يشعر اصحاب المطاعم وسائقو سيارات الأجرة بكثير من الامتنان لمونديال الشباب الذي يتواصل في مدن الإمارات الى 19 كانون الأول ديسمبر الجاري، لأنه وفر توافد 24 منتخباً عالمياً من بينها منتخبان عربيان الى جانب المنتخب الاماراتي المضيف مع طواقمها الفنية والإدارية. سياسة بطاقات الدخول المجانية والأبواب المفتوحة في الملاعب صنعت حراكاً اجتماعياً واقتصادياً استفاد منه ارباب المطاعم وسائقو سيارات الأجرة بصفة جيدة، ولا شك في أن كوادر ومنتسبي الأجهزة الأمنية، في جمعهم الليل بالنهار وتيقظهم الدائم وانتباههم للتفاصيل الدقيقة، اصبحوا متفهمين اكثر لقدرهم في مدن لا تعرف السكون بعدما صارت قبلة لكل الوفدين من أرجاء العالم بعد ايام قليلة من استحقاق آخر خاص باجتماعات الصندوقين الماليين الدوليين... في انتظار الغد ومهرجانات التسوق. تعود الناس هنا على مزايا الرفاهية وتلفزيون الحكومة الذي يؤمن النقل المباشر لكل مباريات الدوري المهمة ومنافسات المنتخبات الإقليمية والدولية، لكنه اصيب بالسكتة عبر نقل وقائع هذا المونديال حصرياً على تلفزيون الشبكة المعروفة، فعاد الناس لعوائدهم الأولى وطقسهم الصباحي في قراءة الجرائد... وبعد نهاية الدوام وقيلولة الظهيرة المستحبة، تنتعش الحياة في المقاهي ما بين الشاي المغربي وأصوات النرجيلة والفرجة الجماعية على المباريات. ربما بدا مستغرباً أن تفرز العولمة اضدادها في تقدمها الزاحف نحو عالم بلا حدود ولا جدران، لكن جماهير مونديال الشباب في المدرجات وخارجها، اشارت الى تنامي الشعور القومي في شكل لافت والذي تجسد في الاحتفال وألوان الانتصار المتعددة لرايات المنتخبات سواء كانت إماراتية او سعودية او مصرية الأكثر حضوراً، او جماهير الجاليات الأجنبية التي جسدت فرحتها عبر التوشح بقمصان منتخباتها واعلامها وزينة شعورها وأصباغ الوجه المختلفة، ما يعني ان شباب اليوم بقدر ايمانه بالانفتاح على العالم والآخر، فإنه في اعماق اعماقه ولحظات الإحباط او الفرح، يبدو على حقيقته الأولى برازيلياً أو كولومبياً او انكليزياً او اماراتياً... فتبين أن عولمة الاقتصاد او الثقافة او الكرة، لا تفيد بالضرورة عولمة المشاعر والحس القومي. في نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي وقمة الطفرة الرقمية، قرأ الناس فاتحة الكتاب على الصحف والجرائد اليومية... بشروا بعهد الصورة المختلفة ألوانها والمتحكم فيها عن بعد، وتدافعوا نحو معاهد التدريب لاكتشاف مغارة "علي بابا" المعرفية المسماة بالانترنت... وبعد ان اصبحت الطباق اللاقطة تملأ اسطح منازلهم وابراجهم السكانية... وقطعوا خطوات في الثقافة الرقمية، اصابتهم مرحلة ما بعد الحداثة في مقتل. يتابع الناس جميعاً التلفزيون عند الحرب، ويهتم بعضهم بالأفلام وآخر بأنباء الاقتصاد ومسلسلات الأطفال المسلية احياناً، لكنهم كانوا في السابق يجتمعون على لحظة واحدة هي بداية مباراة في كرة القدم، حيث