قد تجذب رواية ناهيد رشلان"بنات ايران"دار الكتاب العربي، بيروت 2008 القارئ إليها، لكنها تظل رواية القراءة الواحدة، بأسلوبها الواقعي، لكن هذا لا يعني أنها سطحية أو بناؤها الفني غير متين، بل ان هذه السيرة الذاتية ذات القالب الروائي في قالب روائي، تتصالح مع الماضي في أكثر من جانب منه. لا شك في أن الكاتبة تعرب عن هواجسها وتتحدث في معظم كتبها عن هاجسين أو ثلاثة يتكرران مرة تلو مرة، وتجرب أن تضيف إليهما. هنا كما نلاحظ كتبت المؤلفة الإيرانية بالإنكليزية السيرة الذاتية الصريحة من دون انتقاص، كما في كتبها السابقة وفق قولها، لأنها لم تعد مضطرة الى المواربة، ما لا ينفي عن شخوص روايتها إمكان النظرة إليها على أنها شخوص روائية متخيلة، بل إن المؤلفة لا تقرر مصائرها، وتكتفي بإيراد المصير الذي انتهت إليه. رواية كلاسيكية جميلة، بقالبها وترتيب أحداثها والنقلة المدروسة بين فصولها. تركز على مسائل ثلاث في، هي"عقدة التبني"إذ إن أم المؤلفة"محترم"أهدتها الى أختها مريم، تسع سنوات، حتى استردها الأب عنوة. وكان السؤال المحير الذي عذبها طوال حياتها، لماذا تخلت عنها الأم بهذه السهولة؟ أما المسألتان الأخريان فترتبطان بالحرية، حرية التعبير وحرية المرأة في الشرق، لأننا كما نستشف من روايتها، تخضع المرأة في إيران لنظام أبوي في"تفاصيله"البسيطة. فالشخصية المتمردة التي كانتها، هي وأختها"باري"اختلف مصير الواحدة منهما بسبب اختلاف الجغرافيا، الأولى هاجرت الى أميركا وتملصت من قيود التقاليد، فيما رزحت الثانية تحتها وقضت في نهاية غريبة، كل هذا لأنها بقيت في بلدها. تصور المؤلفة مجتمعاً إيرانياً دور الآباء فيه يقتصر على إصدار الأوامر، كأي مجتمع شرقي. والطريف أن المؤلفة تصور الأب وكأنه شرطي من السافاك استخبارات الشاه وهو يدقق في ما تقرأ أو تكتب، خوفاً على العائلة، لكنه على الأقل"شرطي"عادل، على عكس السافاك التي تحمّلها المؤلفة مسؤولية الثورة وما انتهى إليه الشعب من انضواء تحت عباءة الملالي وإن كان يعارضهم. وهي تلفت في النهاية الى أن الجمهورية لم تأت أفضل من حكم الشاه. فزبانية الأول كانوا يتدخلون في ما يقرأه الناس والآن يتدخل الحرس الثوري في خصوصياتهم، وفي قراءاتهم. القمع بقي هو هو بل ازداد، وتغير الأشخاص فقط. هذا الجزء من السرد السياسي، لا يمكن فصله عن الحوادث والمصائر، فالمآل الذي يؤول اليه بعضها يعود الى سيطرة رجال السلطة كما في حال قانون الأحوال الشخصية، الذي كان يؤمل بتغييره تحت حكم الشاه وصار تغييره مستحيلاً في الجمهورية الراهنة. والنتيجة أن إيران ليست بلد المتمردات ولا الحرية الفكرية، ونتذكر هنا فيلم"برسيبوليس"الذي عرض في صالات عربية، حيث تنقل المخرجة مرجان ساترابي الأجواء ذاتها مع فرقين، ان أهلها كانوا متحررين حقاً، وأنها من جيل اصغر، نشأ تحت الثورة وتمرد عليها. هكذا يمكن القول ان المؤلفة ترد الى أحوال المرأة في بلدها سبب فقدان اختها في حادث غريب بعد طلاقها وحرمانها رؤية ابنها. الحرية الوحيدة لپ"باري"كانت في المصح حيث أدخلها زوجها الثاني، لظنه أنها تعاني الانفصام، فاكتشفت انهم هناك لا يهتمون بأقوال المرضى ولا بأفعالهم. مشهد قاس جداً حيث تظن"ناهيد"أن"باري"لو استطاعت التعبير عن نفسها بالفن كما كانت تشتهي، ولو كانت في بلد آخر، لما فقدتها. الرواية إذاً لذكرى"باري"، لكن بعضاً من أجمل مقاطعها ذلك الذي يصف علاقتها بأمها"محترم"عندما أعادها الوالد الى البيت، وتأملاتها في ما جربته من انفصال قسري عنها، وفي أسباب التخلي عنها بسهولة. لذا نعتبر أن الرواية اكتسبت"عقدة"تشدّ أواصرها وهي تتمثل بهذه المشكلة. المضحك المبكي أن المؤلفة أصيبت بما يشبه الحذر من الكتابة باللغة الأم، عندما هاجرت الى أميركا. أحست أن الكتابة بالإنكليزية كانت تمنحها حرية لا تشعر بها عند الكتابة بالفارسية على رغم أنها كانت لا تزال تتلقن اللغة الجديدة. وقد برعت المؤلفة في الإيحاء بما تريد، برهافة وبشيء من التأثر بمشاهد الأفلام، تلك الأفلام التي كانت تشاهدها وباري وتظنان انهما تحصلان على"قطعة من أميركا". "أميركا أميركا"إيليا قازان، أميركا وتمثال الحرية المشوه، صدمة عرفتها المؤلفة أيضاً. حين اكتشفت أن التحرر هو في مواعدة الشبان فقط، أما المجتمع فكان يهيئ الفتاة للدور نفسه الذي يهيئها له المجتمع الإيراني. ثم انها اكتشفت وجه"تمثال الحرية"الآخر عندما حدثت أزمة رهائن السفارة الأميركية، فتعرض الإيرانيون في الولاياتالمتحدة للاضطهاد. حتى علاقتها بزوجها عرفت فتوراً لشدة ما ذم بلدها وشعبها، على رغم أنها لم تكن تؤيد الثورة. رواية ناهيد رشلان مكتوبة لقارئ غربي، لأن المؤلفة لا تني تشرح بعضاً من الحوادث التاريخية أو التقاليد الفارسية، مختصرة ملامح بلد، عاش تحت نظامين.