"إذا كنت تستهلك اللحوم في كل وجبة، وكانت مأكولاتك مُعَلّبة ومُعالجة كيماوياً ومستوردة، وسلة مهملاتك وبقاياك المنزلية مليئة أكثر من سلات الجيران، ومساحة بيتك كبيرة وعائلتك كثيرة الأفراد. واذا كنت تستعمل السيارة في تنقلاتك كلها ومحركها يحتوي"عدداً محترماً"من الأحصنة وتقود بسرعة كبيرة تثير إعجاب الغير وتقطع أطول مسافة ممكنة، وتسافر كذلك بالطائرة. وإذا كان صنبور الماء المفتوح على مداه لا يحرك فيك شيئاً، ويتطلب حمامك كمية ضخمة من الماء. إذا كنت كذلك، فلا تفخر بنفسك لا سراً أو علانية! إذ تعني تلك الأمور أنك من الأفراد الذين يدفعون بالكرة الأرضية الى خراب مضمون وسريع. وببساطة، فأنتَ مُلوّث للبيئة. أي إرث ستتركه لأبنائك؟ هل يرضيك أنك تورثهم عالماً ساهَمْتَ في دفعه إلى حال متقدمة من التدهور لم تعرفها الطبيعة من قبل؟ هل فكّرت في الأفكار التي ستَرِدُ في أذهان أحفادك، حين يعانون الأمرين من التلوّث الذي خلّفته مع آخرين، خصوصاً حين يقارنون بين حال الأرض كما ورثتها عن آبائك وأجدادك، وحالها كما تركتها لمن جاء بعدك؟ أنتَ، تعريفاً، مُلوّث للبيئة. لأن طريقة عيشك لا تتناسب بتاتاً مع وتيرة تجديد الموارد الطبيعية المتوافرة في كرتنا الأرضية التي يتزايد عدد سكانها باستمرار وتتضاعف متطلباتهم أيضاً". من خلال تلك الأسئلة وغيرها، يحاول الموقع الإلكتروني"إيكوفوت.أورغ" ecofoot.org شرح مفهوم"الأثر الإيكولوجي"Ecological footprints أو"الأثر البيئي". ويمكن تعريفه بأنه مقياس يرصد تأثير الذي تخلّفه مجموعة بشرية معينة على العطاء البيولوجي للأرض والمسطحات المائية وغيرها من المصادر الطبيعية، ويقارنها بالمقدار الكلي لتلك المصادر. والمعلوم أن الأراضي الناشِطَة بيولوجياً تمدّ البشر بما يحتاجونه من طعام وغذاء وطاقة، وكذلك فإنها تمتص ما يصدر عنهم من مخلفات ونفايات ومُلوّثات. وقد بات ذلك المقياس معياراً شائعاً في شؤون البيئة، الى حدّ أنه معتمد بين الحكومات والمؤسسات، كما يشيع في الأوساط الأكاديمية والعلمية أيضاً. ولأنه مقياس معياري، فمن الممكن تطبيقه على مستويات متعددة، تبدأ بالكرة الأرضية وتتدرج الى الدول وتصل الى حدّ قياس ما يخلفه الفرد من أثر في البيئة التي يحيا في كنفها. هكتارات من الارض المُنتِجة بيولوجياً قبل الدخول الى تفاصيل هذا المقياس، من المستطاع القول إن الوصول بمفهوم الأثر البيئي الى مستوى الفرد يمثّل تحوّلاً مهماً في مجال حماية البيئة. إذ غالباً ما يُعتقد بأن شأن البيئة والتأثير فيها سلباً أو إيجاباً لا يجرى إلا على المستوى الكبير مثل الدول والشعوب والجماعات. وفي المقابل، يشدّد مفهوم"الأثر البيئي"على أهمية مسؤولية الفرد في الحفاظ على البيئة، من خلال ملاحظة تأثيره الخاص فيها، وتالياً دعوته الى تبني نمط حياة يتلاءم مع البيئة ويؤثر فيها إيجاباً. وفي التفاصيل العلمية لپ"الأثر البيئي"أنه يُعَدُ بالهكتارات، باعتباره ناتج تقسيم المساحة المُنْتِجة والنشطة بيولوجياً من الأرض والماء على عدد السكان. وبمقتضى ذلك المقياس، يفترض إلا يتعدى"الأثر البيئي"للفرد عموماً مساحة 1.8 هكتار، أي أن تلك المساحة تُنتج ما يكفيه وكذلك فباستطاعتها امتصاص ما يخلّفه من نفايات ورواسب ومُلوّثات، كما يجب عليه الحفاظ على حيويتها وقوتها. وبقول مختصر، يمثل رقم 1.8 هكتار نقطة التوازن فردياً مع البيئة. وفي المقابل، يفيد موقع"إيكوفوت.أورغ"أن هذا التوازن لم يعد موجوداً، إذ تخطته جموع كبيرة من الأفراد. ويعني ذلك أيضاً أن الأنماط الشائعة من العيش باتت لا تتلاءم مع قدرة الكرة الأرضية ومصادرها الطبيعية، على الاحتمال! وبذا، يشكّل"الأثر الإيكولوجي"أداة ووسيلة لحساب أثر النشاطات الإنسانية على البيئة الطبيعية، وهو يُقَوّمُ المساحة الضرورية لإنتاج كل ما يحتاجه الفرد من غذاء وسكن ونقل وغيرها ومعالجة البقايا الناتجة من ذلك. ويفيد موقع"إيكوفوت.