يحرص كثيرون من الفنلنديين تجاوزوا الأربعين على ممارسة رياضة المشي يومياً خلال الصيف باستخدام العصي أو ما يعرف في فنلندا ب"النورديك"، اي تزلج فاقدي الذاكرة. لكن هذه الرياضة تثير الدهشة على رغم انتشارها منذ سنوات، إذ لا تزال تعد"غريبة"بالنسبة الى البعض أو مضحكة أحياناً بالنسبة الى آخرين، لا سيما في أوساط الوافدين حديثاً الى البلاد، إذ يستخدم ممارسو"مشي النورديك"عصي التزلج على الجليد نفسها التي تستخدم في رياضات الهوكي والتزلج أسفل الجبال. فللوهلة الأولى قد تظن نفسك امام مشهد شتوي بامتياز على احدى الطرقات. وإذا كان الثلج مرتبطاً بقوة بحضارة أهل الشمال القطبي ويغلب على طبيعة الحياة ومظاهرها، فإن أول ما يتبادر الى الأذهان انها عادة من عادات الفنلنديين الأوائل كالسونا، ثم سرعان ما تدرك انك في فصل الصيف ولا يوجد بالفعل اي أثر للثلوج من حولك. فما يتراءى لناظريك هو مشهد عادي من يوميات المدينة."متزلجون"منفردون او على شكل مجموعات صغيرة يقتحمون هدوء الأرصفة وجوانب البحيرات في فترات ما بعد الظهيرة للاستمتاع بدفء شمس الصيف القصير في أقصى الشمال. "النورديك"رياضة شعبية تعطي دافعاً نفسياً واجتماعياً وإحساساً بالراحة والصحة، بحسب أحدث التقارير التي تلحظ انتشارها في البلدان الأوروبية المختلفة، اما اليوم، فقد يتجاوز عدد هواتها عتبة المليون شخص، فيما اختبرها نحو نصف عدد السكان مرة على الأقل. وتستطيع بسهولة ان تشاهد في العاصمة هلسنكي اشخاصاً مع عصي التزلج للتخلص من ضغط العمل أو للتخفيف من الوزن الزائد. واللافت ان"النورديك"انتقلت عدواها الى السويد وألمانيا وسويسرا وحتى الى الولاياتالمتحدة وكندا، فهي لا تتطلب الكثير من المال أو الأدوات وتناسب كل الأعمار لسهولتها. فما تحتاجه فقط هو شراء عصي التزلج التي بدأت بتطويرها شركات تصنيع الأدوات الرياضية لتصبح ملائمة اكثر من المشي. يقول كاري لاوكنين 53 عاماً أحد هواة"النورديك":"منذ اكثر من عشر سنوات بدأت بممارسة المشي. كان جميع أفراد العائلة يعبّرون عن سخريتهم، لكن سرعان ما تقبلوا الفكرة. الأهم في الأمر أنني أرغب في الخروج من الروتين في ساعات العمل امام شاشة الكومبيوتر وأوجاع الرقبة الى الهواء الطلق". وما يثير الإعجاب ان نحو 94 في المئة من الفنلنديين بين سن ال19 و65 يمارسون على الأقل نوعاً من الرياضات المختلفة، ما يدفع الحكومة الى دعم الاتحادات الرياضية، في بلد تتحول فيه البحيرات في الشتاء قطعاً جليدية ضخمة، ما يستدعي التعويض عن ذلك بأرصفة خضراء وأجواء بيئية رحبة.