تقفر الشوارع وتنخفض حركة السير الى ادنى درجاتها ويلتزم الجميع بالبيوت والمنازل. ثم حلّت الألفية الجديدة، وبعد ان ادركت قوى المال والأعمال بلوغها مرحلة التعود على فرجتهم المفضلة كرة القدم، اخترعت نظام حقوق النقل الحصري، فاكتفت تلفزيونات الحكومة بالنقل المحلي. وصارت اهم البطولات العالمية على مستوى الأندية والمنتخبات مشرعة فقط لمن يملك حق الدفع، وحصل الانقسام العظيم ما بين الناس. قرّ اصحاب الشبكة والأقلية في بيوتهم، لكن غالبية الناس كان لها ان تتكيف مع الواقع الجديد وتبحث عن آليات تمنحها متعتها الأولى وتخترق الحصرية وحواجز الشبكة، فعاد الناس الى طقوس شراء صحيفة الصباح. شهدت مبيعات الصحف وملاحقها الرياضية ارتفاعاً شديداً في إصداراتها منذ بدء المونديال، اصبحت صفحات الرياضة لا تقل عن 16 في غالبية الصحف الإماراتية لشعب لا يتجاوز قراء العربية لديه عتبة المليوني قارئ. فهمت مؤسسات الإعلان اللعبة الجديدة، فتحولت لصاحبة الجلالة وودعت الصورة والتلفزيون. ولا شك في ان المقاهي تحتل موقعاً مهماً في الحياة الاجتماعية العربية، حيث تعد متنفساً للحديث واجتماعات الرجال ولعب الورق للشبيبة... ظهرت النرجيلة وازداد الإقبال عليها لدى الشباب والشابات في امسياتهم ما بين همس الأحاديث وصخب الضحكات، وأدرك اصحاب المقاهي أن السماء فتحت لهم باباً جديداً لتعزيز ايراداتهم، فالتحقوا بأقلية الشبكة ليفتحوا لروادهم ابواب الفرجة والمتعة عبر نقل مباريات كرة القدم... وما بين جدول المنافسات على صفحات الجرائد وتوقيت النقل التلفزيوني، اصبحت المقاهي العنوان الجديد للاجتماع الإنساني، شاشة التلفزيون العملاقة في الزاوية الأهم بالمقهى، الصفوف الأولى للمواطنين وسادة القوم حيث انواع مختلفة من القهوة والشاي والمرطبات والنرجيلة لعشاقها، تليها طاولات وكراسي المهووسين بكرة القدم من الشعب الكريم والمقيمين. وفي آخر المقهى عابرو السبيل او الباحثون عن قتل الوقت في ميدان الغربة وما بينهما شابات آسيويات يسعين بين الصفوف لتلبية الطلبات. فجأة تعالت صيحة مدوية، تحمل مشاعر اللوعة وخيبة الهزيمة، لقد سجل الارجنتينيون الهدف القاتل، وغادرت مصر مونديال الشباب، لكن الناس عادوا لصحفهم وحياتهم الجماعية في المقاهي. تأهل البرازيل وإسبانيا تأهلت البرازيل للدور ربع النهائي بفوزها على سلوفاكيا 2-1 بالهدف الذهبي أمس على استاد الشارقة، وافتتح المهاجم السلوفاكي فيليب سيبو التسجيل في الدقيقة 61، وأدرك دودو التعادل للبرازيل قبل نهاية اللقاء بخمس دقائق قبل أن يضيف هو نفسه هدف الفوز الذهبي مع نهاية الشوط الأول من الوقت الإضافي. وتلتقي البرازيل في الدور المقبل مع اليابان التي تغلبت أول من أمس على كوريا الجنوبية 2-1 بالهدف الذهبي أيضاً. وبلغت إسبانيا الدور ذاته بفوزها على باراغواي بهدف لسيرجيو غارسيا 66، وتلعب في الدور المقبل مع كندا التي تغلبت أول من أمس على بوركينا فاسو 1-صفر