أورغ"أيضاً أن المعدل العالمي راهناً لپ"الأثر الإيكولوجي"هو 2.5 هكتار للفرد، ما يشير الى تجاوزه نقطة التوازن المفترضة. وبديهي أن يتفاوت ذلك المقياس بين الشعوب والدول. فمثلاً، يبلغ"الأثر البيئي"للمواطن الأوروبي 5 هكتارات. واذا عاش سكان الأرض كلهم على النمط الأوروبي، فسيحتاجون الى الموارد الطبيعية التي يحتويها كوكبان آخران كل منهما في حجم الأرض. ويحتاج الأميركي ليحافظ على نظام حياته إلى ضعف ما يحتاجه الأوروبي، إذ يبلغ أثره البيئي 10 هكتارات. وإذا قُلّدت طريقة العيش الأميركية، فيتطلب الأمر بالتالي 5 كواكب أخرى إضافية كخزان يزود الكرة الأرضية بما تحتاجه من موارد طبيعية! معضلة الفرد الإماراتي في هذا السياق، يثير الانتباه الرقم الذي يعطيه موقع"إيكوفوت.أورغ" ل"الأثر البيئي"للمواطن الإماراتي، والذي يبلغ 11.9 هكتار، وهو الأعلى عالمياً، أي أن التكلفة الإيكولوجية لنمط العيش في الإمارات عالية القيمة وغالية الثمن. وفي المقابل، فإن المقياس ذاته للمواطن في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى هو 2.2 هكتار، وأفريقيا 1.1 هكتار والهند 0.8 هكتار. ويُنبّه الموقع أيضاً إلى خطر آخر آت من شرق آسيا. فبالنظر الى الكثافة السكانية المرتفعة لتلك الدول، وكذلك لأن نظام الحياة اليومية فيها بدأ يخضع للنظام الغربي، فإنها باتت تشكّل ضغطاً شديداً ومتفاقماً على الأرض وبيئتها، ما يدعو الى القلق الشديد أيضاً. ويُشدّد الموقع على ان الإنسان النموذجي، ببساطة، هو الذي يمشي في تنقلاته على رجليه. وإذا احتاج الى وسيلة نقل، فإنه يلجأ في الدراجة الهوائية والمواصلات المشتركة والعامة. وكذلك يعتمد في غذائه على المأكولات الطبيعية التي تبتعد إلى أقصى حد ممكن عن التصنيع. ويلاحظ ان الإنسان كلما مال إلى النظام الطبيعي في العيش، اعتنى بصحته وتزايد احترامه للعالم الذي يعيش فيه. والأرجح أن هذا التوازن هو الذي يسمح بالعيش في توافق مع المحيط الطبيعي، مع ترك فرصة للموارد الطبيعية لتُعيد تجديد نفسها بنفسها، حرصاً على استمرار سلسلة الحياة فوق هذه الأرض: هذه العملة النادرة في الكون. ولعل من البديهي أيضاً التذكير بأن الإنسان جزء من المحيط الطبيعي الذي يحيا في ظلّه. وتالياً، فإن المبالغة في نمط العيش أو في التكاثر السكاني، تؤثر سلباً في توازن نظام طبيعي ارتسم عبر ملايين السنين. ويسأل الموقع عن الذنب الذي اقترفته الأجيال المقبلة لترث عالماً خرّبه آباؤهم وأجدادهم وأنهكوه. ويُشدّد الموقع على أن الضغط البشري المتراكم أدى الى تناقص تدريجي في الموارد الطبيعية، لوحظ منذ سبعينات القرن الماضي. كأن البشر باتوا في حاجة إلى كوكب آخر أو أكثر ليزودهم بما يحتاجون اليه. ونظراً الى استحالة ذلك، يبقى الحل تغيير نمط العيش والتعامل مع البيئة ومواردها. أما إذا بقيت الأمور في مسارها الراهن، فلا شيء يوقف الارتفاع في حرارة الأرض، ولا يحدّ من ارتفاع مياه المحيطات، وكذلك بالنسبة الى تآكل مساحة الأراضي الصالحة للزراعة ومساحات الثلوج في القطبين وغيرها. وفي خطوة عملانية، يقدم موقع"إيكوفوت.أورغ" أداة تشبه الآلة الحاسبة تمكن الفرد من معرفة أثره الإيكولوجي في الكوكب. وكأنها دعوة الى محاولة البدء من"هنا والآن"لتغيير مصير العالم ومن خلال تصرفات عادية وطبيعية وكذلك من طريق رفع وعي العائلة والأقارب والجيران بالمشكلة البيئية وطرق التعامل معها فردياً وجماعياً.