حاول لويس الاستماع بإنصات إلى درس اللغة الفرنسية في الفصل من دون جدوى، فعيناه تسترقان النظر إلى ايفيلين وهي طالبة تجلس إلى جانبه غير متنبهة لإعجابه بها. مرّ الفصل الدراسي من دون أي نجاح من قبل لويس لجذب انتباهها. تلاشت ايفيلين عن أنظاره فانطفأ أمل الشاب في ملاقاتها أو التحدث إليها. لم يحصل على رقم هاتفها أو حتى بريدها الإلكتروني ليشرح مشاعره المندثرة بقسوة. لويس، سنغافوري الجنسية، يبلغ من العمر23 سنة، ولم يتسنّ له التعرف الى أي فتاة من قبل. وهي مشكلة يعاني منها العديد من السنغافوريين في مجتمع لا يترك الحرية للشاب والفتاة للتعارف فحسب وإنما يسعى للتقريب بينهما. تحفل سنغافورة، ببرامج لمحاولة التقريب بين الجنسين وقتل الخجل الذي يعيق عملية التعارف في مجتمع يرفض الزواج التقليدي ويبحث عن الحب فالارتباط. فحتى الحكومة السنغافورية تدخلت لإنقاذ الشبان، ولتقوم بتأسيس ما يسمى بالاتحاد الاجتماعي للتعارف بهدف دفع الشباب إلى التواصل مع الجنس الآخر ومعرفته. وتتفاوت برامج هذا الاتحاد ما بين تنظيم محاضرات تثقيفية بهدف وصف الفروقات بين الجنسين وتعليم الشبان والشابات كيفية التعامل مع بعضهم البعض إلى احتفالات مختلطة تنظمها الجامعات لكل الطلبة المتخرجين من الجامعة سعياً لأن يتم التعارف ومن ثم الزواج. ولا يقف الترويج عند هذا الحد فهناك مجلات تثقيفية توزع مجاناً في الجامعات ومواقع رسمية عبر الإنترنت، معتمدة من قبل الاتحاد، تعطي معلومات للتعريف بكيفية جذب الجنس الآخر أو حتى البحث عن النصف الآخر. يقول لويس:"يعيش الشبان والشابات السنغافوريون خجلاً وتحفظاً يبعدهم عن احتمال إيجاد النصف الآخر لكن أكبر مشكلة يواجهها، في نظري، السنغافوريون هي الالتقاء بالشخص المناسب، وتأتي الأعباء المالية بعد ذلك في الأهمية". ويضيف:"الشبان هنا يطلبون مواصفات خيالية للشخص المناسب وذلك يعود للتأثر بمزيج من الثقافة الغربية والشرقية فالشاب يريد مثلاً فتاة بملامح يابانية وجرأة غربية، ويسعى في محاولة إيجاد فتاة في هذه المواصفات فحين يجدها قد تكون هي باحثة عن مواصفات تفوق مميزاته كشاب!". پويستطرد لويس:"ومن أهم الأسباب الأخرى في عزوف الشبان عن التعارف طبيعة الأسرة السنغافورية الصغيرة، فغالبية الأسر تحوي الأب والأم وابناً واحداً فقط - وهذا يعود إلى مبادرة الحكومة في السبعينات في تحديد النسل إلى طفل أو طفلين لكل أسرة - حتى اعتاد الشاب السنغافوري العيش وحده مدللاً باحثاً عن حريته واستقلاليته بعيداً من المسؤولية مما يدفعه للشعور بأنه سيضحي بذلك حين يلتقي بالشخص المناسب الذي سيتطلب منه أن يشاركه". ومن جانبهن، تعاني بعض الفتيات من انعدام الثقة بالشاب الذي لا يفصح عن مشاعره بشفافية أو بجرأة. ويضع العديد من الفتيات الدراسة والعمل في سلّم أولوياته بعيداً من فكرة الزواج وتكوين أسرة. پوتقول كوليت 20 عاماً:"بصراحة أنا لا أثق بالجنس الآخر ولا أجد نفسي مستعدة للتعارف الآن فأنا ما زلت صغيرة وأريد أن أركز على أولوياتي كالتعليم ومن ثم الحصول على وظيفة ثم إن من الصعب على الفتاة أن تثق بالشاب خصوصاً أن الشاب السنغافوري كتوم وفيه شيء من الخجل، لا يتحدث أو يخبرها عمّا يريد فمن الممكن أن يكون هدف تعارفه بها ليس الزواج وإنما التغرير بها". وتقول كوليت بنبرة جدية:"لا أريد الزواج قريباً إلا أنني لا أريد الزواج في سن متأخرة. ربما حين أصبح في السادسة والعشرين من العمر قد أفكر بالزواج لكن لدي متسع من الوقت الآن للتركيز على تطوير ذاتي ولا أشعر بالقلق حيال إمكان تأخري عن الزواج. وأعتقد أنني أشارك العديد من الشابات اللواتي يفضلن التفكير في حياتهن المستقبلية، فالعديد من السنغافوريين يضعون العمل والاستقرار المادي أولاً ومن ثم البحث عن الشخص المناسب". پوعلى رغم سماعها أن عدداً من الزيجات نجح من خلال لقاءات مماثلة، رفضت كوليت حضور حفلة تعارف في إحدى الجامعات السنغافورية، لأنها لا تجد نفسها مستعدة للتعارف خصوصاً أنها لم تسمع بقصة نجاح أي صديقة مقرّبة لها ارتبطت بهذه الطريقة، واعتبرت أن بعض الشبان يستغلون هذه اللقاءات للتغرير بالفتيات.