نزولاً عند رغبة الجمهور الغفير من قراء هذه الصفحة، يعني والدتي وخالتي، رأيت ان أكتب في نهاية الأسبوع مقالاً خفيفاً لا علاقة له بأي سياسة أو أمر آخر من المنغصات اليومية. ونهاية الأسبوع قد تكون الخميس أو الجمعة، عربياً، وقد تكون السبت أو الأحد، غربياً، ما يعطيني فرصة اختيار يوم تكون فيه الأخبار أقل بؤساً. وهكذا عندي اليوم: بتّ أعتقد بأن الزواج، مثل قضية الشرق الأوسط لا حل له، فالرجل يحب المرأة، والمرأة تحب الطفل، والطفل يحب الكلب. مع ذلك هناك من يحفر عرسه بظفره، وأكتب بعد مراجعتي كتاباً بعنوان"البرنامج"من تأليف الأميركية راشيل غرينوالد، يحدد 15 خطوة على الفتاة ان تتبعها لتصطاد عريساً. والكتاب كان أساس برنامج تلفزيوني شاركت فيه ثلاث شابات طلب منهن تنفيذ الخطوات المقترحة، لمعرفة إن كانت تؤدي فعلاً الى سلام فكلام فزفاف. الفتيات جوردان ادامز، 30 سنة، وبيرني بيكرنغ، 34 سنة، وكاثرين ماكفي، 34 سنة أيضاً، نجحن في التعارف مع عدد كبير من الشبان، ولكن لم أقرأ ان اي تعارف انتهى بعلاقة جدية، واحتمال زواج. وكنتُ سأستغرب لو فشلت، فهن حسناوات ومثقفات وناجحات في العمل. لا أدري لماذا أقرأ عن مثل هذه الأمور، ولا تحدث لي، فأنا في لندن منذ 30 سنة، اي منذ كنتُ شاباً صغيراً، ومع ذلك اعترف بأنني لم أحظ يوماً بشابة حسناء، تتذرع بأعذار لتتعرف اليّ. بل العكس. فلو اقتربت من فتاة لأسألها عن الطريق، فهي تقفز مبتعدة كأنني من شهود يهوه. واذا كان هذا حدث لي قبل 30 سنة، فالقارئ يمكن ان يتصور كيف أعامل اليوم. كتاب"البرنامج"يعكس دراسة مؤلفته راشيل غرينوالد، فهي خريجة كلية التجارة في جامعة هارفارد، لذلك فأهم خطواتها إعادة توضيب البضاعة، وتسويقها، وبما ان احدى الفتيات معلمة موسيقى فقد حُمّلت كتاباً عن صنعتها، وطلب منها ان توقف الشبان وتسألهم اذا كانوا يريدون دروساً خصوصية في الموسيقى. اما الاخريان فأعطيتا دليل الشوارع، لتسألا الشبان كيف تصلان الى هذا المكان او ذاك. المشكلة هنا ان المرأة قد تصبر وتفكر ولا تقدم على الزواج الا بعد دراسة واعية، ثم تتزوج رجلاً تعتقد بأنه مناسب، وتكتشف انه مثل شيء جميل في المتجر أحبته ورغبت طويلاً في اقتنائه، ولكنها بعد ان وفرت واشترته فعلاً وأخذته الى البيت وجدت انه لا يتناسق مع الأثاث، لذلك أنصح كل مطلقة الا تتزوج ثانية الا اذا شعرت بأنها نضجت... وتحتاج الى تجديد أثاث بيتها. اذا فتحت حسناء حديثاً معي عن دروس الموسيقى او ارشادات الطريق، فشعوري هو انها لا تنظر إليّ كموعد غرام، وإنما كدعوة عشاء في مطعم فاخر. وكنتُ قرأت عن شاب في مثل هذا الوضع انتهى مع حسناء في مطعم وسألها ماذا تريدين؟ وقالت: أفكر في كافيار داخل بطاطا مسلوقة، وبعد ذلك سلمون مدخن. وقال الشاب: فكري مرة ثانية، فقد هاله السعر. نصيحتي اذا كان الخيار بين فلوس وجاذبية جنسية، ان يختار الرجل والمرأة الفلوس، لأنها ستكون هي الجاذبية الجنسية عندما يكبر وتكبر. طبعاً لا خيار، وأكثر الناس من دون فلوس أو جاذبية جنسية، لذلك اعود الى راشيل غرينوالد، فالفتيات الثلاث قُلْن انهن تصرفن وكأنهن يتقدمن الى طلب وظيفة، والمواصفات شكلاً موجودة، وزادت عليها خطوات الثقة بالنفس، وتوسيع دائرة المعارف، وعدم الخجل من افهام حلقة الاصدقاء والزملاء في العمل انها"متوافرة"لعلاقة تنتهي بالزواج. والمهم ان تبقي الشابة فكرة الزواج سراً حتى اللحظة الأخيرة، لأن الشاب الذي يشعر بأنه أمام فتاة تريد الزواج سيهرب فوراً. وكانت هناك التي قالت:"أعرف انك تحبني، ولكن ليس الى درجة ان تتزوجني. تريد ان تفكر. ربما لا تحب الارتباط. مع ذلك تريد زوجة وأولاداً. أو أنت بحاجة الى وقت". وردّ الشاب: تقريباً. بعض الشباب يقول لماذا أشتري كتاباً اذا كنتُ أستطيع ان أقرأ كل الكتب في المكتبة؟ ومثل هذا القول أسهل على الشابة، لأنها تظل مطلوبة من الشباب، أكثر من الطلب على شاب من الفتيات. غير ان هذا الكلام صحيح في عمر الشباب، وأمامي دراسة تقول ان الاتجاه الغربي الى أسر من معيل واحد يعني زيادة الحوادث، لأن الانسان الوحيد في شقة الذي يمرض أو يصاب في الليل لا يجد من يساعده. ثم ان المعيل الواحد يعني دخلاً واحداً للأسرة، ما يزيد معدلات الفقر والجريمة. أغرب ما وجدت في الدراسة ان حي كنزغتون وتشيلسي في لندن، حيث أقيم، وهو حي راقٍ، يحمل الرقم القياسي الغربي في الأسر من شخص واحد أو ذات المعيل الواحد، وهو 47 في المئة. ومن هؤلاء 70 في المئة لا يزالون دون سن التقاعد. ربما لا يمثل المال أكبر مشكلة في هذا الحي، ولكن ان يكبر الانسان وحده، وأن يهرم وحيداً مشكلة كبرى علاجها الزواج الذي لا علاج له. اليوم لم تعد المرأة تتزوج من أجل المال. وإنما هي تطلّق من أجل المال، طالما انها ستُعطى البيت وحساب المصرف وجزءاً من دخل مطلقها في المستقبل. والرجل يطلق ويعود الى غرامه الأول بنفسه، حيث لا منافس له، لذلك كان أنجح زواج ذلك الذي يقع فيه الرجل والمرأة في غرامه هو. والطلاق، مثل الخمر، يكشف خبيئة النفس، ووجدت انه مهما كان رأي الزوج في الزوجة سيئاً، فهو لا يحتاج الى الندم لأن رأيها فيه أسوأ. وإذا تزوجت المرأة مطلقها من جديد، فهذا مثل وصل الزائدة الدودية بعد استئصالها. عدتُ الى بنات راشيل غرينوالد، ووجدت ان الكتاب وتنفيذ الخطوات في الشارع اعطاهن ثقة بالنفس لم تكن عندهن. وهكذا كان وقرأت الكتاب ببطء وإصرار، وأعطاني ثقة بالنفس لأقف عند ناصية شارع في انتظار ان تأتي فتاة تعرض علي درساً في الموسيقى، او تسألني عن الطريق، لتفتح لي أبواباً مغلقة. ولكن ماذا أفعل ببنت في الثلاثين؟ المنطق ليس ان أتزوجها بل ان أتبناها.