بانتخابه الأمين الجديد عبدالإله بن كيران يكون حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي اختار الانعطاف في اتجاه الواقعية السياسية والانفتاح على بقية الشركاء السياسيين في المعارضة والموالاة في المغرب. وذكرت مصادر حزبية أن الأمين العام الجديد بن كيران حاز 684 صوتاً في الاقتراع المباشر على حساب زعيم الحزب السابق سعدالدين العثماني الذي حصل على 495 صوتاً في مقابل 14 صوتاً للمرشح الثالث عبدالله باها. ويعتبر بن كيران من مهندسي الاعتدال والوفاق داخل"العدالة والتنمية". وعلى رغم أنه كان مثل رفيقه العثماني وقياديين آخرين أعضاء في تنظيم"الشبيبة الإسلامية"المتطرف في سبعينات القرن الماضي والذي انبثق عنه تيار"الاصلاح والتوحيد"، ثم"الحركة الشعبية الدستورية"بزعامة الدكتور عبدالكريم الخطابي، ف"العدالة والتنمية"الحالي، فإنه ظل يقود تياراً معتدلاً على عكس قياديين آخرين مثل المحامي مصطفى الرميد والنائب ابوزيد المقرئ، فيما حافظ الدكتور سعدالدين العثماني على تفاعل التيارات داخل الحزب، وإن كان النائب السابق محمد خليدي الذي عرف بقربه من الدكتور عبدالكريم الخطيب انشق عن الحزب وأسس حزب"النهضة والفضيلة". بيد أن"العدالة والتنمية"حافظ على تماسكه على رغم تلقيه ضربات عدة على خلفية انخراط المغرب في الحرب على الإرهاب وتداعيات الهجمات الانتحارية في الدار البيضاء عام 2003. ويرى مراقبون أن مؤتمر"العدالة والتنمية"، على رغم اطاحته بزعامة العثماني، فإنه لم ينجذب وراء صراعات الأجنحة، كما في تجربة غريمه"الاتحاد الاشتراكي"الذي لم يستطع الى الآن انتخاب قيادة جديدة منذ استقالة زعيمه السابق وزير الدولة محمد اليازغي. وقلل منتسبون للحزب من استبدال العثماني، كون قاعدة المؤتمر اختارت عبدالإله بن كيران، ما يعزز الديموقراطية الداخلية في الحزب، وإن كان جدل أثير حول الطروحات السياسية للحزب. وقال قيادي في"العدالة والتنمية"إن المؤتمر صدّق على مشروع الطروحات السياسية والتعديلات التي أدخلت على قوانين الحزب بالإجماع، تاركاً للمجلس الوطني البتّ النهائي في الصيغة المقترحة في غضون الإبقاء على مرجعية الحزب في"بناء مجتمع تحكمه مبادئ العدالة والانخراط في ضوابط التجديد والتحديث وتعزيز دور دولة المؤسسات في اطار المرجعية الإسلامية". ولفتت المصادر الى أن غلبة التيار المعتدل داخل الحزب يعزى الى التكتيك الذي ينهجه في تعزيز نفوذه التدريجي، فبعد أن كان عدد نوابه في البرلمان لا يزيد على 14 نائباً، احتل الرتبة الرابعة في انتخابات 2003 ثم الثانية في انتخابات العام الماضي. وإن كانت هذه الأخيرة ميزها تقديم مرشحين عنه في كل الدوائر الانتخابية، بعدما كان هذا الحزب لا يترشح في السابق في الدوائر كافة. وساد اعتقاد في إمكان قيام تحالف بين"العدالة والتنمية"و"الاستقلال"و"الحركة الشعبية"لتأمين غالبية نيابية، لولا أن رئيس الوزراء عباس الفاسي اختار الإبقاء على تحالفاته داخل"الكتلة الديموقراطية"مع كل من"الاتحاد الاشتراكي"و"التقدم والاشتراكية"وبعض الأحزاب اليمينية. غير أن"العدالة والتنمية"لم يلجأ الى التصعيد في مواجهة حكومة الفاسي على رغم استبعاده منها، ما يدفع الى استخلاص أن الجناح المعتدل داخله أحكم سيطرته على الحزب، أقله الإبقاء على خيوط الاتصال والانفتاح على كل الشركاء الحاليين والمحتملين. وتذهب أوساط الى أن استحقاقات الانتخابات البلدية العام 2009 ستشكل المحك لاختيار توجهات الحزب، خصوصاً أن مجلس المستشارين الغرفة الثانية في البرلمان يضم نسبة ثلث أعضائه من بين كبار المنتخبين المحليين، عدا أنه يملك بدوره صلاحية سحب الثقة من الحكومة بعد توجيه انذارات. غير أن صورة التحالفات المرتقبة بين الحزب وشركائه في المعارضة قد تدفع في اتجاه تفعيل دور المعارضة في مواجهة حكومة رئيس الوزراء عباس الفاسي في حال بدت الظروف ملائمة للتصعيد، لا سيما أن"العدالة والتنمية"استفاد كثيراً من انتقاله الى المعارضة بعد أن كان يساند حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالرحمن اليوسفي، وأهّله وضعه المريح في المعارضة لحيازة الرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية لعام 2007. وكان الغياب الملحوظ للناخبين في ذلك الاقتراع هيمن على نقاشات المؤتمر، وإن كان الاعتقاد السائد أن الناخبين الموالين ل"العدالة والتنمية"لم يخلفوا الموعد مع صناديق الاقتراع.