تمضي سَلْطنة عُمانْ قدماً في سيرها نحو تحقيق مفهوم "المجتمع الرقمي" Digital Society. وأنشأت سلطاتها الرسمية مئة موقع حكومي حتى الآن، ودعمت وصول تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات وانتشارها اجتماعياً. وفي المقابل، وفرت شركات الاتصالات دعماً قوياً للكثير من الأندية الرياضية، وقدّمت شركات الكومبيوتر برامج لبيع الحواسيب بشروط ميسرة للأهالي، إضافة الى تسهيل الاشتراك في الانترنت. وفي هذا السياق، نظّمت"الشركة العُمانية للاتصالات"عُمانتل أخيراً ندوة حول استراتيجيات التحوّل إلى استخدام"الجيل السادس من بروتوكول الإنترنت"6th Version of Internet Protocol . وعكس العدد الكبير للحضور مستوى الرؤية التي تتطلع إليها الحكومة العُمانية، إذ حضر 300 مشارك من مؤسسات حكومية وخاصة تجمعهم رغبة العيش في مجتمع عُماني رقمي. والمعلوم أن شبكات الجيل التالي ستعتمد على"بروتوكول الانترنت الإصدار السادس"واختصاراً"أي بي في 6"Pv6 لتأمين الحاجة المتزايدة لإنشاء مواقع جديدة، ولاستخدام الانترنت على مدار الساعة في إداء مختلف شؤون الحياة اليومية، بدءاً من التجارة وانتهاء بالتعليم والتواصل الشخصي والمكالمات عبر الشبكة العنكبوتية وغيرها. ويؤمن"أي بي في 6"خصائص مثل الحوسبة المتنقلة "موبايل كومبيوتنغ Mobile Computing والأمن المعلوماتي وغيرهما. وقد شرع كثير من الدول بالاستعداد لإستبدال شبكات الانترنت من الجيل الحالي بالجيل المقبل المُعتمِد على"أي بي في 6"، من خلال برامج تدريبية ومنتديات للخبراء وحلقات العمل المتخصصة بهذا الموضوع، وكذلك من خلال بناء شبكات تجريبية تستخدم الإصدار السادس لبروتوكول الانترنت. واعتبر الرئيس التنفيذي ل"عُمانتل"الدكتور محمد بن علي الوهيبي تنظيم السلطنة للندوة جزءاً من التحدي الذي يواجه مشروع"مجتمع عُمان الرقمي". ورأى أن ذلك المجتمع يتبلور تدريجياً من خلال تزايد استخدام تقنيات المعلوماتية والاتصالات المتطورة. ودعا الى البحث عن طرق لاستيعاب النمو في المواقع على الشبكة العنكبوتية، وتالياً التوصل الى حلّ ملائم لمشكلة نفاد عناوين بروتوكول الانترنت. وحَثّ على تضافر الجهود لمواجهة التحديات المستقبلية في الانترنت من خلال تطوير البنية التشريعية والتنظيمية المتصلة بالشبكة وخدماتها، ومشغلي خدمات الاتصالات، والعلاقة بين القطاعين العام والخاص. نفاد عناوين الانترنت وأكّد الوهيبي النمو المتسارع في استخدام شبكة الانترنت في التجارة والأعمال الحكومية والخاصة. وأشار إلى ان شركات الاتصالات تدأب على نقل أجزاء من الاتصالات الدولية إلى الانترنت، كما تطوّر تقنياتها لكي تستطيع التعامل مع بروتوكولات الانترنت. ورأى الوهيبي الذي يصفه البعض بأنه عَرّاب دخول الشبكة العنكبوتية الى عُمان, أن هذه الخدمة تعد وسيلة للنشر والاتصال، إضافة الى كونها فضاء للتواصل الاجتماعي والترفيهي بين سكان المعمورة. وأشار الى أن حجم المحتوى الرقمي، وخصوصاً المواد المرئية المسموعة، ينمو بأرقام خيالية. وشدّد على أن الفيديو الرقمي الخاص بموقع"يوتيوب"You Tube وصل إلى 600 بيتابايت البيتابايت Pettabyte تساوي ألف مليون بايت في منتصف عام 2007. ويتوقع الخبراء أن تُقاس الحركة في الانترنت بالإكزابايت تساوي ألف بيتا بايت والزيتابايت تساوي عشرة إكزابايت مع حلول عام 2015. ونبّه الوهيبي إلى أن النمو في عدد مستخدمي الشبكة وبالتالي عدد الحواسيب المرتبطة بها، أدى إلى نضوب الأرقام التعريفية التي تُشكّل العناوين التقنية للأجهزة المتصلة بالانترنت، إذ يتوقع الخبراء استنفادها بالكامل خلال بضع سنوات، الأمر الذي يؤدي فعلياً إلى توقف النمو في أعداد الحواسيب المرتبطة بالإنترنت. وأشار إلى ان الجهة المختصة بصرف تلك العناوين بدأت فعلياً ترشيد إصدار عناوين جديدة. ورأى الوهيبي الحل في"الجيل السادس من بروتوكول الانترنت" الذي يقدر على تأمين متطلبات المشتركين من عناوين برتوكول الانترنت في المستقبل، منوّهاً بسعي معظم الدول لإحلاله في شبكاتها من خلال خطط وطنية وبرامج تدريبية ومنتديات للخبراء والمهتمين. ولم يغفل الوهيبي الحديث عن العقبات التقنية في الانتقال الى"أي بي في 6"، مُلاحظاً أن أبرزها يتمثل راهناً في قلة عدد الحواسيب والخطوط التي تربط الناس بالشبكة الدولية للكومبيوتر. ولاحَظَ أن عدد أجهزة الحاسوب الآلي التي تباع في السلطنة لا يزال منخفضاً مقارنة بالدول المجاورة فاهتمام الناس بشراء الحواسيب ما زال دون مستوى الجوار."