامت علاقات بلدينا على شكوك عميقة منذ ثلاثين سنة، وآمل ان يكون حضوري اليوم خطوة على الطريق القويم، وأن تلتقطوا الفرصة". وشدد المندوبون الصيني والبريطاني، ثم الألماني، تباعاً، على الفرصة"الثمينة"بعد"سنوات من الترجح بين صعود وهبوط في الماضي". فتكلم سعيد جليلي إذ ذاك على مقترح إيراني جواباً عن"المقايضة". والوثيقة الإيرانية كتبت بكلمات غائمة، وتقترح تطويل زمن المحادثات بين مندوبين، ثم بين وزراء، من غير إشارة الى تجميد أجهزة الطرد المركزي. فحاول السيد سولانا، مرة أخرى، إعادة المناقشة الى الإطار:"لا أفهم ما هي المشكلة، فهل في وسعك ان تشرح لنا لماذا يستحيل علينا مباشرة التمهيد للمفاوضات بالتجميد المزدوج؟". فأخرج السيد جليلي وثيقة وقدمها. وحينها رفعت الجلسة. وذهب السيدان سولانا وجليلي وتناولا الغداء على انفراد في مطعم غير بعيد من بلدية جنيف. وحين عادا، ابلغ المندوب الأوروبي"الست"ان شروح جليلي كانت مبهمة،"بيد ان الجواب عن سؤالينا: هل تقبلون التجميد المزدوج؟ وهل تقبلون مهلة الأسابيع الستة تمهيداً للمفاوضات، هو لا"، على ما جاء في التقرير. واستؤنفت المناقشة بعد الظهر من غير اختراق، على رغم انطباع سيرغي كيسلياك في وقت من الأوقات، مرونة في موقف المفاوض الإيراني الذي تكلم على"الحفاظ على الوضع القائم". وقد يفهم من هذا انفتاحاً على اقتراح تجميد الأنشطة النووية الإيرانية. ولكن جليلي أوضح انه لم يعن ما فهمه المندوب الروسي. فتدخل المندوب الفرنسي، جيرار أرنو وقال:"إذا تعذر عليكم الجواب اليوم، ففي مقدوركم مشاورة طهران، وإبلاغ الجواب بعد أسبوعين الى السيد سولانا". ونبه المندوب البريطاني الى ان العقوبات ستتعزز إذا كان الجواب سلباً. فرد جليلي بالقول ان"موقف ايران قوي". واستشهد"المرشد الأعلى، الإيراني علي خامنئي:"اذا كان الجو جو تهديد فلن نتكلم". وقال:"إما العقوبات فنحن نتجاوزها". وأوجز السيد سولانا الحال بالقول:"إننا ننتظر جوابكم في غضون أسبوعين، فيما يعود إلى رغبتكم في الحفاظ على الوضع القائم أو عدم رغبتكم، وفيما يعود الى أجهزة الطرد المركزي والعقوبات .... وآمل ان تكونوا أدركتم قوة التزامنا الحل". واتفق سولانا وجليلي على التصريح، عند الخروج من الاجتماع، ان الاجتماع كان"بناء". ومقربون من الملف، من جهة الغربيين، يعلقون اليوم على المفاوضات بالقول ان حظوظ الديبلوماسية في التقدم، عشية الانتخابات الأميركية، ضئيلة. وبعضهم يرى ان المنازعات السياسية في طهران تحول دون إقدام إيران على تنازل ديبلوماسي. ويناقش مندوبو الدول ال6، منذ اليوم، مضمون العقوبات الجديدة في إطار الأممالمتحدة. عن نتالي نوغيريد،"لوموند"الفرنسية 3-4/8/2008