في الركن الأيمن للمقهى المكتظ بالشبان، شرق العاصمة الأردنية عمّان، طفل في السادسة يرتدي لباس هداف كرة القدم الإيطالي، لوكا توني، رقم"9"، وعلى وجهه رسم لعلم إيطاليا. يقفز برفقة أحد أعمامه كلما هددت إيطاليا مرمى المنتخب الفرنسي، الذي اتخذ مشجعوه الركن الأيسر في المقهى ذاته. والد الطفل من عشاق المنتخب الفرنسي انفصل عنه قرابة الساعتين وجلس قبالته في الزاوية الأخرى. سجلت إيطاليا أول هدف لها... والثاني... حسمت المباراة لمصلحتها! لم تنته الحكاية هنا، فالولد المولع ب"الطليان"بدأ يحتفل مع أعمامه والمشجعين الآخرين، وعمد إلى استفزاز والده، الذي على رغم حزنه الشديد على خسارة فريقه المفضل، وخروجه من المنافسة، طبع قبلة عميقة على وجنة الولد المتحمس، وقال له بحب كبير"مبروك بابا... المهم تكون مبسوط". حكايات كثيرة يسهل رصدها في مقاهي العاصمة الأردنية، عمّان، فحمى كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم اجتاحت المنازل والأماكن العامة، ولم تنته تأثيراتها بعد. "إنه موسم في غاية الأهمية لا يتكرر إلا في أحداث رياضية استثنائية تأتي كل سنتين أو أربع، كالمونديال الأوروبي، وكأس العالم لكرة القدم هذا مصدر رزق جيد لا يتكرر كثيراً"، يقول محمد العامل المصري، وهو ينظف المقهى بعد ليلة صاخبة، ويلملم ما تبقى من رماد جمر النراجيل، وفتات زجاج متناثر، لم يتمكن من السيطرة عليه، إثر موجة صخب بتسجيل هدف، راح ضحيتها أكثر من خمسة كؤوس وفناجين بما فيها من مشروبات. محمد، الذي يؤكد أنه لا يمكن أن يبوح باسم فريقه المفضل، كي لا يتعرض لغضب زبون يشجع فريقاً آخر، تمنى لو كان من بين رواد المقهى. لكنها"لقمة العيش"التي تحتم عليه أن يبقى يركض كلاعب محوري ما بين الركن الأيمن، والأيسر، والطابق السفلي، والعلوي، يرصد طلبات الزبائن، ويعدها برفقة زملائه. وتستعد المقاهي عادة لهذه المواسم الكروية، بتجهيز شاشات عملاقة، بعد أن تتأكد من سريان مفعول الاشتراك بالفضائية التي تبث المباريات. ويبدأ التنافس بين المقاهي على اجتذاب الزبائن إن بتزيين الجدران بملصقات عملاقة لنجوم كرة القدم المفضلين لروادها، أو حتى بإرسال رسائل"sms"على هواتف الزبائن النقالة تذكرهم بموعد مباراة فريقهم المفضل. فقبل أيام على انطلاق بطولة أوروبا لكرة القدم عمدت المقاهي إلى تسجيل معلومات الزبائن كلها لدى موظف الاستقبال. وغالبية رواد المقاهي الشعبية هم من الشبان الذين يقبلون في العادة أكثر من الفتيات على متابعة مباريات كرة القدم، والانسجام معها. بل إن العديد من هذه المقاهي يستهجن دخول أنثى، قد تبدو وحيدة بين مئات الذكور. وصحيح أن القانون لا يحدد دخول هذه المقاهي على جنس من دون آخر، لكن طبيعة المنطقة، وطبيعة القائمين على المقهى تجعله مرتبطاً بنسق معين. إلا أن ذلك لا يعني أن تقتصر الأجواء الصاخبة المصاحبة لركلات اللاعبين، على الذكور، فللإناث نصيبهن أيضاً، ولكن في المقاهي المفتوحة للجنسين وهي غالباً في المناطق الراقية من العاصمة. مها، الطالبة الجامعية، التي ارتدت زي المنتخب الألماني، كانت شديدة التأثر وهي تتابع فريقها المفضل في"مباراة صعبة"أمام البرتغال، كما وصفتها. كانت برفقة خطيبها منذر الذي لا يحب كرة القدم، وصديقهما سامر، الذي يشاركها تشجيع الألمان، وعادة ما يتعمد استفزاز منذر"أستغرب كيف تنسجم مها مع كرة القدم، وأنت الشاب لا علاقة لك بالأمر. لو كنت مكانها لما أتممت الخطوبة". فيرد منذر بشيء من العصبية"وأنا مالي؟ عن جد مجانين! أكثر من عشرين واحد بركضوا ورا كرة". كبار السن، كما الأطفال، كانوا حاضرين أيضاً، وإن في شكل غير بارز، فعشاق كرة القدم منهم يفضلون الاستمتاع بها وسط جو هادئ وصحي في المنزل، وليس في الصخب وأنفاس النراجيل و"وجعة الراس"، على حد تعبير أحدهم. مقاه شعبية مخصصة للشبان، وأخرى راقية تستقبل الجنسين، يجمعها أنها تتجند لتلبية هوس آلاف الشبان والشابات في الأردن، لمتابعة بطولات كرة القدم العالمية، وقضاء أوقات من المتعة، والإثارة، والتحدي، وتوثيقها فوتوغرافياً، أو بالفيديو، وأحياناً نشرها على الإنترنت، عبر مواقع عدة كپ"اليوتيوب"، و"الفايس بوك"، الذي يضم العديد من المجموعات الأردنية لمشجعي الفرق العالمية.