هذا يمثّل عائقاً، لأنه حتى لو توافر الخط فلا يتوافر الكومبيوتر... ولا بد من وجود تناغم بين توفير الخطوط وتوفير الحواسيب". وأورد أن بعض الدول مثل مصر والأردن واليمن والمغرب، أطلقت برامج وطنية من خلال تقديم حواسيب شبه مجانية ومدعومة كلياً من الحكومة، وذلك لتسهيل دخول الناس الى البيئة الرقمية المعرفية. ولاحظ أن توافر الكومبيوتر هو المدخل الأول للأفراد والعائلات للانتقال إلى البيئة الرقمية، وتعرّفها الى المزايا العديدة والمتوافرة من خلالها، فيُصبح الخروج منها صعباً. وقال الوهيبي:"إن توفير الكومبيوتر يُشكّل الخطوة الأولى للدخول للبيئة الرقمية، ما يعني انه يجب على الأفراد والعائلات شراء الحاسوب الآلي". وأكد أيضاً ان الانتقال الى بيئة المجتمع الرقمي يواجه مشكلة التوّسع العمراني في السلطنة. موضحاً:"هناك ميل للاعتماد على الانتشار الأفقي وهذا معناه وجود الكثير من الأحياء والبيوت في صورة متباعدة بمعنى أنها ليست متجمعة... وهناك أيضاً مناطق مخططة ولكن لا خدمات فيها، ولذا يصعب توصيل الخطوط وهو الشق الثاني من الربط، وهذه الأمور تعتبر تحدياً، كما أنها مرتفعة التكلفة وتتطلب وقتاً أطول مقارنة بالبنايات السكنية المتجاورة التي يستطيع خط كابل أن يوفر لها خدمة سريعة وفي وقت قصير". ولاحظ أيضاً أن زيادة المنافسة في سوق الاتصالات تعتبر تحدياً آخر. وقال:"ستتسابق الشركات في تقديم خدمات متميزة بتعرفة مناسبة، لاستقطاب مشتركين جدد والعناية بهم والحفاظ عليهم، ما يؤدي إلى تحسين الخدمة ورفع الجودة في شبكات الاتصالات وبالتالي فإن المستفيد من ذلك هو المشترك". البيئة المعرفية في السياق عينه، اعتبر الرئيس التنفيذي ل"هيئة تقنية المعلومات"سالم بن سلطان الرزيقي أن استراتيجية عُمان الرقمية تسير في شكل متميز. وقال:"لقد قفزت البلاد 28 مركزاً في التصنيف العالمي في مجال البيئة المعرفية والتكنولوجية. ويعتبر هذا علامة اساسية وشهادة من المجتمع الدولي بأن السلطنة تواصل تقدمها في مجال التحول للمجتمع الرقمي". وأشار إلى وجود وفرة في المشاريع التي تعمل عليها الهيئة، مُبيّناً أنها ستدشن قريباً بوابة الدفع الرقمي."هناك مشاريع تتصل بالبنية الالكترونية التحتية، وأخرى تتعلق بتنمية الكادر البشري مثل تدريب موظفي الخدمة المدنية. وكل هذا يعتبر جزءاً من استراتيجية بناء مجتمع عُمان الرقمي، ويتحقّق بفضل التعاون بين القطاعين العام والخاص". واضاف الرزيقي إلى ذلك أهمية الشركات التي تقدم خدمات المعلوماتية والاتصالات في تطوير التقنيات وتبني الجديد منها، مثل"أي بي في6"، لأن الجمهور يعتبر مستفيداً من الخدمة ولا يهمه التقنية بقدر اهتمامه بالحصول على الخدمات". وأخيراً، يصعب إغفال الإشارة الى ان الإنترنت تمثل في جوهرها شبكة للاتصال. لقد غيّرت تلك الشبكة مفاهيم كانت تعتبر أن التواصل مع الآخر يتطلب موازنة كبيرة، فإذا بالأشياء تصل بلمح البصر. ولم تعد هذه التقنية محصورة بين جدران المؤسسات والأثرياء بل دخلت بيوت الفقراء لتكون الداعم الأكبر لتواصلهم بطريقة آمنة ورخيصة. وفي بداية الستينات من القرن الماضي التي لم يكن يعرف أسرار هذه التقنية سوى 15 شخصاً في الولاياتالمتحدة، لكنها اكتسحت العالم. ووصل عدد مستخدميها الى بليون وأربعمئة مليون مستخدم في آذار مارس 2008، أي ما يعادل 21 في المئة من قاطني المعمورة.