قد لا نكون منسجمين مع المنطق، حين نقول إن الكردي خلق ليكون الضحية، كون ذلك لا يتوافق لا مع مفاهيم التطور، ولا ينسجم مع المفردات التي يتم تداولها بين المتعاملين الكبار في حقل السياسة، وخاصةً الدول، وتحديداً تلك التي تتباهى بأنها تملك مشاريع تهدف إلى بسط سيادة الإنسان ومفاهيم الحرية والتحرر، وتدعي وقوفها إلى جانب قضايا الحق والعدل، ونصرتها للمظلوم، وحمايتها لحقوق الإنسان...، ولكن وبما أن القضايا ضمن لعبة السياسة، تكون خاضعة لمنطق معادلة التوازنات، حتى وإن تعلقت بمسائل الحريات وحقوق الإنسان، وأن السياسة نفسها تنطلق من ركنها الأساس المصلحة وتعود إليها، فإن المنطق ذاته يكون مهزوزاً، ودرجة الانسجام بينه وبين ما نبتغيه يبقى رهن القوة ومشيئتها، وإن كنا نعول على المستقبل، وننشد ذاك اليوم الذي نخرج فيه برؤوسنا من أتون ثقافة الدم، بحيث يكون المنطق سيد الموقف، وتخرج الأمور من براثن لغة الرصاصة والقتل وتكون النظرة مبنية على قواعد الحق، بعيداً من المصالح ومعادلة توازن القوى. إن ما حصل في كركوك، وبالمقارنة مع ما حصل ويحصل كل يوم في بغداد وغيرها من المناطق، لا يشكل سوى عينة صغيرة من عينات حمامات الدم، لكنها تحمل دلالات بأن معادلة القوة في العراق نحو طريقها إلى التغيير، والمستهدف هذه المرة، كما كان سابقاً، هم الأكراد، وهذا ما ينبئ بأن مستقبل العراق بات على كف عفريت إذا ما استمرت المعادلة على هذا المنوال، وإذا ما بقي من يقف وراء مثل هذه الجرائم والمذابح ومن يمارسها أسير الأجندات وثقافة القتل على الهوية، وإن كنا نميل إلى الاعتقاد بأن القيادة الكردستانية ستتحمل غضب الشارع الكردي والكردستاني، ولا تنجر إلى اعتماد سياسة الاقتصاص أو مواجهة الدم بالدم، بحكم معرفتها الأكيدة بموبقات تلك الثقافة التي تشرعن الإبادة من جهة، ولقناعتها ? بحسب ما اختبرناها في التجربة ? بأن اللغة التي لا بد أن تسود، هي لغة المنطق والحوار، كون الركون إلى لغة الرصاصة والمواجهات، فيها هلاك لكل المكون العراقي، ونسف لبعض المكتسبات التي تحققت بفضل دماء الشهداء على مر العقود، إلى جانب أن ذلك يتناقض ومع تلك الرسالة التي وضعت أسسها مجمل الثورات والانتفاضات الكردية، حين كانت تتعامل مع من يحمل سلاح قتلها بنوع من التسامح. وبعيداً من لغة التعصب القومي، وإن كان الذي يجري يبعدنا قليلاً عن الموضوعية، بحكم أن للانتماء حقه وللمشاعر المشتركة وقعها، فبقليل من الابتعاد من تلك اللغة، لا بد من أن نتفهم نحن الأكراد ما يحاك لنا وضدنا، لأن ما حصل في كركوك ليس سوى صورة من الصور التي يتعرض لها الكرد، ليس فقط في العراق وحده، وإنما في كل رقعة جغرافية الحاضنة للأكراد والعمق الجغرافي لهم، وعليه فإن رسالتنا لا بد من أن تكون منصبة باتجاه العمل على حشد الطاقات، بهدف الضغط على مراكز القوى الدولية والرأي العام لتوضيح الصورة الحقيقية لما تحملها الأجندات التي تستهدف الكرد، إلى جانب الاشتغال على العامل الذاتي وفق ثقافة تحترم الاختلاف والتباين، لأن من شأن ذلك بناء جدران الحماية في مواجهة كل ما يتم التخطيط له بحق الأكراد، ومن شأن ذلك أن ينبه الآخر بأن الضحية لا يمكن لها أن تستكين إلى الذل والهوان، لأن صفة الضحية لا يمكن لها أن تكون قدراً تلاحق الأكراد إلى الأبد. روني علي - بريد إلكتروني